شيّع لبنان اليوم الجمعة الشاعر والأديب اللبناني جورج جرداق الذي عرف على مستوى جماهيري منذ غنّت أم كلثوم قصيدته "هذه ليلتي" التي لحنها محمد عبد الوهاب عام 1968. وأقيمت مراسم الجنازة للراحل الكبير الذي توفي الأربعاء الماضي عن 83 عاماً بعد صراع مع المرض في كاتدرائية "مار نقولا" للروم الأرثوذكس في الأشرفية في بيروت قبل أن ينقل جثمانه إلى مسقط رأسه في جديدة مرجعيون في جنوبلبنان. وكان وزير الثقافة ريمون عريجي نعاه في بيان قائلاً إنه بغيابه "يخسر لبنان علماً من أعلامه الثقافية والأدبية... سيبقى منهلاً ومرجعاً لكل مثقف لبناني وعربي وبصمته الخاصة التي تركها في الحياة الثقافية ستبقى مدوية". ولد جورج سجعان جرداق عام 1931 والتحق بالكلية البطريركية في بيروت عام 1949، وفي العام التالي ألف كتابه الأول "فاجنر والمرأة" عن الكاتب والموسيقي الألماني ريتشارد فاجنر (1813-1883). وبعد تخرجه عام 1953 عمل في تدريس الأدب العربي والفلسفة في عدد من الكليات في بيروت إضافة إلى عمله في الصحافة. وكان جرداق على موعد مع الشهرة على نطاق العالم العربي حين اختار محمد عبد الوهاب عام 1967 قصيدته "هذه ليلتي" ورشحها إلى أم كلثوم لتغنيها في العام التالي. ونال جرداق كثيراً من الجوائز وكرمته أكثر من مؤسسة وآخرها مؤسسة "عبد العزيز البابطين" التي منحته جائزة الإبداع الشعري لعام 2014، ولكن مرضه حال دون سفره إلى الحفل الذي أقيم الشهر الماضي في مراكش لتسلم الجائزة التي تبلغ 50 ألف دولار. التف حوله مشاهير الفن في العالم العربي مثل فيروز والأخوين رحباني وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيلمون وهبي ونصري شمس الدين ورياض السنباطي ووديع الصافي. وإضافة إلى عمله مع كبار الفنانين، فإن جرداق وضع موسوعة كاملة عن الإمام علي بن أبي طالب تحت عنوان "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية" في خمسة أجزاء، هي "علي وحقوق الإنسان" و"بين علي والثورة الفرنسية" و"علي وسقراط" و"علي عصره" و"علي والقومية العربية". ثم أتبعها بملحق كبير بعنوان "روائع نهج البلاغة". وقال العلامة الشيعي السيد علي الأمين الذي شارك في التشييع في الكنيسة، إن "الفقيد هو خسارة للفكر الإنساني كله ليس للبنان ولا للعرب لأنه كان داعية من دعاة الوحدة الإنسانية والتعايش، لذلك نعتبر أن هذا اليوم هو خسارة لكل فكر إنساني انفتاحي عابر لحدود المذاهب والطوائف". وقال الملحق الثقافي في المستشارية الإيرانية في بيروت سيد حسن صحت الذي شارك في التشييع أيضاً: "أتيت للتعزية باسم الجمهورية الإسلامية في إيران. حزنّا كثيراً لفقدان هذه القامة الكبيرة. في إيران أكثر الناس يعرفونه جيداً من خلال كتاباته عن الإمام علي، وهم يحفظون قوله: قُتل علي بن ابي طالب لشدة عدله". وقال الكاتب بديع أبو جودة: "جورج جرداق يتحلى بسعة معرفة وأسلوب سلس رقيق ونقد لاذع فكه وإيجابية الغاية والهدف يرنو الى البناء... لا النقد الهدام". وقالت المحامية اللبنانية بشرى خليل إن جرداق "هو أحد كبار المبدعين العرب. جورج جرداق عاش حياته بطريقة استثنائية أشبه بكبار المبدعين الذين مروا في العصور الماضية. كان يعزل نفسه عن الطقوس العادية التي يعيشها الناس في هذا العصر. لم يتوقف عن العطاء حتى الرمق الأخير". وقال الشاعر اللبناني الياس لحود: "جورج هو ثقافة بحد ذاته ما لم أقل ثقافات. زمنه كان ضرورياً. تعمق في كل شيء وامتد واتسع. كان جورج جرداق مكتبته بكل كتبها بطبعاتها المتعددة. كان أكثر من فرد... كان جماعة... كان ناساً... كان شعباً... كان وطناً".