هذه الكلمات وتليها أبيات كتبتها في رثاء خالتي (منيرة حمود التويجري) حرم الشيخ صالح بن محمد المديفر. قبلتها قبل مغادرتها إلى القصيم وودعتها، رمقتني بنظرات شاردة.. واجنة.. عميقة.. بعيدة.. وكأنها تنظر إلى ما لا نهاية، تلك النظرات غرست في جوانحي طعون نازفة.. تلك النظرات أعمق من أن أغوص في التقاط معانيها، وأبعد من أن أتوصل إلى فك رموزها.. لم أفهم منها سوى أنها نظرات لموقن بالهلاك وليس لديه حيلة يحتالها للخلاص من ذلك .. نظرات الموقن بأنه سيغادر إلى ما هو أبعد من القصيم.. سألتها أمي وهي تغص بدموعها.. أو تتركينني يا منيرة؟! ودون أن تنظر إليها وبنبرات ساكنة منقطعة الأمل.. كان رد المغلوب على أمره وماذا أفعل؟ لم تنظر إلى أختها وكأنها تتحاشى تلك النظرات المتوسلة التي تطل من عيون غارقة بالدموع.. ولسان حالها يقول: لا يجدي ذلك.. خارج عن إرادتي ما يطلب.. ولن أستطيع تلبيته.. هذا قدرها.. فكأنما شعرت في تلك اللحظة أنها الرحلة الأخيرة في حياتها.. وتليها رحلة لا رجعة منها.. فهي الأطول والأبعد.. ستترك الأحباب.. لتلتقي بأحباب آخرين. خرجتُ من عندها وفي قلبي غصة أثقلت خطواتي زفت مهجتي ألماً وحرقة .. قبل أن تنزف عيوني دموعاً ساخنة.. وكأنما هو فوح الوجدان المكلوم.. لا نفع من ذلك كله وإنما هي مشاعر وأحاسيس نضحت وفاضت. فرحمك الله يا خالتي الغالية. أسأل الله أن يتقبلك قبولاً حسناً.. ويضيفك دار كرامته.. وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة.. ويسكنك الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجازيك بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً. الرحيلُ الأخير تؤوب الحبيبه، تحط الرحال وتنوي المقامَ بليل بهيمْ تودع خلاً وتتركُ داراً وتهجرُ ودَّ حبيبٍ قديم فأوجاع فقدها تسكن فينا وتحكي حكايات إلف حميم غيابها يحفر عمقاً وعمقاً وينزفُ ينزفُ جرحاً أليم وترحلُ تبعدْ تنشدُ دارك فهيئ لها ربِّ دار النعيم فيا أرضُ قري بمن قد أتاك وحييه مرحى بضيف مُديم ويا قبرُ ارأف بمن قد حويت وضمَّ الحبيب به كن رحيم وياربَّ رحماك اعطف عليها تجاوز فأنت العلي العظيم فقد كان ذاك الحبيب متيم بكلِّ سخاءٍ ومعنى كريم فوصلُ قريبٍ ورحمى ضعيفٍ وصدقُ مقالٍ وخوفُ العليم فيا ربَّ ارحم ضعيف رحماك ومن قد أتتك بقلبٍ سليم فقد قاست المر داءً عضالاً وجاءتك تحبو بجسم كليم فطهِّرها يا ربِّ من كلَِّ ذنبٍ واغسل خطاها فأنت الحليم وأبدلها داراً وأهلاً وخيراً وبرِّد لظاها بظلٍ مقيم