تعد الخدمات الطبية من الأمور الأساسية التي تعنى بها الدول والشعوب المتحضرة من أجل إيجاد بيئة صحية ملائمة تقي أفراد المجتمع ويلات الأمراض والأوبئة ومعالجتها بأحدث الوسائل والأدوية من قبل كوادر طبية مؤهلة. والراصد للتطور الطبي في بلادنا يجد أن مستوى الخدمات الطبية قد تقدم بشكل كبير ويلقى الدعم والاهتمام بشكل مطرد. إلا أنه مع تزايد الأمراض والإصابات نتيجة لنمطية الحياة المعاصرة وكثرة قاطني المدن مع تجذر البيروقراطية في إجراءاتنا الإدارية أصبحت المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية تقف عاجزة عن توفير الخدمات الطبية الملائمة لكل الناس لا من حيث مستوى الخدمات ولا من حيث موعدها المناسب. فقد حدث تراجع وتراخ في مستوى الخدمات التي تقدم من قبل المؤسسات الطبية التابعة لوزارة الصحة ولبعض القطاعات بشكل قياسي وغير مبرر خاصة وهي المعنية في المقام الأول بعلاج الشريحة الكبرى من المواطنين كما أن مواعيدها تتأخر بشكل لا يطاق بغض النظر عن حالة المريض وخطورتها وأهمية الاستعجال في معالجتها. وما اتجاه المواطن إلى المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة وبكثافة رغم ما بها من سلبيات كضعف مستوى الخدمات الطبية والأخطاء الطبية التي تحصل في بعضها والغلاء الفاحش في أسعارها الذي يرهق كاهل المريض إلا دليل على صعوبة الحصول على خدمات طبية ميسرة وفي الوقت المناسب في المستشفيات الحكومية. إن هذا الوضع يتطلب تقييما ومراجعة شاملة من أجل تضافر الجهود لنفض الغبار عن تراكمات بيروقراطية أثقلت الإجراءات الطبية مما أعاق حركتها على الفعل الإيجابي المفضي إلى رفع مستوى الخدمات الطبية الحكومية كما ونوعا بما يواكب التطور السريع والنمو المتزايد في البنى السكانية والاجتماعية الحضرية وما يصاحب ذلك عادة من تزايد في حالات الاستشفاء نتيجة لتزايد الإصابة بالأمراض والإصابات العرضية المختلفة التي تحتاج إلى العناية النوعية العالية وليس مقصودنا من هذا أن نبخس هذا القطاعات حقها فهي تحاول بذل جهودها وبها عناصر مخلصة وجديرة بالتحفيز والدعم لكن في نفس الوقت ينبغي رصد مواطن القصور وكشف معاناة المرضى التي أضحت بارزة للعيان والإصغاء للنقد البناء من أجل السعي الجاد لرفع هذه المعاناة المزمنة بمعالجات جذرية تركز على مواطن الخلل المحورية دون التلهي بترميمات فارغة لا تتعدى أن تكون تحسينات لبنى مهترئة. إذا أردنا بحق تخفيف الاختناقات المتزايدة عن المستشفيات الحكومية داخل المدن الرئيسية فيتعين أن نرفع من مستوى الخدمات الطبية في المستشفيات في المحافظات والمناطق النائية وكذلك رفع مستوى الخدمات الطبية في المراكز الصحية التي أصبحت وللأسف مجرد مكان لصرف المسكنات المؤقتة. ينبغي أن تكون هذه المراكز بحق مراكز للرعاية الطبية كما هو عنوانها بحيث تتوفر بها جميع التجهيزات الطبية والكوادر الطبية والتمريضية اللازمة مع مزيد من الاهتمام بالعناية بالمرضى وتقديم أفضل خدمة ممكنة لهم. جميل أن نسمع عن افتتاح مزيد من هذه المراكز لكن الأجمل والأوفق أن نرفع من مستوى المراكز القائمة إذ ليس العبرة بالكم ما لم يصاحبه تطور نوعي في مستوى الخدمات المقدمة. إن الملاحظ في بعض هذه المراكز ضعف الكوادر الطبية العاملة حتى أنك تجد الطبيب الأجنبي باقيا في هذا المركز أو ذاك سنوات عديدة حتى ألف الكسل والتبلد والعمل الروتيني مما أضفى على المركز جوا من الخمول وضعف الأداء. أمر آخر جدير بالعناية والاهتمام ففي ظل هذا الضعف والقصور في الخدمات الطبية الحكومية ومن ثم إقبال الناس على المستشفيات الأهلية فلا أقل ورحمة بهؤلاء المرضى من سطوة أسعار هذه المستشفيات فإنه قد آن الأوان للتدخل لكبح جماح حمى الأسعار هذه وتقنينها بشكل عادل وواضح مع رقابة صارمة ومتواصلة لمستوى الخدمات الطبية التي تقدمها هذه المستشفيات بما يوازي المقابل المادي الذي تستحصل عليه من المريض والذي دائما يكون هو الجانب الأضعف في هذه المعادلة الإنسانية المؤلمة. والله الموفق.