كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أنفلونزا الطيور وأخطارها على البشر وتسابقت وسائل الإعلام في مختلف دول العالم بنقل أخبار ظهور إصابات جديدة في الإنسان وبات الجميع يتحدث عن وباء عالمي قريب (جائحة)، واختلط الأمر على كثير من الناس وبدأ الخوف يغزو قلوبهم لكثرة الاجتهادات والتفسيرات المنقولة من هنا وهناك، ولعل أفضل طريقة لتبديد المخاوف هي إلقاء الضوء على الموضوع حسب ما ثبت علميا بعيداً عن المبالغات. انفلونزا الطيور هو مرض معد يصيب الطيور فقط وأحياناً الخنازير، وذلك نتيجة للإصابة بسلالات معينة من فيروس الانفلونزا نوع (أ)، وعلى الرغم من أن سلالات فيروس انفلونزا الطيور تحدث إصابات محصورة في الطيور فقط ولا تنتقل إلى الإنسان، إلا أن الأمر بدأ بالتغير منذ عام 1997م إذ تم تسجيل العديد من الحالات التي ثبت منها انتقال فيروس انفلونزا الطيور إلى الإنسان. من المعروف أن هناك 15 سلالة من فيروس انفلونزا الطيور (أ) تختلف فيما بينها عن طريق شدة إحداثها للمرض وتشير الدراسات إلى أن السلالة H5N1 هي أكثرها خطورة لذلك ستكون هذه السلالة محور حديثنا لهذا اليوم. تم عزل سلالة H5N1 لأول مرة من الطيور البحرية في جنوب افريقيا تحديداً عام 1961م. وتعتبر الطيور البحرية والطيور البرية المهاجرة في مختلف أنحاد العالم بمثابة الحاضن لهذا الفيروس والذي يتواجد في امعائها ،ولذلك تشكل هذه الطيور مصدر العدوى في البيئة، حيث يتواجد الفيروس في كل من لعابها، إفرازاتها وفضلاتها. ومن الملاحظ أن غالبية الطيور الحاضنة لا تظهر عليها أي أعراض نتيجة لاصابتها بالفيروس على حين فإن انتقال هذا الفيروس من هذه الطيور إلى الدواجن عن طريق مخالطتها قد يؤدي إلى حدوث وباء سريع ومعد فيما بين الدواجن الأمر الذي قد يقتل الدواجن المصابة خلال فترة وجيزة لا تتعدى 24 ساعة. بدأت الأوبئة نتيجة للإصابة بسلالة H5N1 في قطاع الدواجن في الفترة الممتدة من منتصف شهر ديسمبر 2003م إلى فبراير 2004م وشملت الأوبئة ثماني دول في القارة الآسيوية هي (مرتبة حسب ظهور المرض) وهذه الدول هي: كوريا، فيتنام، اليابان، تايلاند، كمبوديا، لاوس، اندونيسيا، والصين. ولقد كانت الخسائر في قطاع الدواجن كبيرة حيث بلغت أكثر من 150 مليون طائر نفقوا أو ذبحوا. وفي 2004م بدأت الاصابات تظهر في ماليزيا لتكون الدولة التاسعة في آسيا. ولقد ساعدت الطيور المهاجرة الحاملة للفيزوس بنقله إلى كل من روسيا، كازاخستان منغوليا، رومانيا، تركيا خلال الستة أشهر السابقة من هذا العام 2005م. ومن المحتمل أن ينتقل المرض إلى مناطق جديدة في العالم، ولقد استطاعت كل من اليابان، كوريا ماليزيا، السيطرة على المرض في حين لا تزال بؤر المرض منتشرة في قطاع الدواجن في بقية البلاد الآسيوية المذكورة سابقاً. ٭ وقد يتساءل البعض: ما هو خطر انفلونزا الطيور على البشر؟ - في الحقيقة هناك نوعان من الأخطار: الأول أن فيروس انفلونزا الطيور قد اكتسب القدرة على الانتقال إلى الإنسان بعد أن كان محصوراً بالطيور سجلت حالات في كل من كمبوديا، اندونيسيا وتايلاند، فيتنام، وعلي الرغم من أن حالات اصابات الإنسان منذ عام 1997م وحتى يومنا هذا وصلت لحوالي 120 حالة (لا ينتقل الفيروس بسهولة إلى الإنسان)، إلا أن إصابة الإنسان بفيروس انفلونزا الطيور كانت شديدة ومترقية. فبعد أعراض زكام بسيطة ترقى المرض إلى إصابة بالتهاب رئوي شديد أعقبه فشل العديد من وظائف أعضاء الجسم ووصلت الوفيات في المصابين إلى ما يقارب 51٪، ليس ذلك فحسب فمن المعروف أن الانفلونزا التي تصيب الإنسان تكون شديدة في فئات معينة كالمتقدمين في السن والمصابين بأمراض مزمنة في حين أغلب حالات انفلونزا الطيور ظهرت في أطفال وبالغين أصحاء. أما الخطر الثاني أن يتطور فيروس H5N1 ليتمكن من الانتقال بشكل أسرع بين البشر، وعلى الرغم من عدم ثبوت قدرة فيروس انفلونزا الطيور على الانتقال من إنسان إلى آخر، إلا أن هناك العديد من الحالات التي يعتقد أن الفيروس قد تمكن بالفعل في الانتقال ولكن والحمد لله على نطاق محدود جداً. ٭ كيف ينتقل الفيروس ب5خ1 من الطيور إلى الإنسان؟ - ينتقل الفيروس إلى الإنسان عن طريق الاختلاط المباشر مع الدواجن المصابة أو ملامسة الأسطح والأدوات الملوثة بافرازاتها وفضلاتها، ومما ساعد على انتقال الفيروس في الدول الآسيوية هي معايشة ومخالطة الإنسان للدواجن المصابة والتي قد تقاسمه السكن والنوم. بالإضافة إلى اعتماد السكان على الدواجن في معيشتهم كمصدر للرزق ولجوئهم إلى ذبح الحيوان المصاب أو بيعه خوفاً من الخسائر المادية، وتجدر الإشارة إلى عدم وجود أية دلائل على انتقال الفيروس من الدجاج المطهو بشكل جيد أو البيض. ٭ ماذا نعني بجائحة انفلونزا الطيور (الوباء العالمي)؟ - الجائحة في اللغة العربية يقصد بها أحداث غير عادية، حيث إنها تمس وتلحق الضرر بجميع الشعوب في إنحاء العالم بغض النظر عن الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو معايير الرعاية الصحية قد تبدأ الجائحة في حال ظهور فيروس انفلونز من سلالة جديدة قادرة على أن تصيب الإنسان وتنتقل بين البشر بسهولة وبسرعة. وهنا نجد أن فيروس انفلونزا الطيور H5N1 مرشح قوي ليكون فيروس الجائحة فهو من سلالة جديدة وأثبت قدرته على الانتقال إلى الإنسان وما ينقصه فقط هو الانتقال بفعالية أكثر بين البشر. ٭ ما هي الظروف التي تجعل من ب5خ1 فيروس حائحة؟ - يعتقد الباحثون أن فيروس H5N1 قد يستطيع الانتقال بسهولة بين البشر بإحدى الطريقتين التاليتين: 1 - في حالة إصابة الإنسان بفيروس انفلونزا الإنسان وفيروس انفلونزا الطيور بنفس الوقت فيحصل تبادل جيني بين فيروس انفلونزا الإنسان وبين فيروس انفلونزا الطيور، وبذلك يتكون فيروس انفلونزا جديد قادر على الانتقال بسرعة وكذلك إحداث الجائحة. 2 - بشكل متدرج من عمليات الطفرة التكيفية عن طريقة العدوى المتلاحقة للإنسان فتزيد قدرة خلايا الفيروس بالارتباط بالخلايا البشرية وهنا يتكون فيروس قادر على إحداث إصابات خطيرة ولكن أقل من الطريقة الأولى. ٭ هل هناك لقاح واقٍ من انفلونزا الطيورب5خ1؟ - لا يوجد في الوقت الحاضر لقاح قادر على الوقاية من جائحة الانفلونزا، اللقاحات المتوفرة حالياً هي لقاحات تحمي من الانفلونزا التي تصيب الإنسان فقط، ولكن اللقاح قد يكون مفيداً في منع تحول الشخص المصاب بانفلونزا الإنسان لحاضن يحدث في جسمه التبادل الجيني بين فيروس انفلونزا الإنسان والحيوان وخطر تكون فيروس الجائحة. هناك العديد من الدول التي أصبحت في مرحلة متقدمة من إنتاج لقاح فعال للوقاية من انفلونزا الطيور سلالة H5N1. ولقد أظهرت الدراسات التي أجريت في الولاياتالمتحدة على لقاح أنتجته إحدى الشركات الفرنسية وتم إعطاؤه إلى ما يزيد على 400 شخص تكوّن مضادات فعالة قادرة على الوقاية. ولكن لم تطرح حتى يومنا هذا أية لقاحات واقية من انفلونزا الطيور في الأسواق وبشكل عام يجب على أي لقاح فعال لكي يقوم بالحماية الكاملة من جائحة الانفلونزا أن يكون تكوينه مماثلاً للفيروس المنتشر وإنتاج لقاح جديد ليس بالأمر السهل إذ يستلزم قرابة الستة أشهر، هذا بالإضافة إلى الصعوبات المترتبة على إنتاج كميات كبيرة لجميع العالم. ٭ هل هناك أدوية فعالة للوقاية أو للعلاج؟ - هناك نوعان من الأدوية التي يعتقد بفعاليتها الأول هو دواء أوسيلتاميفير والاسم التجاري هو (Tamiflu) والثاني زانامافير والاسم التجاري (Relanza). وقد أثبت دواء Tamiflu فعاليته في الوقاية من سلالة H5N1 وكذلك في تخفيف شدة الإضابة في الإنسان في حال إعطائه في مرحلة مبكرة من المرض. وتكمن الصعوبة في إنتاج كميات كبيرة من هذا الدواء كافية لدول العالم. ولقد بدأت بعض البلاد مثل الهند بمحاولة تصنيع الدواء السابق. ٭ ويبقى السؤال الأصعب هل بامكاننا منع حدوث جائحة الانفلونزا، وهل نحن مستعدون؟ - لا أحد يستطيع أن يتنبأ بقدرتنا على منع حدوث جائحة الانفلونزا وأغلب الخبراء يعتقدون أن جائحة الانفلونزا قادمة لا محالة، ويتوقف خطر ظهور فيروس جائح على فرص تعرض البشر وإصابتهم بالعدوى وستستمر هذه الفرص ما دام فيروس H5N1 ينتقل في الحيوانات وما دام الفيروس يستوطن في أسراب الطيور المهاجرة. ٭ هل نحن مستعدون؟ - في الحقيقة لا توجد دولة في العالم في كامل الاستعداد، ولكن هناك ما يقارب من 40 دولة قد بينت التوصيات العالمية لمنظمة الصحة العالمية بوضع نظم مراقبة على الثروة الحيوانية وخطط جاهزة يمكن تفعيلها في حال حدوث الجائحة ويمكن تخليص هذه التوصيات بالتالي: ٭ وقف استيراد الدواجن من جميع الدول التي ظهرت فيها إصابات في الدواجن بما فيها الدجاج المبرد. ٭ تحسين النهج المتبع في الكشف عن الفيروس في البيئة وخاصة الكشف الدوري على مزارع الدواجن وأماكن الطيور المهاجرة والمراقبة البيطرية، ضرورة تكوين فهم كاف للعلاقة بين المرض الذي يصيب الحيوان والمرض الذي يصيب الإنسان فعلى سبيل المثال لا تكتشف الأوبئة بين الدواجن في بعض الحالات إلا بعد تأكيد ظهور إصابة للإنسان. ٭ تكثيف التعاون بين قطاع صحة الحيوان وقطاع الصحة العامة. ٭ في حال ظهور إصابات في قطاع الدواجن يجب عزل مزارع الدواجن التي ظهرت فيها إصابات وذبح جميع الدجاج المصاب، وكذلك الدجاج الذي تعرض لأنواع مصابة. ٭ تحسين حالات كشف الإصابة بالبشر، وذلك يستلزم مختبرات مجهزة تجهيزاً خاصاً ويتسم عملها بمستوى عال من الأمن البيولوجي، وهناك طرق خاصة للكشف على جزيء فيروس انفلونزا الطيور في إفرازات الشخص المصاب. ٭ تكوين مخزون احتياطي من الأدوية المضادة للفيروسات. ٭ التعاون مع الشركات العالمية لاستيراد اللقاح في حال توفره. هذا وقد بدأت المملكة في وضع خطة للتعامل مع احتمال خطر الجائحة، نأمل من الله أن يجنب بلادنا وجميع بلاد المسلمين أخطار هذه الجائحة. الدكتور سامي حسين الحجار استشاري الأمراض المعدية والفيروسات وطب الأطفال البريد الالكتروني: [email protected]