عرفت فيروسات الإنفلونزا بخطورتها في بدايات القرن العشرين، حيث تكونت خلال هذا القرن ثلاثة أنواع من فيروس الإنفلونزا أهمها نوع A والتي أدت إلى ظهور ثلاث أوبئة أكبرها في عام 1918-1919 ميلادي عرفت بالإنفلونزا الإسبانية، وهي من النوع HINI التي أودت بحياة نصف مليون شخص في الولاياتالمتحدةالأمريكية وما يقارب الخمسين مليون شخص حول العالم. هذا النوع لا يزال يوجد إلى يومنا هذا بعد أن عاد في عام 1977م. وفي عام 1957 - 1958 ميلادي ظهرت الإنفلونزا الآسيوية من النوع H5N2 التي قلت 70000 شخص فقط في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي عام 1968-1969 ميلادي سببت إنفلونزا هونك كونك وهي من النوع H3N2 التي قتلت ما يقارب 34000 شخص في الولاياتالمتحدةالأمريكية. فيروس الإنفلونزا الإسبانية يكون نتيجة تغيرات وراثية في فيروس الإنفلونزا نوع A البشري أما الأوبئة الأخرى تكونت نتيجة اختلاط وراثي بين إنفلونزا الطيور وإنفلونزا البشر. والآن فإن العالم يستعد وبشكل سريع وطارئ للاحتمال الكبير لظهور وباء الإنفلونزا الجديد الذي سوف يضرب جميع بلدان العالم دون استثناء، وسوف يظهر المرض في أي بلد يمر بها الفيروس. هذا الوباء سوف ينتج عنه عدد كبير من الوفيات. ولكن رغم هذه الاستعدادات فإن كمية اللقاحات إن وجدت في بداية الوباء والأدوية لن تكون كافية في البداية إلا بعد عدة أشهر من ظهور الوباء. أنواع فيروس الإنفلونزا لفيروس الإنفلونزا ثلاثة أنواع أساسية هي النوع A، النوع B والنوع C، والنوعان B وC أقل خطورة على الإنسان ولا تسبب أوبئة ولكن النوع A هو الوبائي والأخطر والعائل الأساسي له هي الطيور البرية وبالأخص الطيور المائية التي تحمل الفيروس في الأمعاء، كما أن البط الأهلي يمكن أن يحمل الفيروس ولا يسبب لها أي مرض. بالإضافة لإصابة الإنسان فإن النوع A يصيب معظم الحيوانات ويسبب لها المرض الذي قد يكون قاتلاً. تُقسم الإنفلونزا A إلى عدة أقسام اعتماداً على نوع البروتينات الموجودة على غلاف الفيروس التي تسمى HA ويوجد منه 15 نوعاً والآخر يسمى NA ويوجد منه 9 أنواع. أي تأليفه بين هذين البروتينين يعطي نوعاً مختلفاً من الفيروس A فعلى سبيل المثال؛ فيروس الإنفلونزا الموجود حالياً في بعض بلدان العالم الذي يهدد بظهور وباء عالمي جديد هو إنفلونزا A من النوع H5N1. كيف تتطور فيروسات الإنفلونزا ولفيروس الإنفلونزا القدرة على التغير السريع حيث يعتبر من أقوى الفيروسات (بعد الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب) مقدرة على التغير الجيني. ولفيروسات الإنفلونزا طريقتان أساسيتان للتغير الجيني. الأولى تعرف بالطفرة التكيفية Antigenic drift وهذا التغير يظهر كثيراً في فيروسات الإنفلونزا نوع A مما يجعل الجهاز المناعي للعائل بحاجة دائمة لتكوين مناعة جديدة ضد الإنفلونزا وهذا هو السبب الذي يجعل بعض الأشخاص يصاب أكثر من مرة بالإنفلونزا. بالإضافة فإن هذا التغير المستمر هو