هذه رسالة أوجهها إلى كل من يرى هذه الدنيا بألوانها الرمادية.. رسالة إلى كل مهموم ومكروب.. رسالة إلى من تكالبت عليه الظروف.. عنوانها المحبة وباعثها الإخلاص.. حينما تتكالب عليَّ هموم من كل ناحية وصوب أجد نفسي مغطًّى بفراش الألم واضعاً رأسي على وسادة الحيرة والأمل البعيد.. كل الأمور تنقلب ضدي!! لا أجد من ينفس عني.. يأتيني شعور خطير يقول لنفسي: إلى متى وأنت كذلك؟؟ أتريد أن ترتاح أقبل إليَّ، فقط ألقي بنفسك من مرتفع، أو اقتل نفسك بشفرة، أو خذ بعض هذه المهدئات والمخدرات فستجد الراحة والطمأنينة.. ما هذا؟؟ آآآآه!! والله إنه لكابوس مزعج، قلتها وأنا أجلس على السرير أنفاسي متسارعة قلبي يكاد أن يخرج من صدري من شدة خفقانه.. نظرت إلى الساعة لأجدها تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، رجعت وأكملت نومي.. جاء إليَّ شخص وقال: ما بك يا أخي؟؟ قلت: أو يهمك أمري؟؟ قال: نعم، قلت: دعني؛ فأنا مهموم ومنزعج. قال لي: هل أنت مسلم؟؟ قلتُ له: بالطبع نعم، قال: هل تصفحت صفحات التاريخ؟؟ قلت: وما المهم في ذلك؟؟ قال لي: إليك هذه الكلمات أبعثها إليك من أخ يريد أن ينفس عن أخيه كربته، قلت له: تفضل. قال: مَن أفضل من وطأ الثرى؟؟ قلت له بثقة: إنه الرسول صلوات الله وسلامه عليه، قال: أتدري ماذا حصل له؟؟ قلت: أعرف القليل. قال: سأروي لك ما حصل لنبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم، الكل يعرف القصة كاملة، لكن سأمر على بعض مواقفه الصعبة والعظيمة لعلك تأخذ منها العظة. كان أبو طالب وخديجة رضي الله عنها يدافعان عنه أيما دفاع، وفي عام واحد توفِّيا!! في هذا الموقف بدأت قريش في التجرؤ عليه صلى الله عليه وسلم، فقرر الذهاب إلى الطائف لعله يجد من ينفس عنه وينصره، ذهب ليجد الاستقبال المؤلم لدرجة أنه دميت عقباه وتلطخت نعلاه وسال دمه الزكي على أرض الطائف. هذا الموقف الأول، فهل ما أصابك يعادل هذا؟؟ وفاة لعزيزين، تطرد من مدينتك، تخذل ممن ترجو نصرتهم. هناك ما هو أشد وأقسى من ذلك، فعن مدرك بن منيب أيضاً عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول: (يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا)، فمنهم من تفل في وجهه!! ومنهم من حثى عليه التراب!! ومنهم من سبَّه، حتى انتصف النهار، فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه وقال: (يا بنية، لا تخشي على أبيك غلبةً ولا ذلةً). فقلت: من هذه؟؟ قالوا: زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي جارية وضيئة.. (أريدك أخي أن تضع نفسك مكانه صلى الله عليه وسلم). هذان موقفان من بعض ما ألمَّ به صلى الله عليه وسلم. وإن المواقف كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، ولكن تذكر أخي أن بعد كل محنة منحة، والصبر مفتاح الفرج، وإن مع العسر يسراً. بعد رجوعه من الطائف كانت الرحلة العظيمة (الإسراء والمعراج).. بعد سنين من التنكيل والعذاب والأذى تأتي الهجرة إلى المدينة. قلتُ في نفسي: هذا خير مَن وطأ الثرى وقد وجد من الأوجاع والهموم ما لم تصل إليه همومنا.. ولو تصفحنا صفحات التاريخ لوجدنا ما يشيب له الرأس. وفجأة!! استيقظتُ لأرى شمس الأمل تظهر من جديد، الكل منا يمر بمصاعب، يمر بكرب، يمر بهموم، أكاد أجزم أن الجبال لا تتحملها، ولكن تذكر أخي نحن في هذه الدنيا أحوالنا ليست سواء، ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة لما سقى منها الكافر شربة ماء، أريدك أخي أن تتذكر معي بعض هذه النقاط: 1- لا تنسَ أنك مأجور، وبحسب إيمان المرء يزداد بلاؤه، وهناك درجات في الجنة لا يصلها الشخص بعمله بل بصبره على البلاء. 2- تذكَّر أن هذه الدنيا ليست دار خلود، وأنها مرحلة ابتلاء واختبار،{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} 3-اعرض مشكلتك وهمَّك على ذوي الاختصاص ومن تجدهم أهلاً لذلك؛ فقد يجدون حلاً سريعاً وفعالاً. 4- اقرأ القرآن واستمع له تجد الراحة النفسية،{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} أخيراً لا تدع شبح الهم والحزن يأكلك ويقضي على حياتك، لكن ارفع همتك وارتقِ وأقبل على الله، ومن الجميل أن تقتني كتاب (لا تحزن)؛ فهو خير معين للمهموم والمكروب والحزين.