حين يجتمع رؤساء الشركات العملاقة والسياسيون والمصرفيون ينتهون بعقد صفقات. لكنهم حين يجلسون ايضاً للحوار يكتشفون ان الاقتصاد الذي يصنع ثرواتهم يتعلق بحياة ستة بلايين انسان يقطنون المعمورة. "المنتدى الاقتصادي العالمي 2002" منعقد في نيويورك معبد الرأسمالية. المشاركون عددهم 2700 اتوا من 106 دول، وربعهم تقريباً أتى من البلدان النامية. المنتدى هذه السنة تأمرك. الأمر زاد حنق اعداء المنتدى الذين يناهضون دوره ودور الف اكبر شركة في العالم، تتمثل كل سنة في مداولاته. المناهضون قرروا الرد على هذا التجمع الرأسمالي الذي لا يراعي، في نظرهم، حرمة الافراد والطبيعة، لذلك ابتدأوا، منذ السنة الماضية، منتدى مناهضاً في مدينة "بورتو الليغري" البرازيلية. الاستفتاءات والاستبيانات والاحصاءات المنشورة في منتدى نيويورك تخص، اولاً، رجال الاعمال ورؤساء الشركات الكبيرة. نصفهم أعلن انه سرّح موظّفيه وعمّاله لمواجهة الازمة، واكتفى بعد ذلك بعدم توظيف أي شخص باستثناء أرباب العمل في آسيا الصفراء، حيث كان خفض الرواتب بدلاً من التسريح، الربح والمال مقابل الانسان. منظمو المنتدى محرجون. في العام الماضي خرجت تظاهرات في دافوس حيث مكان انعقاده التقليدي، قمعتها السلطات السويسرية بشدة ليست مبررة. نيويورك هذه السنة لم تنجُ من موجة العداء "السلمية" لمناهضي العولمة. المنتدى بات قطب عداء لا يستطيع منظّموه ان يتجاهلوا المأزق الذي غرقوا فيه. العام الماضي كانت تغطية منظمي منتدى دافوس للمنتدى المناهض في البرازيل منصفة، حاول القائمون عليها اظهار موضوعيتهم. الامور اختلفت هذه المرّة، وكأن الهاجس الامني صار الاول، وتراجعت معه اعتبارات كثيرة تراعي حساسية المشاركين والرأي العام، واولها مراعاة منتقدي العولمة الفجّة، باعتبارها ظاهرة تخدم الاغنياء وحدهم. في حفلة غداء خاص نُظّمت امس غنّى ألتون جون لمئتي مدعو الى منتدى نيويورك. كلفة المغني البريطاني كانت مليون دولار في مقابل ساعة من وقته. والشيء بالشيء يذكر. قيمة تبرعات بلدية "بورتو الليغري" اليسارية للمساهمة في تنظيم المنتدى المناهض بلغت مليون دولار. الصحيفة اليومية لمنتدى نيويورك افادت ان الحدث في البرازيل "سيجمع حوالى عشرة آلاف فلاح ومثقف وعامل ومناضل اجتماعي". والمنظّمون في البرازيل أكدوا ان مؤتمرهم سيضم 14 الف مشارك يحضرون 700 ندوة، وان عدد الحضور الاجمالي سيبلغ 40 - 50 الفاً، يأتون من 150 دولة، وسيكون بينهم عشرة آلاف طالب وشاب وألف فلاح... فقط. بين المشاركين في البرازيل المرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية جان بيار شوفينمان وستة وزراء فرنسيين، ولائحة طويلة من الحائزين على جائزة نوبل والوزراء من اوروبا واميركا اللاتينية والمفكّرين والفلاسفة وزعماء المنظمات غير الحكومية والنقابات. اما مندوبو البنك الدولي فمُنعوا من المشاركة. في العالم اليوم يعاني حوالى 815 مليون شخص من نقص في الغذاء ويموت ثمانية في المئة من اطفال العالم الثالث الذي يشكل نحو 90 في المئة من المعمورة قبل بلوغهم سن الخامسة. مشكلات الفقر تبقى ملحّة. الارقام هي اكثر من مجرد حسابات دفاتر وموازنات شركات. ومن نيويورك الى "بونتيه الليغري" يقرّ الجميع بأن الاقتصاد العالمي مرتهن للاقتصاد الاميركي، وبأن العالم الغني يحكم العالم الفقير. كل ما يطالب به المعارضون للعولمة هو تغيير طريقة التفكير في توزيع الثروات لا اكثر.