السبب في التغيير السنوي للقاحات الإنفلونزا لتواكب هذا التغير السريع بفيروسات الإنفلونزا لهذا فإن الأشخاص الذين يرغبون في الوقاية من الإنفلونزا يحتاجون أن يتم تحصينهم سنوياً. الطريقة الثانية إعادة التفاوز Antigenic shift وهذا النوع يحدث نادراً ويسبب تغيرا كبيرا بالفيروس ويؤدي الى ظهور نوع جديد من إنفلونزا A يصيب الإنسان ويؤدي لظهور الأوبئة في حالة تطوره وقدرته على الانتقال من شخص لآخر. هذا النوع من التغير هو الذي قد يكون حدث في 1997م في آسيا وأدى لظهور نوع جديد من إنفلونزا الطيور الذي أودى بحياة 67 شخصاً حتى الآن. يحدث هذا التغير عندما يصاب شخص أو حيوان بفيروس إنفلونزا الطيور نوع A وفيروس إنفلونزا البشر نوع A حيث يحدث تبادل للجينات بين هذين الفيروسين وينتج فيروس جديد خليط من فيروس إنفلونزا الطيور وفيروس إنفلونزا البشر. هذا الفيروس الجديد إذا كان له القدرة على الانتقال بين البشر فإنه قد يسبب وباء. متى تظهر الأوبئة؟ وضعت منظمة الصحة العالمية عدة مراحل لفيروس إنفلونزا الطيور توضح الخطوات التي يمر بها ليصبح وباء وهي: أولاً: ما قبل مرحلة الوباء وبها مرحلتان: 1 - احتمالية انتقال الفيروس للإنسان وإنتاج مرض تكون منخفضة، حيث لم يتم اكتشاف فيروس إنفلونزا جديد في الإنسان بهذه المرحلة والفيروس المسبب للمرض في الإنسان تم اكتشافه في الحيوان فقط. 2 - لم يتم اكتشاف فيروس إنفلونزا جديد في الإنسان ولكن هناك أدلة عن وجود فيروس إنفلونزا ذي مصدر حيواني جديد في البيئة ويحمل القدرة على إصابة الإنسان. ثانياً: الإنذار عن حدوث حالة وباء وتقسم لثلاث مراحل: 1 - ظهور إنفلونزا من نوع جديد بالإنسان ولكن الانتقال من شخص لآخر لم يثبت بعد، ووباء إنفلونزا الطيور الذي يهدد العالم الآن في هذه المرحلة. 2 - زيادة في عدد الحالات في منطقة محدودة مع انتقال الإنفلونزا من شخص لآخر ولكن بشكل محدود جداً. 3 - الزيادة بشكل ملحوظ في عدد الحالات مع احتمال زيادة عدد المناطق المصابة ولكن الانتقال من شخص لآخر ما زال محدودا في المنطقة المصابة. ثالثاً: مرحلة الوباء: زيادة في عدد الحالات بين البشر وكسب الفيروس القدرة على الانتقال بين البشر. العلاج والوقاية ضد الإنفلونزا القادمة توجد عدة عقاقير تعمل ضد إنفلونزا A ومنها أمنتادين وريمانتادين وأوسلتا ميفر وزاناميفر ولكن من المحتمل أن يتغير فيروس الإنفلونزا نوع A ويصبح مقاوما لهذه العقاقير. على سبيل المثال إنفلونزا A نوع H5N1 وهو الذي تم اكتشافه في آسيا فإنه أصبح مقاوما لعقار أمنتادين وريمانتادين. ولتطوير لقاح ضد إنفلونزا الطيور في الإنسان فإن هذا يحتاج إلى عدة شهور بعد التعرف على نوع فيروس الإنفلونزا المسبب للمرض. لهذا فإن اللقاح احتمال أن لا يكون متوافرا في البداية إلا بعد عدة أشهر. أما اللقاحات التي يتم تصنيعها الآن فقد لا تكون فعالة ضد الفيروس الذي سوف يسبب الوباء وذلك لأن التغير في التركيب الجيني المميز للفيروس الذي سوف ينتج