سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشهد الثقافة السعودية بما تحقق لها في عهد الفهد
المثقفون والأدباء:
نشر في الجزيرة يوم 09 - 08 - 2005

وتتواصل المشاعر الصادقة من أدباء ومثقفي هذا الوطن المعطاء على فقيد الوطن. حيث رصدت (الجزيرة) الإشادات الواسعة التي عبر عنها عدد من المثقفين بما تحقق في العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - سائلاً الله له الرحمة والمغفرة مقرونة بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده بالتوفيق والسداد.
* كان عهده عهد تنمية وتنوير
* أ. محمد علي قدس.. أمين سر نادي جدة الأدبي:
العهد الذي تميزت به فترة حكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله-، أنها كانت من أكثر فترات النهضة والنمو ازدهاراً ونماء، فقد عرف عن الفهد أنه كان مولعاً بالتطور شغوفاً بكل مشاريع التنمية ومخططاتها، لذلك يُعد فهد بن عبدالعزيز راعي نهضة المملكة الحديثة وصانع أمجادها التنموية وإعمارها الحضاري.
لقد تعددت أوجه التنمية في عهده -رحمه الله- في الداخل والخارج فعلى المستوى المحلي أصبحت المملكة من أكثر دول المنطقة نمواً وازدهاراً حيث اتسعت الرقعة الجغرافية للمدن الكبرى وتم تطوير القرى وأنشئت الطرق البرية السريعة التي ربطت البلاد شرقها وغربها وجنوبها وشمالها.
وإذا ما تناولنا الجانب الثقافي والعلمي فإن المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله- حققت تقدماً كبيراً في إنشاء جامعات جديدة وفروع للجامعات في المناطق النائية إضافة إلى استحداث للكيان متوسطة ومهنية وكان من أهم ثمرات هذه النهضة التعليمية أن حدثت طفرة ثقافية كانت موازية ومتساوية مع النهضة أو الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في عهده، وقد كانت الأندية الأدبية والجمعيات الفنية والثقافية كانت من ثمرات عطاء فيصل بن فهد -رحمه الله- الذي استمد من والده وكان وليا للعهد في أن يتم دعم مشروع الأندية الأدبية التي كان لها دور فعال ومؤثر خلال عهد الفهد - رحمه الله- إذ كان للحوارات والندوات والأمسيات الثقافية التي كانت تُنظم ضمن أنشطتها وعلى منابرها، أثرها في النهوض بالحوار الثقافي وبروز أسماء ثقافية وإبداعية أصبح لها شهرتها في مختلف الأوساط الثقافية العربية بل اعتبرت من رموز النهضة الأدبية العربية المعاصرة. لقد كان عهد فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عهد نمو وحضارة وتنوير.
* فيما يشيد الأستاذ زكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة بالقطيف والأديب المعروف بهذه الفترة فيقول:
يشهد المتابعون والمؤرخون أن حقبة ثمانينيات القرن العشرين شهدت الحركة الثقافية والأدبية في المملكة أهم فترات ازدهارها وتألقها وشهد المشهد الثقافي السعودي الداخلي حيوية وديناميكية لمسها الجميع من أطياف المشهد الثقافي السعودي في شدة ظهورها وحضورها في المشهد، ولأن الجميع استطاع ان يشارك في الفعاليات والأنشطة التي ظهرت في تلك الفترة، وبالتالي فإن هذا العهد شهد فترة الازدهار وفي فترة التسعينيات تنامى هذا التطور وبدأ يتواصل بكفاءة مع المشهد العربي وبدأ المفكر والأديب السعودي يجد في داخله الحافز الكبير نحو الانفتاح والتواصل مع المشهد الفكري العربي انطلاقا واحساسا بالثقة العالية، ونتيجة لما حققه المشهد السعودي في الداخل من تراكم ووصل إلى مرحلة من النضج دفعته لأن يعرِّف بهذا النتاج إلى العالم العربي ولكي يسجل أيضاً له حضوراً أدبياً وفكرياً في ذلك المشهد العربي لأنه وصل إلى قناعة حيث أصبح المشهد السعودي متقدماً.
وإذا أردنا أن نتحدث عن ملمح آخر من ملامح التطور الثقافي في عهده نجد ان التواصل بين نخب المملكة الموزعين بين أرجاء الوطن شهدت مستوى متقدماً من التواصل فكما نعلم أن المملكة بمساحتها الشاسعة كانت بحاجة إلى أن يكون هناك درجة عالية من التواصل مع المجتمع السعودي التي تثرى الحركة الثقافية لأن هناك منابع متعددة ونشطة في أنحاء وكانت هناك ضرورة للتواصل بينها.
