كان ذلك الشاعر الذائب في الكلمة الناعمة الباكية وكان ذلك الكاتب الساخر على أعمدة "النهار" صاحب الثقافة العربية الإسلامية الراقية فيما أصدره من موسوعة تكاد تكون شاملة عن الإمام علي وهو المسيحي الذي تخاطب مع الوجدان بعيداً عن كل بذور التعصب. إنه جورج جرداق ذلك اللبناني ابن مرجعيون تلك المنطقة الجنوبية.. تقول بعض المصادر في جزء من حياته.. تقول بانه كان ينتقي "صخرة" تحت شجرة ليحفظ شعر المتنبي وفقه اللغة العربية في مجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي. وعندما اشتكت المدرسة من فراره الدائم، حاول ذووه معاقبته، فتدخل شقيقه فؤاد معللا: "إن ما يفعله جورج يفيده أكثر من المدرسة". وتشجيعا له أهداه "نهج البلاغة" للامام علي بن أبي طالب، قائلا: "إقرأه واحفظه". في الثامنة عشرة وضع أول كتبه "فاغنر والمرأة" الذي قرر طه حسين ادراجه ضمن لائحة الكتب التي ينبغي على طلاب الدكتوراه في الأدب قراءتها بإمعان. جرداق استهل عمله الصحفي في مجلة "الحرية" قبل أن ينتقل الى الكتابة في صحف اخرى كالنهار دون أن يتخلى عن اسلوبه الساخر الذي طالما كان بمنزلة "علاج مؤقت لآلام الروح" كما قال، ليضيف "قاتلت ضد الكتابة.. لم أسقط ليقولوا عني بعد مماتي انني دوكيشوت ويقاتل عبثاً طواحين الألم!". إنه الشاعر الذي كتب أوسع الدراسات عن الإسلام وأخلاقياته والذي لا نعرف عنه إلا قصيدته (هذه ليلتي) التي شدت بها (أم كلثوم) مع كل الأسف.