كانت ملء السمع والبصر ، كانت تشع بنور الطاعة والحب والوفاء ،كانت تحوطنا بكلماتها العذبة ودعواتها الصادقة ؛ فإذا بمر الحياة حلو المذاق وصعاب الأمور تنقلب يسيرة سهلة ... كانت وكانت وكانت ، فإذا بالمرض والألم يأخذان منها وهي صابرة محتسبة لا حرمها الله أجر صبرها وإذا بأيدي المنون تأخذها بعيدا يوم الأحد الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول عام 1429ه رحمها الله وشملها بواسع فضله .. فكانت هذه الأبيات التي لم تعبر إلا عن شيء يسير مما اعترك في الخاطر .ولما مر عام كامل رأيت من الحق أن أنشر ما قلت فيها لعلها رحمها الله أن تحظى بدعوة صادقة من القراء حفظهم الله وبارك في أعمارهم أمي رحلتِ وأقبلتْ أحزاني والهمُ حاصرني وهدَّ كياني فذهبتُ أبكي مخفياً لمدامعي والدمع يغلبني ولا يرعاني ما حيلتي إن كان غالبَني البُكا منع البكا ما عاد في إمكاني ما كنت أحسب أنني يوماً أرى كفيَّ تحثو الترب يا إخواني ودعت أمي والعيون سوابلٌ في قبرها وتصدعت أركاني أحقيقةٌ أنا سنفقد أمنا وتظل غائبةً مدى الأزمان أحقيقة ٌ أن سنفقد أمنا ونظل نفقدها بكل مكان أماه يا لحناً يلذُّ بمسمعي وأتوق أسمعه بكل لسان أماه يا صوتاً يداعب مهجتي فأظل أسمعه بكل أوان رمزُ البراءة والطهارة والتقى نبع المحبة فائض بحنان يا ربةَ الذِكرِ الجميلِ مردداً إني أتوق لِذكْرِك الإيماني قد كنتُ آخذ من دعائك قوة ً لأحدَّ من ضعفي ومن عصياني قد كنت أنهل من حديثك حكمةً لأشدَّ من رأيي ومن سلطاني ستظل صورتك تعيش بمهجتي أنَّى ذهبتُ فأنتِ ملءُ جَناني سيظل ذِكْرُكِ في فؤادي مشرقاً سيظل رغم تعاقب الأزمانِ ما زال في سمعي لذيذُ مقالكِ لن أنس قولكِ حكمةً ببيانِ مازال يا أماه صوتك باقياً في داخلي يحيا به وجداني قد كان قلبُك بحرَ عطفٍ فائضٍ بالحب والبركات والإحسانِ قد كان صوتُك لحنَ عطفٍ دائمٍ إني أتوقُ لتلكمُ الألحانِ قد كان مجلسُك الجميلُ حديقةً فيها تفوحُ روائحُ الريحانِ قد كنتِ يا أماه ملءَ قلوبنا فقلوبنا بالحب في خفقان ِ قد كنتِ يا أماه أُنْسَ حياتنا بحنانك الفياض والوجداني قد كنت يا أماه نور عيوننا ببهائكِ وصفائكِ النوراني واليوم يا أماه غِبتِ فأظلمت كل الحياة ونحن في أحزانِ وإذا دخلتُ البيت خُيِّلَ طيفكِ ورأيتُ شخصَكِ ماثلاً لعيانِ فأهمُّ يا أماه أصرخُ قائلاً أحقيقةٌ ما قيل يا إخواني أحقيقةٌ أنا حُرمنا صوتَها ودُعاءَها وحديثَها الإيماني وإذا دخلتُ البيت خُيِّل أنها ستراك ماثلةً هنا العينانِ وسألثمُ الرأسَ الكريمَ بقبلةٍ وأضم صدراً ضمني بحنانِ وأُفيقُ من حلمي بدمعٍ ثائرٍ ما طقتُ أكتمُ عبرةَ الأحزانِ لا تعذلوني في البكاء وفي الأسى ما كنتُ أجزعُ من قَضا الرحمنِ لكنها دمعات قلبٍ صابرٍ متذكر للبرِ والعرفانِ سأظلُّ أبكي علَّ دمعي مُطفئاً لحرارة الأحزانِ والأشجانِ سأظلُّ أبكي علَّ دمعي مُطفئاً للواعج الحسرات والحرمانِ ما حيلتي والشِعرُ وهجُ مشاعرٍ ومشاعري تعلو على التبيانِ فمشاعري تبكي لفقدِ عزيزةٍ أمي شعارِ العطف والتحنانِ ما زلتُ أكتبُ والعيونُ سوابلٌ والدمع مني جدَّ في الجريانِ وتلاشتِ الكلماتُ من صدري فما عاد القريضُ موفياً أشجاني ما حيلتي والشِعرُ فَيضُ مشاعرٍ واليوم شعري عقَّني وعصاني لا أنس يا أماهُ حين أزوركم فأراك ضارعةً إلى الرحمنِ تدعين يا أماهُ رباً منعماً وتتابعين الذكر بالقرآنِ ما زلت يا أماه أذكر مجلساً بعد الصلاة فذكرُه أشجاني ولقد أتيتُ إلى مصلاكِ الذي يبكي فراقَ الذكرِ والإيمانِ فرأيتكِ والنور حولك هالةٌ نور ُ الصلاةِ ووجهكِ نورانِ فهممتُ يا أماه أجثو باكياً لأبثكِ الشكوى من الأحزانِ لأبثكِ نفثاتِ قلبٍ موجعٍ ما زال يذكركِ بكل زمان ِ وإذا غفوتُ فطيفكِ في غفوتي طيفٌ عزيزٌ ليته يغشاني كم تقت يا أماه رؤياكِ ولو طيفاً أراك إذا الكرى أعياني يا لا هنائي حين ألقاكِ بهِ طيفاً عزيزاً مُسعداً لجَنَاني فصحوتُ يا أماه مشتاقاً لكِ والدمع سال منبهاً أجفاني ليت الرؤى تأتي بنومي دائماً لأراكِ يا أماه كلَّ أوانِ مما يُخففُ من مُصابِ قلوبِنا أن الرحيل إلى حمى الرحمنِ أن الرحيل إلى إلهٍ منعمٍ بَرٍّ كريمٍ واسعِ الإحسانِ يا ربِ فارحمها بعفو كاملٍ ولترضنا بالصبر والسلوانِ يا رب أكرمها وكن أُنْساً لها واجعل ترابَ القبر كالريحان ِ رباه أكرمها بعيشٍ هانئٍ في جنةِ الفردوس والرضوانِ في جنة الفردوس فاجمعنا بها واغفر لنا ما كان من نقصانِ ************** أتمنى أن أكون قدمت شيئاً من الوفاء بحقك أيتها الغالية رحمك الله رحمة واسعة ابنك المقصر / جمال بن حمد الحمداء