نتيجة إعادة التفارز غير معروف. وللعمل على تقليل فرص إصابة الإنسان بالعدوى فإنه لا بد من مكافحة المرض في الطيور وبشكل صارم مع التعويض إن أمكن لأصحاب الطيور المعدمة، وهذه هي الطريقة الأساسية لتقليل فرص إصابة الإنسان. كما أن تغيير السلوكيات التي تعرض البشر للفيروس تعتبر مهمة جداً في الحد من المرض وتأخير وقوع الوباء. الاستعدادات لوباء الإنفلونزا جميع الظواهر الحالية والتطورات التي تحصل لإنفلونزا الطيور في مناطق عدة من العالم تفصلها البحار والمحيطات تدل دلالة واضحة على أن وباء الإنفلونزا وارد وبشدة بعد - مشيئة الله -. لهذا فإن الوضع الحالي يختلف عن الأوبئة السابقة حيث الآن يوجد إنذار مبكر لحدوث وباء حيث انه ثبت باستيطان فيروس الإنفلونزا A نوع H5N1 في الطيور وتم انتقاله للبشر في مناطق مختلفة من العالم وهذا الإنذار أعطى فرصة غير مسبوقة للتأهب للمرض وتطوير السبل لتخفيف آثارها. وليس من الممكن أن نتوقع حجم الوباء الذي سوف يحدث ولكن قد يكون أقل حدة في بلاد العالم المتطور والبلاد الغنية وذلك نتيجة المقدرة على توفير اللقاح والأدوية وتوزيعها بسرعة المناسبة، هذا بالإضافة لتوفير عدد كبير من العاملين في هذا المجال. وتختلف الاستعدادات لوباء الإنفلونزا عن غيرها من التهديدات التي تهدد الصحة العامة وذلك للآتي: - الوباء ممكن أن يأخذ فترة زمنية طويلة ويكون بشكل موجات عاصفة تفصلها شهور كما حدث في الأوبئة السابقة. - لا يمكن التنبوء بتوقيت حدوث الوباء ومدى شدته كما أن تطور الخطر أمر لا يمكن التنبؤ به وذلك نظراً للطابع المتغير الذي تتميز به فيروسات الإنفلونزا. - عدد العاملين في الحقل لمكافحة الإنفلونزا من الممكن أن يقل وبشكل يؤثر على برنامج مكافحة المرض، وذلك لأن هؤلاء العاملين يكونون في المواجهة مع المرض ولهذا فهم دائماً على خطر. - مصادر العلاج واللقاح من الممكن أن تقل في بعض المناطق وهذا يعتمد على حدة وانتشار الوباء. ولكن الإدارة الجيدة والتحضير المناسب والمسبق للوباء من خلال وضع لجان علمية من ذوي الاختصاص لدراسة وتقييم الوضع ووضع الإجراءات الاستراتيجية المناسبة والقيام على توفير المختبرات المناسبة والكوادر المدربة للتعامل مع الوضع في جميع حالاته والتقنية العالية للاتصالات ليسهل التعاون مع المنظمات العالمية (مثل منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان ومنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة) والمؤسسات المحلية (مثل وزارة الزراعة والصحة) سوف يكون له الدور الأكبر في احتواء الوباء. لهذا فإنه لا بد من أن يكون هناك تقييم فعال ومستمر للوضع، حيث إن من الملاحظ أنه قد تهيأت الآن كل الشروط لبدء الوباء عدا شرط واحد وهو انتقال المرض من شخص لآخر بصورة فعالة، كما أن زيادة المناطق المصابة تزيد من عدد الأشخاص المعرضين للإصابة وكل حالة تعطي الفيروس فرصة أكبر ليتطور لنوع وبائي. * أستاذ علم الفيروسات المساعد وكيل كلية الهندسة