في هذا المجال استحضر تجربة مجلة النفط الجديد التي جاءت كتعبير عن التطور في المملكة، وفي هذا المجال جاء إدماج الثقافة بالإعلام في وزارة واحدة كتعبير لاستجابة طبيعة التطور في المملكة، في هذا السياق جاءت تجربة الحوار الوطني الذي يسعى للتواصل الفكري بين أرجاء المملكة.
كما أشاد الأستاذ محمد المنصور الشقحاء القاص والأديب المعروف بأيادي الملك فهد -رحمه الله- البيضاء على الحركة الفكرية في المملكة، ومن ذلك النشاط الذي يقوم به مهرجان الجنادرية، وجائزة الدولة التقديرية، وإنشاء المراكز الثقافية في كثير من مدن المملكة، وقيام الأندية الأدبية، والدعم غير المحدود لطباعة الكتاب السعودي كما كان رحمه الله حريصا على أن يكون للمثقفين وجود ودعا له بالرحمة والمغفرة.
* الروائية- سلوى دمنهوري.. قالت:
حقاً إن الانسان ليعجز عن إيراد نفحة من انطباعات تلك الاعمال التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله- على جميع المستويات الدينية والعلمية والحضارية والثقافية والفكرية معا عسى أي امرئ أن يعبر عن إعجابه بتلك الشخصية الفذة وما قامت به من انجازات عظيمة عامة وفي الدور الثقافي والأدبي خاصة، فلقد شهد العهد السعودي الزاخر نهضة علمية وثقافية شاملة بلغت أوجها في عهده - رحمه الله - فكانت النقلة الكبرى والقفزة الهائلة في التعليم منذ توليه وزارة المعارف عام 1373ه.. حيث كان أول وزير للمعارف، فأرسى دعائم النهضة التعليمية والثقافية فبرزت المؤسسات الثقافية المتعددة وأخذت الصحف تلعب دورا هاما وبارزا في الحياة فكشفت الغطاء عن الكثير من وجوه النهضة الفكرية والأدبية لدى الشعب السعودي وشهدت الساحة نشوء وتأسيس الكثير من المؤسسات الثقافية والمكتبات العامة.. ومنها مكتبة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالمدينة المنورة التي أسسها الملك فيصل - رحمه الله- فسار سمو الملك فهد على نهجه فقام بتطويرها إذ جمعت في عهده هذه المكتبة خصائص المكتبة ومراكز البحث والمنتدى والمتحف لتعد مركزا اعلاميا كبيرا.. كما تضم المكتبة صالة للمحاضرات ومكتبة للناشئة ومكتبة المصحف الشريف والصالات المفتوحة وأجهزة للتصوير والطباعة والميكروفيلم ووحدة التجليد والمستودعات.. كما تضم المكتبة مجموعة من أنفس المخطوطات والمطبوعات، ومما لا شك فيه فقد اتسعت حركة التأليف آنذاك والنشر، كما انتشرت المكتبات العامة والتي جمعت بين خصائص المكتبة والأبحاث والمنتديات.. وهناك من المكتبات التي تعمل على الخدمات المجانية لفئات المجتمع رجالا ونساء وأطفالا إذ تعمل على دعم الثقافة والعلوم خاصة الإسلامية منها والعربية.. ودعم حركة الترجمة والاهتمام بالتراث الإسلامي العربي خاصة تاريخ الملك عبدالعزيز.. كما ان لتلك المكتبات انجازات هامة في الحياة الفكرية والثقافية في المملكة وخارجها إضافة إلى ما بها من مجموعة من الكتب النادرة والوثائق والصور والمجلات، كذلك بروز جمعية الثقافة والفنون بفروعها المتعددة ونهوض الأندية الأدبية كجامعة للمثقفين والأدباء، ثم اهتمامه بالمتاحف المتعددة وأهمها متحف المصمك، كما حظيت الفنون التشكيلية بمساحة واسعة من الاهتمام لتبلغ مرحلة متقدمة توصل السعوديين إلى الساحة العربية قبل العالمية إن صح التعبير.. كما اهتم -رحمه الله- بالرياضة وتنمية القدرات البدنية والعقلية للشباب وتبنى المواهب الشابة من الجنسين، فكان للمرأة السعودية دورها في المشاركة الثقافية تحت لواء الرئاسة فبرزت أسماء عديدة من الروائيات والقاصات والتشكيليات وغيرهن.. ومن هنا نجد جهوده ودفعه للحركة الثقافية إلى مجالات أرحب بعد انضمامها للإعلام..
