فور أن استعرت حمى الإيدز في نهاية العقدين الأخيرين من القرن العشرين حتى ثارت ثائرة براكين الحميات الأخرى على الإنسان من جنون البقر إلى ايبولا إلى الجمرة الخبيثة ثم أنفلونزا الطيور والسارز أو التهاب الرئة اللانمطي، ولعل ذلك من ظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس. ومن باب الثقافة الصحية التي تعد من أهم ركائز المجتمع الصحي في العصر الحديث أقدم في المقال التالي عرضا شاملا لأنفلونزا الطيور، هذا الوباء المنذر بما قد لا تحمد عقباه في المستقبل القريب، لا قدر الله. مدخل تعد الأنفلونزا أحد أنواع الحميات (1) التي تسببها مجموعة من الفيروسات (2) التي تنتقل عن طريق الهواء الملوث بها من خلال الجهاز التنفسي، وهي تصيب الإنسان وكذلك الحيوان.. ومن بين هذه الفيروسات مجموعة كان يعتقد أنها تصيب الطيور فقط إلى أن ظهرت أول حالة إصابة بين البشر في هونج كونج عام 1997م، وعلى هذا الأساس فإن الفيروس المسبب لأنفلونزا الطيور ليس جديدا ولكن الجديد في الأمر أنه أصبح يصيب الإنسان أيضا بعدما كان مقصورا على الدواجن. ولكن كيف تنتقل العدوى؟؟ يلتقط الإنسان العدوى عن طريق الاحتكاك المباشر بالطيور المصابة بالمرض حيث يخرج الفيروس مع فضلات الدواجن المصابة بالمرض أو في الرذاذ المتطاير من أنوفها، وتمثل فضلات الدواجن النسبة الأكبر في إحداث الإصابة حيث تجف وتتحول إلى مسحوق يتطاير مع الهواء لينقل العدوى. وقد استطاع العلماء حتى الآن حصر 15 نوعا من الفيروسات المسببة لأنفلونزا الدجاج، وتأكد أن بعضها يصيب الإنسان، وكان أكثرها خطورة وأشدها إمراضا للإنسان النوعين المعروفين باسم H5N1, H7N7 وكان من الأمور المبشرة أنه لم يتم تسجيل انتقال للعدوى بالفيروس من شخص مريض إلى شخص آخر سليم غير أن ما تناقلته وكالات الأنباء مؤخرا يؤيد أن الفيروس قد تمكن من كسر حاجز الانتقال بين البشر، حيث قال العلماء وهم من وزارة الصحة التايلاندية: إن سيدة توفيت بسبب الإصابة بأنفلونزا الطيور وإنها ربما تكون قد التقطت العدوى من ابنتها التي أصيبت بالمرض نفسه (3). هذا ولم يثبت بالدليل العلمي القاطع أن العدوى تنتقل بتناول لحوم الدواجن المصابة إذا تم طهيها بطريقة صحيحة، فمع أن الفيروس يمكن أن يعيش لعدة سنوات في درجات حرارة منخفضة تصل إلى 70 درجة مئوية تحت الصفر إلا أنه لا يتحمل طهي الطعام جيدا في درجة حرارة أعلى من 70 درجة مئوية. ومن باب الاحتياط فقد عزمت دول الاتحاد الأوروبي على منع استيراد الدجاج من البلدان التي ثبت انتشار الفيروس فيها بصورة كبيرة مثل تايلاند وكمبوديا وفيتنام وإندونيسيا والباكستان وتايوان. أعراض المرض تتشابه مع أعراض الأنواع الأخرى من الأنفلونزا العادية مثل ارتفاع درجة الحرارة والشعور بالتعب وآلام العضلات واحتقان الحلق والسعال، وقد تتطور الأعراض إلى التهاب وتورم جفون العينين والتهاب الرئة الذي قد ينتهي بأزمة في التنفس ومن ثم الوفاة. سر الخطورة لا تكمن خطورة أنفلونزا الطيور فقط في نسبة الوفيات بين المصابين وهي نسبة عالية بدون شك، فقد توفي 6 أشخاص من بين 18 مريضا أصيبوا عام 1997م أي نحو ثلث حالات الإصابة، وفي عام 2004م أصاب مرض أنفلونزا الطيور ما لا يقل عن 44 شخصا في منطقة جنوب آسيا، وهو ما أسفر عن وفاة 32 شخصا منهم. أي نسبة وفيات بين المصابين وصلت إلى 80% أو أكثر. كما أن الخطورة ليست في أن ينتقل المرض من إنسان لآخر، وإن كان هذا الأمر خطيرا بالفعل، ومع ذلك فإن الخطورة الحقيقية التي يتوجس منها العلماء هي أن يندمج الفيروس مع نوع آخر من فيروسات الأنفلونزا العادية التي تصيب الإنسان ومن ثم يشكلان معا نوعا جديدا من الفيروسات ينتقل من شخص لآخر بصورة وبائية وبقدرة إمراضية عالية لم يتعود عليها الجنس البشري، فتحدث لا قدر الله حالات إبادة جماعية كما حدث على مر التاريخ من الطاعون وغيره. ولكن هل من علاج؟؟ أجل يمكن الشفاء من هذا المرض، بإذن الله، باستخدام مضادات معينة للفيروسات، ولكنها غالية الثمن، كما أن إنتاجها محدود. وأخيرا ماذا عن الوقاية التي تظل دائما وأبدا خيراً من العلاج؟ 1- اتخاذ إجراءات سريعة عند اكتشاف حالات الإصابة بين الدواجن بذبحها وإعدامها جميعا لمنع تشكيل مصدر عدوى للبشر. 2- تجنب الاختلاط مع الدواجن المصابة لمنع انتقال المرض إلى البشر، وبالنسبة للذين يتوجب عليهم الاختلاط مع الدواجن المصابة كالذين يقومون بأعمال التعقيم وذبح الدواجن فيجب عليهم تناول أدوية مضادة لأنفلونزا الطيور والالتزام بكافة شروط الوقاية والأمان أثناء تأدية أعمالهم مثل لبس الكمامات والقفازات وتعقيم الملابس بعد الانتهاء من العمل. 3- طهي لحوم الدواجن ومنتجاتها الأخرى كالبيض مثلا جيدا في درجة حرارة لا تقل عن 70 درجة مئوية حيث لا يستطيع الفيروس العيش في مثل هذه الحرارة. 4- اتخاذ الإجراءات الوقائية لحظر واستيراد منتجات ولحوم الدواجن من الدول الموبوءة لمنع وصول أي طيور مصابة. ويعكف العلماء والباحثون على إنتاج وتطوير مصل مضاد للمرض وتبقى المعركة مستمرة مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي كَبَدٍ(4)} سورة البلد. Email: [email protected] الهوامش: 1- الحميات: الأمراض المصحوبة بارتفاع في درجة الحرارة. 2- الفيروسات: كائنات دقيقة لا ترى بالعين المجردة ولا تستطيع العيش بمفردها بل تخترق جدار الخلية المصابة في جسم الإنسان وتسيطر عليها سيطرة تامة بحيث تجعلها تأتمر بأمرها لإنتاج فيروسات أخرى من نفس جنسها. 3- صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة في 21-2-2005