إنّ الناظر في أحوالنا ومنهجنا في الحياة، يجد أنّ الوقت أرخص الأشياء في موجوداتنا، لو نبذله بثمن بخس لهان الأمر، بل نبذله دون مقابل، بل الأدهى والأمر أن يبذله بعضنا فيما يعود عليه بالضرر والشقاء! وما علمنا أنّ هذا الوقت هو أثمن شيء في حياتنا، بل هو حياتنا بمعناها الحقيقي. إنّ كلَّ شيء في حياتنا يمكن تعويضه إلاّ الوقت، فلو أراد أحدنا أن يسترجع ولو دقيقة، بل ثانية من وقته، لم يكن بمقدوره حتى لو بذل الغالي والنفيس، ألم أقل لكم إنّ الوقت هو أثمن شيء في الحياة!؟ إنّ بيئتنا برُمَّتها، وللأسف، تغرس فينا التزهيد في الوقت، وتدفعنا إلى التقليل من قيمته وإهداره. انظر إلى البيئة الأُسرية ومنزلة الوقت في أجوائها ثم حوِّل نظرك إلى المدرسة وتفحَّص الاهتمام بالوقت من لدن الجهاز التعليمي والمناهج، في التحفيز والتربية على إدراك قيمة الوقت وأهميته في صناعة الحياة! إنّ كلّ مقومات العناية بالوقت متهيئة في حياتنا، فديننا يحث على اغتنام الأوقات واللحظات فيما ينفعنا دنيا وأخرى، والنصوص القرآنية والنبوية الواردة في ذلك أكثر من أن تُحصى، ونظامنا التعبُّدي سواء في الصلاة أو الصوم أو الحج وغيرها لو أدركنا كنهها التربوي، يُعَدُّ أعظم نظام يجعلنا ندرك أهمية المحافظة على الوقت واستثماره. ألا نعلم أنّ الأمم لم تصل إلى ما وصلت إليه إلاّ بمحافظة أفرادها على الوقت واستثماره في النمو والإنتاج والإبداع .. ينبغي أن ندرك أنّنا إذا استطعنا المحافظة على الدقائق من وقتنا، فإنّ ذلك سيجعل الساعات تحافظ على نفسها بشكل تلقائي! إنّك لو لم تضيِّع الدقيقة من وقتك فستنجو الساعة من الضياع تلقائياً، وذلك لأنّ الساعة تتكوَّن من الدقائق، فالإنسان الذي عادة يراعي الجزء هو الذي حتماً سيراعي الكل .. وذلك لأنّ الكل هو عبارة عن تجمُّع الجزء تلو الجزء، والناس عامة ينسون الجزء والقليل؛ بحثاً عن الكل والكثير. وهم يركزون أذهانهم على الكثير لدرجة أنّهم يتجاهلون القليل .. والنتيجة النهائية هي أنّ مثل هؤلاء لا يحصلون على أي شيء في نهاية المطاف. علينا ألاّ نضيع أية لحظة من الوقت المتاح لنا، فنحن أصحاب الشهور والسنوات لو جمعنا الدقائق من عمرنا وأحسنّا استخدامها. ولو أضعنا الدقائق واللحظات فلا شك أنّنا سنضيع الشهور والأعوام دون مقابل، وحينما تمر السنون، ونتفكر في أحوالنا نجد أنّنا قد أضعنا العمر كلّه فيما لا طائل وراءه، وحينها لا ينفع الندم والمراجعة بعد فوات العمر. انظر إلى هذه المعادلة الحسابية وارع لها قلبك: لو كنت تضيع كلّ يوم خمس دقائق من كلِّ ساعة من ساعات يومك، فإنّك ستضيع ساعتين خلال يوم واحد، وستضيع 60 ساعة في كلِّ شهر و 720 ساعة في السنة .. وهكذا يضيع عمرنا دون أن نشعر، بل من فرط حماقتنا قد نفرح بضياعه! والإنسان الذي يوهب 80 سنة من العمر قد لا يحسن استخدام حتى 40 سنة منها، وهذه خسارة فادحة ولا شك. إنّ الوقت في حياتنا هو أعظم رأسمال متاح لنا، فلننقذه من الضياع. وكلُّ نجاح كبير هو عبارة عن نجاحات صغيرة كثيرة، ولو سعينا لتحصيل النجاح الصغير باستمرار فسيكون النجاح الكبير من نصيبنا لا محالة .. لو أنّ كلاً منّا استثمر وقته فيما يفيد، لتكوَّنت لنا إنجازات هائلة تستحصل بمجموع جهودنا، ويستفيد منها المجتمع ككل. ينبغي ونحن مقبلون على موسم الإجازات أن ندرك أهمية الوقت في حياتنا، وأن نجعل حتى أوجه الترفيه والمتعة مدخلاً للفائدة واكتساب معارف وخبرات جديدة، علاوة على ما تمنحنا من تهيؤ لشوط جديد من العمل المنتج بنفسية منشرحة وقبول نشط .. لا بد أن نربي أبناءنا وبناتنا على إدراك أهمية الوقت ومهارة استثماره منذ الصغر حتى يكون لهم منهج حياة، ولن يتأتّى لنا ذلك إلاّ وفق برنامج تربوي شامل، تتظافر في تنفيذه جميع مؤسساتنا التربوية ابتداءً من الأسرة والمدرسة والمسجد، وانتهاءً بمؤسساتنا الرسمية والأهلية المختلفة حتى تكون حياتنا كلُّها أقرب إلى التنظيم من الفوضى وإلى الفائدة من العبثية مع التركيز على الفرد بصفة خاصة، كونه محور ذلك كله وبصلاحه يتكوَّن صلاح المجموع .. والله الموفق.