وهناك الكثير من الأعمال التي تعد بصمة بارزة في تاريخ المملكة والتي لا تمحى عبر السنين لخادم الحرمين الشريفين - رحمه الله - ولا يغيب عن أذهاننا انتشار المدارس والجامعات، وكثرة وبل ازدياد عدد المدرسين في أنحاء المملكة.. أما اهتمامه بالأندية فقد منح العديد من الجوائز للعديد من العلماء والمفكرين والكتاب واهتمامه بالمهرجانات الوطنية للتراث والفنون.. وكانت تجمع معظم أنواع التراث والفنون والأدب من جميع المناطق في المملكة، وفي مكان واحد.. ولم يغب عن ذهنه سباق الهجن والمعروضات التراثية كذلك تضم اللقاءات الفكرية والثقافية والإبداعية في مجال الإعلام والأدب السعودي..
ذاك هو مليكنا وفقيدنا الغالي فهد بن عبدالعزيز آل سعود خادم الحرمين وخادم الأمة الإسلامية. بالفعل كان خبرا مؤلما وفجيعة ارتاعت لها القلوب.. لحظة حدوثها رغم انه متوقع رحيله ورحيل كل انسان رحيلا مفاجئا.. لكنه شعور صعب وصفه.. وشعور مكان راكنا هادئا ردحا من الزمن، متنعما بأمان مليكنا، قاراً بوفائه وعطائه واخلاصه، مستقرا كونه متنعما بكرم مليكنا خادم الحرمين الشريفين والذي سعى جاهدا ليسير مسيرة السلف الصالح ليحقق لنا السلام في وطننا الحبيب.. فكم من خسارة حلت، وكم من الآلام سكنت، وكم من الأدمع ذُرفت لحظة وداعه لكنه القدر المحتوم.. ترى هل نبكي راعينا وحامينا.. أماننا وسلامنا أم نفرح لراحته بين أيادي الرحمن حيث بإذن الله يرقد رقاد عروس هانئا مستقرا في ملكوت رحمته وغفرانه.. أودعتك الله يا قرة أعيننا وأماننا وأرجو الله أن يغمد روحك في لفائف الحرير التي وعد بها المتقين وان يسكنك فسيح جناته.. فإلى لقاء لا فراق بعده.. وخلود أبدي وكافة المؤمنين والمؤمنات لا رجوع فيه.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
* الأستاذ عمر طاهر زيلع.. عضو نادي جيزان الأدبي:
الثقافة في عهد الراحل - رحمه الله تعالى- تزامنت مدة حكمه تغمده الله بواسع رحمته خلال ربع القرن الهجري المنصرم، مع تحولات ومخاضات ثقافية تمثلت محليا في معطيات عديدة كانت أوضح صورها بين تيار المحافظة بكل ركائزها التاريخية، والاجتماعية، والفكرية، وتيارات التجديد والتحديث بأبعادها وروافدها العربية والعالمية، حدث ذلك مستمدا حيويته وتفاعلاته من اتجاهات الرياح السياسية التي تؤثر تأثيرا مباشرا مقصودا، أو من خلال التراتب والتداعيات. كان أمام المجتمع السعودي - والحال هذه - بقيادة الراحل الألمعي فهد بن عبدالعزيز، أن يقرأ المتغيرات بحكمته وتمعن وتوازن، فقد كانت تلك المتغيرات - كما أكدت الأحداث - بعد ذلك مؤشرات قوية للاتجاه الجديد في السياسة والثقافة، والاقتصاد وعوامل الثورة الاجتماعية والعلمية المختصرة فيما يسمى الآن بالعولمة من مخاضات للتيار الفكري الحاد الرافض رفضا قاطعا لكل صور الثورة العولمية وتشابكاتها الفكرية والاجتماعية وتقاطعها مع مفاهيم الخصوصية والهوية، والمسلمات عبر تفسيرات معينة، قومية كانت تلك المفاهيم - أم دينية، أم حضارية ذات مرتكزات خاصة.
