تسير بنا الحياة نحو فصول متضادة بين أمل وآلم وفرح وحزن ومستقبل وحاضر وماضي لا نستطيع نسيانه لتشكل في مجملها حالة إنسانية يجب إن نتعاطى معها شئنا أم أبينا. الموت حالة حداد وحياد ،كنت أنظر له في أوقات ماضية ولا أعرف منه ألا أسمه، أعرفه بدموع وأسى من كنت أقوم بتعزيتهم ، ألا انه كان يعرفنا جيداً، وأن همسنا بكلمة الموت، فنحن نقع في مسافة فاصلة بين الأمل والألم، بين الهلع والوجع. الأن وفي مثل هذا الوقت من الليل ، أجبرني قلمي أن أكتبك ، وكأنه يريدني أن أستذكر مواعيدنا في تلك الليالي الخوالي ، عندما كنت أتعمد زيارتك قبيل صلاة الفجر في سور منزلك، لأنتظر فراغك من تهجدك ونجلس سويا على سجادة صلاتك، تسمعين إسهابي بالبوح عن مكنونات روحي وتطلعاتي وما يواجهني من هموم وكنتي الموجهة والمرشدة لطريقي. كنت أحيانا أرتمي على صدرك باكياً، وأحياناً أخرى أقبل يديكِ بفرح وسرور، وأحياناً أضع راسي على قدميك لارتاح من هم كان يؤرقني واستشيرك فيما أحاول أن افعله ،كم أنا افتقدك الأن في جميع لحظات حياتي. لازلت أتذكر كلماتك في الأيام الاخيرة قبل وفاتك وطلبك بان أتماسك مهما حدث وأن لا يذرف لي دمع، عذراً أماه، فقد خذلتك وأصبحت عيناي بحرا للدموع، لا عصيانا لا أوامرك التي كنت أمتثل لها صاغراً طوال حياتي لكن كان الخطب جلل والمصاب عظيم والفاجعة كبيرة ولن يخفف منها أي عزاء او أي كلمات ومشاعر لأنك أعلى من ذلك كله. كيف لا أبكيك وانتِ امي ، وحبيبتي ومعشوقتي والروح التي كنت أعيش بها والهواء الذي استنشقه والحياة التي اعيشها أفبعد رحيلك حياة وبهجة وفرح "اللهم لا أعتراض". كيف لا أبكيك وانا اتذكر دخولك في الغيبوبة قبل رحيلك بشهر وعندما اجهشت بالبكاء وأنا أقبل قدميك الطاهرتين عندها افقتي من غيبوتك لتمسحي على هامتي قائلة" لا تبكي يا حبيبي لا يعلم الغيب الا الله من الممكن ان أكون اطول منك عمرا" فياليت كان بالعمر بقية وامهلنا القدر وكنتي اطول عمرا وواريتني الثرى قبل ان تغادري. كيف لا ابكيك وانتي من لها الفضل الاول علي في هذه الحياة بعد الله بوجودي ورعايتك واهتمامك ودعواتك لي ، سيظلان عيني وقلبي يبكيانك ما بقي لي من عمر وانا افتقد دعواتك في اواخر صلواتك لي بالرزق والتوفيق والنجاح كيف لا ابكيك وانا اشاهد بابا من ابواب الجنة قد اوصد بوجهي برحيلك. اعلم جيدا انك رحلتي لرب رحيم وكريم جواد وجميع معطيات رحيلك عن دنيانا الفانية مبشرة بخير لك ان شاء الله لكن ماذا اصنع بمرارة فقدك واحتياجي لوجودك واشتياقي لرائحتك ولهفتي لسماع صوتك وتمرير يديكِ الطاهرتين على راسي. جميع المصائب تولد كبيرة ومع الايام تصغر الا فراقك ورحيلك المرير الذي ولد كبيرا وسيكبر مع مرور الايام . ما يقتلني الما ووجعا اننا تعاهدنا ان نعود لحائل سوياً ، وان لا اتخلى عنك في يوما من الايام، وانتصر لك من اوجاعك والالم المغروس بجسدك الطاهر، كنت صادقا ولو اضطرني ذلك للتضحية بنفسي واغلى ما املك لكن كان لله سبحانه وتعالى ارادة اخرى وسيناريو اخر لعودتنا لحائل ليس له من عنوان رئيس الا الالم والدمع والاسى. باتت حائل خالية لا حياة بها ، تفاصيلها مملة وتبعث بالكدر ، بعد ان فقدت روحها التي كنت اعشقها كنت ارفض مجرد التفكير ان اعيش الحياة بدونك ، الا ان الله اراد هذه النهاية ولا راد لقضاء ربي. رحيلك هو اشبه مايكون بموت روح لجميع من عرفك ، واحبك فقد كان الوجوم سيدا للموقف وحاضرا اثناء عزاءك ،كنت اشاهد وجهك الطاهر الذي ازداد بياضا اثناء توديعنا لك في اعين المعزين. رحلتي في مشهد مؤثر لن يغيب عن الذاكرة ابدا وسط حضور ابناءك وبناتك ام رحمة وام فيصل وابو ابراهيم وابو رانيا وابو لانا وام فيصل وام هلا وبندر وشقيقك