قبل أيام ودعت مدينة بريدة أحد وجهائها وأحد المربين الأفاضل، هو الشيخ سليمان بن عبدالعزيز الفهد الرشودي رحمه الله. فلقد شعرت - مثل الكثيرين في جماعته ومعارفه - بفداحة المصيبة وعمق الحزن لفراقه رحمه الله، ولكن هذه سنة الله في خلقه.. ولقد سعدت بصحبة الفقيد والقرب منه ما ينيف عن خمسة وعشرين عاماً.. كان مثالاً في الصلاح والديانة والخلق الحسن والصدق، مثالاً في المروءة والوفاء والشيم العربية والقيم الإسلامية.. فهو فرع من شجرة طيبة اشتهرت بالخير والفضل. فوالده عَلَمٌ من أعلام المنطقة، وأما جده فهد العلي وشقيقه إبراهيم هما صاحبا المواقف التاريخية.. ومن أبرز أولئك الأعيان الذين ناصروا الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بأموالهم وأنفسهم إبان توحيد المملكة وفي أحلك الظروف القاسية. وكان الفقيد - رحمه الله - عزوفاً عن المظاهر والجاه، فبعد وفاة والده - رحمه الله - طلب منه بعض الوجهاء وعلى رأسهم الأمير عبدالرحمن السديري - أمير منطقة الجوف - آنذاك - أن يقوم مقام والده، فاعتذر الفقيد بلباقة.. وعندما اقترح عليه بعض محبيه إبراز ما لديه من وثائق ومراسلات بين الملك عبدالعزيز وجده رحمهما الله، قال: إنما العز بطاعة الله، وكان الفقيد ساعياً في الإصلاح محباً للخير وأهله مكرماً للعلم والعلماء ناصحاً لولاة الأمر.. وكان من صفاته سلامة الصدر مع سماحة وبشاشة، وكان سديد الرأي، ويحظى باحترام الناس ومحبتهم. رحمه الله وأسكنه جنته وأحسن عزاء أهله وأبنائه وبناته وأسرته. ثم إنني أتوجه إليكِ - ابنة الفقيد أم أولادي - ببالغ التعزية والمواساة في هذا الخطب الجلل، وتذكري مصابنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فصبر جميل وعزائي أن أرى فيك كثيراً من خصال أبيكِ الكريمة وسجاياه الحميدة. على مثل أبيك فلتبك عليه البواكي.. وليبك عليه المتهجدون إذْ افتقدوه، وليبك عليه أولئك المساكين والأيتام، وذو الحاجات الذين كان يتعاهدهم، وليبك عليه أهله ومحبوه وجماعته الذين خيم عليهم الحزن لفراقه. حسبك أيها القلم فقد هيجت أشجاناً وجددت أحزاناً.. حسبك ثم حسبك.. رحم الله أبا إبراهيم وأسكنه فسيح جناته وأموات المسلمين.