ورغم قوة الرياح وعنفوان التحولات، وبروز ملامح استراتيجيات بعيدة المدى التي لا تهتم بالعقبات الصغيرة في طريق أهدافها، رغم ذلك كله، فإن المملكة العربية السعودية في غمرة تلك المستجدات الحثيثة، بتوفيق الله ثم بحنكة قادتها على رأسهم الراحل الكريم -رحمه الله- قد استطاعت تهيئة مناخ معتدل قدر الإمكان أتاح للمنجز الثقافي أن يقطف ثماراً ملموسة بلغت أعلى معدلاتها النوعية والكمية في شتى المعارف ملامحها المختلفة، عبر عدد كبير من المؤسسات الأكاديمية والثقافية، ومن ذلك التزايد المستمر في عدد الأندية الأدبية التي تبلغ الآن ثلاثة عشر نادياً، وجمعيات الثقافة والفنون التي تقارب هذا العدد، والمكتبات الوطنية، وفي مقدمتها (مكتبة الملك فهد الوطنية) والمؤسسات الثقافية الأخرى ذات النشاط الثقافي المقروء والمسموع، والصالونات الأدبية، كما ارتفع عدد الدوريات والصحف المستقلة إدارياً، أو التابعة لجهات ثقافية كملفات الأندية الأدبية، وعدد من المكتبات والمؤسسات التعليمية، والثقافية، والاجتماعية، إضافة إلى الزيادة التي طرأت في القنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية والأسابيع الثقافية، والانفتاح، والتبادلات، والمهرجانات مثل مهرجان الجنادرية الوطني، ومنتديات الحوار الوطني.. والحوار الفكري والأدبي، والفعاليات المنبرية شعرا ونثرا وفكرا مما يمكن حصر آثاره ونتائجه عن طريق دراسات إحصائية ينوء بها الجهد الفردي، والله المستعان.
* الأستاذ مصطفى عطار.. الأديب المعروف:
رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمة الأبرار وأسكنه جنان الفردوس، في مستقر رحمته مع من رضي عنهم وحسن أولئك رفيقا كفاء ما قدم لدينه وبلاده وأمته من خدمات جُلَّى سطرها له رحمة الله عليه التاريخ في صحائف من نور رفعته إلى مراتب الولاة الأبرار والملوك الأتقياء.
ولقد أعطاه الله نفسا عالية رفيعة، فيها من السماحة الكثير والكثير بل فيه السماحة كلها وبسطة اليد، والقلب الكبير الذي وسع الناس كلهم فكان رحمه الله تعالى كالريح المرسلة ضَفّت القريب والبعيد، وعم بِرُّه ورِفْدُه القاصي والداني من شعب المملكة العربية السعودية ومن شعوب الأمة العربية والإسلامية وجعل الجميع يتطلعون إلى مكارم أخلاقه وإلى عزماته ونجد انه إذا طغى العدوان وادلهمت السبل، وعميت البصائر، فكان على الدوام أبو النجدات فوقف منافحا ومدافعا ومسخرا امكانات بلاده ومقدراتها وثرواتها لاخوانه شعوب الأمم الإسلامية والعربية ووظف صلاته وعلاقاته بالدول المختلفة والقوى المؤثرة في العالم لتخفيف الويلات، ورفع الظلم، وردع العدوان وها نحن نرى منذ أن انتشر نبأ وفاته كيف روع العالم، وحزن الجميع وهرع قادة دول العالم ووفود شعوبه لتواسي وتشارك ولتعبر عن مدى اعتزازها وأساها وحزنها على الفقيد الراحل العظيم ومدى ما تكنه في قلوبها من محبة، وما في نفوسها من إجلال وعرفان.. إن رحيله - رحمة الله عليه - مثّل فجيعة لشعبه، وفقيدا عزيزا، وصديقاً صادقاً لشعوب العالم المحبة للسلام والخير ما تورثته الإنسانية.