ابو عويد وشقيقاتك ام فهد وام فارس لاحرمهم الله اجر مافعلوه من اجلك وقاسوه اثناء فترة مرضك وغيابك. اللهمّ أبدلها داراً خيراً من دارها، وأهلاً خيراً من أهلها، وأدخلها الجنّة، وأعذها من عذاب القبر، ومن عذاب النّار. اللهمّ عاملها بما أنت أهله، ولا تعاملها بما هو أهله. اللهمّ اجزها عن الإحسان إحساناً، وعن الإساءة عفواً وغفراناً. اللهمّ إن كانت محسنتاً فزد من حسناتها، وإن كانت مسيئة فتجاوز عن سيّئاتها. اللهمّ أدخلها الجنّة من غير مناقشة حساب، ولا سابقة عذاب. اللهمّ اّنسها في وحدتها، وفي وحشتها، وفي غربتها. اللهمّ أنزلها منزلاً مباركاً، وأنت خير المنزلين. اللهمّ أنزلها منازل الصدّيقين، والشّهداء، والصّالحين، وحسن أولئك رفيقاً. اللهمّ اجعل قبرها روضةً من رياض الجنّة، ولا تجعله حفرةً من حفر النّار. اللهمّ افسح لها في قبرها مدّ بصرها، وافرش قبرها من فراش الجنّة. اللهمّ أعذها من عذاب القبر، وجفاف ِالأرض عن جنبيها. اللهمّ املأ قبرها بالرّضا، والنّور، والفسحة، والسّرور. اللهمّ إنّها في ذمّتك وحبل جوارك، فقِهِا فتنة القبر، وعذاب النّار، وأنت أهل الوفاء والحقّ، فاغفر لها وارحمها، إنّك أنت الغفور الرّحيم. اللهمّ إنّها عبده ابنت عبدك، خرجت من الدّنيا، وسعتها، ومحبوبها، وأحبّائها فيها، إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه. اللهمّ إنّها كانت تشهد أنّك لا إله إلّا أنت، وأنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم بها. اللهمّ إنّا نتوسّل بك إليك، ونقسم بك عليك أن ترحمها ولا تعذّبها، وأن تثبّتها عند السّؤال. اللهمّ إنّها نَزَلت بك وأنت خير منزولٍ به، وأصبحت فقيرة إلى رحمتك، وأنت غنيٌّ عن عذابها. اللهمّ آتها برحمتك ورضاك، وقهاِ فتنة القبر وعذابه، وآتها برحمتك الأمن من عذابك حتّى تبعثه إلى جنّتك يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ انقلها من مواطن الدّود، وضيق اللّحود، إلى جنّات الخلود. اللهمّ احمها تحت الأرض، واسترها يوم العرض، ولا تخزها يوم يبعثون "يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم". اللهمّ يمّن كتابها، ويسّر حسابها، وثقّل بالحسنات ميزانها، وثبّت على الصّراط أقدامها، وأسكنها في أعلى الجنّات، بجوار حبيبك ومصطفاك صلّى الله عليه وسلّم. اللهمّ أمّنها من فزع يوم القيامة، ومن هول يوم القيامة، واجعل نفسها آمنةً مطمئنّةً، ولقّنها حجّته. اللهمّ اجعلها في بطن القبر مطمئنّة، وعند قيام الأشهاد آمنة، وبجود رضوانك واثقة، وإلى أعلى درجاتك سابقة. اللهم اجعل عن يمينها نوراً، حتّى تبعثها آمنة مطمئنّة في نورٍ من نورك. اللهمّ انظر إليها نظرة رضا، فإنّ من تنظر إليه نظرة رضاً لا تعذّبه أبداً. اللهمّ أسكنها فسيح الجنان، واغفر لها يا رحمن، وارحمها يا رحيم، وتجاوز عمّا تعلم يا عليم. اللهمّ اعف عنها، فإنّك القائل "ويعفو عن كثير". اللهمّ إنّها جاءت ببابك، وأناخت بجنابك، فَجد عليه بعفوك، وإكرامك، وجود إحسانك. اللهمّ إنّ رحمتك وسعت كلّ شيء، فارحمها رحمةً تطمئنّ بها نفسها، وتقرّ بها عينها. اللهمّ احشرها مع المتّقين إلى الرّحمن وفداً. اللهمّ احشرها مع أصحاب اليمين، واجعل تحيّتها سلامٌ لك من أصحاب اليمين. اللهمّ بشّرها بقولك "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية". اللهمّ اجعلها من الّذين سعدوا في الجنّة،خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض. وختاما شكري وتقديري وامتناني لتلك القلوب الصادقة التي خففت عني الكثير خلال الاشهر الماضية ووقفت معي وساندتني في هذا المصاب كتب الله لكم الاجر مضاعفا ولا اراكم الله مكروها بغالي. بقلم / إبراهيم الجنيدي