* في بيت جارنا نبتت وردة. مرت أعوام ونسينا الوردة.. والوردة كانت تكبر.. تكبر حتى سمقت طوال السور. ورأيت الوردة مرة فتوارت خلف السور، ولم تظهر ثانية. بقيت أدق السور منذ شروق الشمس وحتى يأتي الليل.. كي أنقب ثغرة.. كي أبصر تلك الوردة، كي أسقيها لكني كل مساء أتعب، وآوي لفراشي، وأمني نفسي بطلوع الشمس وبعبق الوردة.. والوردة خلف السور، والسور حصين جداً. وذات مساء قررت ألا أتعب. مر صديقي بجواري ضحك مني، ومضى من جهة أخرى، لحرق الباب، فتح الباب، حمل الوردة، وبقيت وحيداً في الظل. (2) * حدثني طائر عن نفسه فقال: كانت السماء موطني وذات يوم رأيت قفصاً جميلاً مملوءاً باللوز المقشر، وكان حبي للوز لايقاوم، فدخلت. شربت من جدرانه الصفراء، أكلت من لوزه المقشر، واللوز في ذلك القفص لاينتهي واللوز حلو، وحلاوته لا تقاوم، أعجبني القمام في القفص لكن حنيني نحو موطني عاودني وحين حاولت الطيران لم أجد جناحي. قلت أكف عن أكل اللوز حتى ينبتا. وحين نبتا ورفرفا حاولت التحليق لكن اللوز أغراني بالبقاء. (3) * مساء عذب وحديث عذب.. وكنت وراءه مباشرة وخلفي طابور طويل. مساء عذب وحديث عذب. وكان يحاول جاهداً ألا يصل إلينا همس الأشواق المبثوث على شفة الهاتف. وقبل أن يعيد السماعة إلى مكانها، أرسل قبلة لطفلة ثقب أذني صوتها الحاد: متى ترجع يا بابا. تأرجحت السماعة في مكانها، وتأرجح الصوت الطفولي في الفضاء وغادرنا الرجل وهو يغني.. مساء عذب وحديث عذب. (4) * كان يسير وسط وردتين جميلتين أضفتا على المريول الأزرق لوناً جديداً وقبل أن يصطدم بسيارتي الواقفة جذبتاه بعيداً. قلت لزوجتي وكانت إلى جواري: مسكين حرم رؤية وردتيه. قالت زوجتي: مسكين أنت.. عيناك تقودك إلى النار. قلت لها: غيرة زوجة. قالت: غيرة زوجة خلفها غيرة أكبر. ولم أستطع أن أكف عيني عن استنشاق عبق الوردتين حتى غابتا تماماً. (5) * كل شيء عن العصافير قيل.. قيل: إن العصافير هجرت أوكارها بعدما تعبت من حنان الأمومة ففي كل وكر حنان وأم وأجنحة لا تكف الرياح. وقيل: إن العصافير خرجت تنشد الأرض: أين آباؤنا؟ قالت الأرض: آباؤكم نصفهم في دمي ونصفهم الآخر طار.. طار ولا أرتجي أن يعود. وقيل: إن العصافير وقفت وحدها في مواجهة الريح، وإن أجنحتها من ورق ولكنها وقفت وحدها تتحدى العواصف رغم أن أجنحتها من ورق. ولكنهم لم يقولوا: بأن الذين يحبون العصافير لم يهبوها أجنحة من حديد لم يهبوها غير وقفتها الباسلة تفقد بعضها كل يوم. ولكنهم لم يقولوا : بأن أوكار العصافير ترسل في كل يوم أضعاف من مضغتهم العاصفة. ولكنهم لم يقولوا: بأن العصافيرالتي فقدت كانت تواجه الريح مقبلة فتطعنها الريح في القلب والرأس وأنها أبداً لم تمت مدبرة.