وإن شعب المملكة العربية السعودية منذ ان بزغ نجم الراحل العظيم على سماء البلاد وأخذ بأزمّة الأمور حتى رأينا من عزماته وحنكته، وطموحاته وبرامجه الاصلاحية ما عم خيرها، ونفعها وما تنوعت عطاءاتها حتى تبدل الحال وارتقت البلاد وأخذت بكل أسباب التقدم، ومظاهر الحضارة، وكان للتربية والتعليم حظ وفير؛ فعن طريق العناية بالتعليم حارب الأمية والجهل، فدفع بقطار النمو والتقدم فعمم المدارس في المدن والقرى وأنشأ معاهد لإعداد المعلمين وابتعث البعثات لاستكمال التعليم وإعداد المتخصصين لشغل مراكز التدريب ومؤسسات التعليم الفني من صناعي، وزراعي، وتجاري.. وأوجد التعليم العالي والجامعي بإنشاء أول جامعة في عاصمة البلاد وشجع البحث العلمي بمؤسسة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ودعم فكرة إنشاء المكتبات بالمدارس ومكتبات الأحياء وظهرت مكتبة الملك فهد العامة من ارقى مؤسسات التوثيق والنشر ورأت دارة الملك عبدالعزيز النور لتجعل من أهدافها الكبرى جمع وتوثيق تاريخ الملك عبدالعزيز وتاريخ المملكة العربية السعودية وتاريخ الجزيرة العربية.. ومركز الملك فهد الثقافي.. وتتابعت الإنجازات الثقافية لتلم شتات الأدباء والمفكرين في البلاد فأنشئت الأندية الأدبية وغطت بعددها مدن المملكة وعواصم الاقاليم فبلغت اثني عشر ناديا أدبيا خصصت لها ميزانيات واعتمادات مالية مناسبة لتزاول نشاطها الثقافي من خلال النشاط المنبري، بدعوة المحاضرين والمبدعين من داخل المملكة وخارجها ليغطوا فعاليات ذلك النشاط علاوة على المؤتمرات والندوات المتخصصة وإصدار مجلات أدبية ثقافية من كل نادي، مع القيام بطبع تلك المحاضرات والندوات في مجلدات عديدة وأشرطة فيديو، وكاسيت لتبادل الهدايا وتعميم الثقافة وتتابع دعم الراحل العظيم للأدب والأدباء فوفق على الاستمرار في عقد مؤتمر الأدباء والباحثين في المملكة مما اشعل في نفوسهم الحماس، وقدح زناد أفكارهم ودفعهم إلى ارتياد ميادين البحث في الإبداع والنقد، وكشف كنوز تاريخ هذه البلاد ورجالاتها.. وكسب البحث العلمي، والإبداع الأدبي وحركة الطبع والنشر عدداً لا يستهان به من الإصدارات والمصنفات ورحمة الله على فقيد الأدب والأدباء وراعيهم، إذ إنه لم يأل جهدا في تكريمهم وإفساح المجال لإظهار مكانتهم في نفسه وفي تاريخ المملكة والاعلان عن نهضتها بتقديم رموزها في المحافل الكبرى ووضعهم في دائرة.. وعلى سبيل المثال فقد رأينا كيف انه رحمه الله بارك جهود الرئاسة العامة لرعاية الشباب فأصدر موافقته على إنشاء جائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1400ه وترأس حفل تكريم الأدباء الفائزين بالجائزة مع سمو ولي العهد وسمو النائب الثاني وألقى كلمة رائعة هنأ فيها الأدباء الفائزين الثلاثة وهم الأساتذة :د. أحمد السباعي، وحمد الجاسر، وعبدالله بن خميس، وأعلن الأمير فيصل بن فهد في كلمته عن صدور أمر الملك بإنشاء مجمع علمي لغوي، يرعى علوم اللغة وآدابها.. وأضاف بأنه يجيء هذا تتويجا لما قدمه ويقدمه من عطاء للفكر والثقافة.. وكان ذلك عام 1403ه.
وفي نفس المناسبة أعلن -رحمه الله- إنشاء جوائز تقديرية وتشجيعية للعلوم المختلفة.. علاوة على صدور أمره رحمه الله بمضاعفة قيمة الجائزة السنوية التي تمنح للأديب الفائز (مائة ألف ريال) بدلا من خمسين ألف ريال.
وليس بخاف ما قدمته وتقدمه مؤسسة الملك فيصل الخيرية من جوائز لعلماء العالم في مختلف حقول العلم والمعرفة والأدب، وخدمة الإسلام، وقد نالها عدد من العلماء والباحثين السعوديين منهم الأساتذة والمشايخ: عبدالعزيز بن باز ومحمد الصالح العثيمين، وحمد الجاسر -رحمهم الله- والدكتور يحيى ساعاتي والدكتور عبدالله نصيف والدكتور أحمد محمد علي.. ويعدّ هذا غيضا من فيض من أعمال الراحل الكريم ذي السيرة الخيِّرة، والعطاء الجزل.
فالله نسأل أن يتغمد الفقيد الجليل بواسع رحمته ورضوانه، وأن يتقبل دعوات وضراعة مئات الآلاف الذين صلوا عليه في إخبات عظيم، وتأثر بالغ وألسنة الخلق أقلام الحق، فالله أوجب له الجنة.. آمين.. وشكراً لجريدة (الجزيرة) اهتمامها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.