التأم البارحة شمل المجتمعون في منتجع دافوس السويسري الذي يستضيف المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي، بغية التقاط أنفاس هذا العالم اللاهث اقتصادياً عبر مداولات ومباحثات تضع إطاراً لبوصلة يتحدد وفقاً لذبذباتها اتجاهات حراك الاقتصاد في العالم لعام قادم. ورغم الجدليات التي لم تفض إلى منجز ملموس ومخرجات حول قضايا حيوية في منتديات سابقة، إلا أن منظري الموالاة للفكرة يرون أن الفرصة قائمة لقادة العالم وكبار اللاعبين فيه ومنظري راؤه الثقافية فضلاً عن ممثلي الدول النامية، أن يلتقوا ويتحاوروا في (مختبر) دافوس لاستحداث وصفة تعاونية اقتصادية وبداية جديدة توفر حياة أفضل لفقراء الكون علاوة على مواجهة تحديات وأخطار ظلت لزمن شوكة في خاصرة عالمنا الذي يلتمس شراكة دولية بإدراك أشمل. بيد أن مناهضي منحى هذا المنتدى يرون أنه الجانب غير الرسمي لهيمنة الدول الكبرى على العالم، إذ لا يعدو إلا أن يكون محصلة لفلسفة اقتصادية اتخذت العالم ملعباً لها لتوظيف العولمة لخدمة مصالحها على حساب الدول المستفقرة. فالأولى لم تضع توصيات وخطط المنتدى السابقة نصب أعينها وتقدّم تنازلات وفرصاً اقتصادية حقيقية ل(حديقة العالم الخلفية) الفقيرة والتي تعيش من يدها لفمها وتتساءل عن كيفية قدرتها على المنافسة العملية في الاقتصاد العالمي.منتدى دافوس... المنتدى الذي نبعت فكرته منذ ما يربو على الثلاثين عاماً عندما عمد أستاذ الاقتصاد السويسري كلاوس شواب المتحدر من أصول ألمانية إلى تأسيس ناد صغير لرجال الأعمال الأوروبيين بمدينة دافوس، ثم تحول تدريجاً إلى مؤسسة ضخمة تضم النخبة وصولاً إلى ما عرف بمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي، ركّز في لقاء العام الماضي 2005 على بحث اقتصادات القارة الإفريقية ومكافحة الفقر، ولكنه يتجّه شرقاً هذه المرة لمناقشة الثقل الاقتصادي للصين والهند، وبروز الدور الاقتصادي لقارة آسيا ، بجانب قضايا جوهرية أخرى تشمل المنظور الاقتصادي المتغيّر والتعامل مع إدارة اللا توازنات وارتفاع أسعار النفط ثم زيادة الطلب على الموارد. يكمن الطرح الجديد في منتدى دافوس لهذا العام في اهتمامه بالملفات التقليدية نظراً لما شهدته الأعوام الماضية من أحداث اقتصادية جسام أثَّرت على إعادة صياغة المشهد العالمي بكل أطيافه، فيفسح بذلك مساحات أرحب لمبادرات غير اقتصادية جديدة ربما تصل إلى مصافات الحلول المقنعة للمناهضين الذين يصنفون المنتدى ككيان رأسمالي متوحش يسعى إلى نشر ثقافة الاستهلاك الفردي على شعوب العالم، الأمر الذي جعل من مواقيت هذا المنتدى السنوية موسماً للتظاهرات المناهضة للعولمة. إن صح الزعم الذي يذهب إلى أن المنجز القراراتي لمنتديات دافوس السابقة هو بلورة منمقة لرؤية غربية محضة تتمخض عن خسائر فادحة وتحيل الفقراء إلى مدرسة التبعية التي تجأر بالشكوى من خلل في ميزان المدفوعات والميزان التجاري، بل تدمير القاعدة الوطنية الصناعية والزراعية وهيمنة الطابع الاستهلاكي، فإن هناك كيانات ورموز اقتصادية دولية ترفع شعارات من داخل دهاليز المنتدى، تنحاز إلى هموم الفقراء لتقول وتعمل جاهدة على أن الحقوق الصحية الأساسية للبشر أكثر أهمية للعالم من الحصول على مدخل لشبكة الإنترنت، كما قدمت رؤى واقعية لبدائل ناجعة لم تجد آذاناً صاغية. وحتى يضع هذا المنتدى (أوزاره) في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، يفصح رئيس جامعة هارفارد، لورنس سومرز عن قناعاته حول تغير معايير التحسن التي يمكن أن تطرأ كنتاج للنمو الاقتصادي المنشود في السنوات الأخيرة قائلاً: إن الحاجة مستمرة لضرورة النمو الاقتصادي، بيد أنه غير كافٍ للكثير من نماذج التنمية الاجتماعية. فإن أمعنا النظر حول عالمنا، فسنجد أن الدول التي أبدت توجهاً صادقاً نحو الازدهار الاقتصادي، توفرت لديها أدوات فاعلة للتخلص من شبح الفقر، فارتفعت مؤشراتها الإحصائية المتحسنة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والمناحي الأخرى. عليه، يظل مظهر النمو الاقتصادي عنصراً مركزياً في معادلة التنمية، وجوهرياً للدول الصناعية في تطلعاتها لتلبية أفضل لحاجات مواطنيها. وفي ذات الوقت، يظل النمو غير كاف إن لم توزع الثمار - على سبيل المثال - على نحو عادل. ترى هل هذه هي المعادلة المفقودة والتي ساقها هذا الأكاديمي على نحو بسيط، هي المفتاح الذي يركض وراءه المجتمعون في دافوس؟