تعد الخدمات الطبية من أهم الخدمات الحكومية التي تقدم للمواطن، لا من حيث العلاج فحسب بل من ناحية الوقاية والتثقيف الصحي، إذ لا يمكن لأي مجتمع ان ينمو ويتطور في ظل تفشي الأمراض والأوبئة بين أفراده. وابتداء ولكي تكون معالجتنا لموضوعنا المطروح في هذا المقال معالجة موضوعية متوازنة، فإننا نسلم بأن القطاعات الصحية الحكومية قد مرت بمراحل تطور مذهل ووثاب مع بدايات النمو المطرد في السنوات الماضية، حيث انشئت صروح طبية كبيرة جمعت بين ضخامة الأبنية وتوفر الأجهزة الطبية المتطورة، إضافة إلى التوسع المصاحب للمستشفيات والمراكز الطبية الخاصة، وتم ذلك مواكباً للنمو الشامل في جميع القطاعات والمرافق المختلفة، إلا ان ذلك النمو في الخدمات الطبية سرعان ما توقف إن لم يكن تراجع خاصة فيما يتعلق بمستوى الخدمات الطبية والرعاية الأولية المقدمة للمرضى. ومع تزايد عدد السكان وانتشار الأمراض المزمنة فقد وجدنا هذه الصروح الطبية الضخمة عاجزة عن تلبية احتياجات المرضى في تقديم علاج مناسب وفي وقت قياسي. بل لقد تراجع كثيراً الاهتمام بالمرضى وكأن القطاعات الطبية الحكومية قد أصابها التبلد من كثرة تعاملها مع المرضى. إن المريض حينما يراجع مستشفى عاماً ثم لا يجد الاهتمام الذي يأمله بل يجد الصدود ثم يضرب له موعد للمراجعة بعد سنة أو أكثر دون أي اعتبار لآلامه ومعاناته وما قد يحدث له من مضاعفات مرضية خلال هذه المدة الطويلة يجعل معاناته تتضاعف حتى تكاد تقضي عليه. إن مجرد استكمال التجهيزات الطبية الحديثة وتوفير الخدمات المادية سيكون محدود الجدوى ما لم تصاحبه إدارة ناجحة تؤمن بأن العمل الطبي رسالة خير ومحبة يؤجر عليها كل عامل في هذا القطاع إذا خلصت النية وتحقق الاجتهاد. إنني حينما ألقي باللائمة على بعض الكوادر الإدارية والطبية في عدم تحسن خدماتنا الطبية لا أهضم فئات منهم حقهم وهم محل فخرنا واعتزازنا بما تفردوا به من كفاءة تستحق الشكر والتقدير، لكنهم مع ذلك يبقون في عددهم دون الاكتفاء في وسط يعاني من نقص في العدد والنوعية يلمسه كل من يدفعه القدر لمراجعة أي من هذه المستشفيات أو المراكز الصحية العامة في الأحياء. إنني اتساءل وأرجو من القائمين على مرافقنا الصحية الاجابة وعلى رأسهم معالي وزير الصحة المتأهب للاصلاح، لماذا الخدمات الطبية والرعاية والاهتمام بالمريض في المستشفيات وحتى المستوصفات الأهلية رغم ما يشوب بعضها من قصور تفوق أحياناً بعض القطاعات الحكومية؟ حيث إن الملاحظ انه إذا راجعت أي مستشفى أهلي مهما كان مستواه ومعك مريض تجدهم يجرون عليه الفحوصات الطبية العامة كالوزن والحرارة والصدر والاذنين مع اهتمام ملحوظ وبنفس تكلفة الكشف، في حين لا تجد من ذلك إلا القليل لدى بعض القطاعات الطبية العامة. قد يقال ان هذه المستشفيات والمستوصفات الأهلية تهدف إلى الربح وجذب مزيد من الزبائن، لكن يرد على ذلك بأنه ينبغي على المرافق الطبية الحكومية وكوادرها الذين يعطون أجوراً مجزية لقاء عملهم ان ترقى بخدماتها إلى المستوى الطبي اللائق الذي يحقق الرعاية الصحية المناسبة. هل يعقل ان يصل الحال ببعض مستشفياتنا إلى ان يخرج المريض من المستشفى بعد اجراء العملية ولما ينته أثر البنج من جسمه أو يضطر المستشفى من أجل متابعة حال المريض لاستئجار سكن قريب من موقع المستشفى لاستمرار المراجعة بحجة عدم وجود مكان شاغر للتنويم رغم حاجته للرعاية الدائمة، ويحصل ذلك في مستشفى تخصصي كبير وليس في مستشفى بمكان ناءٍٍ، وكثرة الشكاوى والحالات مما لا نعلم تشير إلى ذلك كما ان السماح للأطباء السعوديين العاملين في القطاع العام بالتعاون مع المستشفيات الخاصة اعطاهم حوافز وفرصاً للكسب المناسب لكنه ربما صرف اهتمامهم عن مرضاهم في المستشفيات العامة جرياً وراء الأجور العالية المقدمة من المراكز الأهلية التي تقوم باستقطاب الأطباء المشهورين والمتميزين مما جعل المرضى يتوجهون لها بأعداد كبيرة رغم التكاليف الكبيرة التي يتحملونها، وهذا شاهد على وضع الخدمات الطبية المقدمة في المرافق الحكومية. وإزاء هذه الأوضاع التي ذكرنا نقترح بعض الحلول على النحو التالي: 1 وضع خطة شاملة لدعم المرافق الطبية وتكليف كوادر مناسبة لإدارتها، ورفع مستوى خدماتها للمرضى. 2 تشجيع الكوادر الطبية الوطنية على العمل بالمستشفيات الحكومية وتقديم حوافز مجزية لهم لمعالجة النقص في الأطباء ومعالجة الابطاء والتأخير في مواعيد المراجعة الطبية والعمليات، مع إنشاء كليات طبية كبرى تلبي احتياجات المستشفيات من مختلف التخصصات وتدعمها بالكوادر الوطنية المؤهلة حتى يحصل الاكتفاء المطلوب. 3 دعم وتطوير الخدمات الطبية التي تقدمها المراكز الصحية في الأحياء بحيث تقدم فحوصاً وكشفاً طبياً متكاملاً، مع اختيار أطباء للعمل بها من ذوي الكفاءة ومن تخصصات متنوعة. 4 إنشاء مراكز ومستشفيات تخصصية عامة متطورة في المناطق والمحافظات النائية ذات الكثافة السكانية العالية مع مراعاة دعم التخصصات المناسبة للأمراض المنتشرة في كل منطقة لتخفيف العبء عن المستشفيات العامة في المدن الرئيسية. 5 تفعيل الرقابة الإدارية والطبية الدقيقة لمعالجة أي قصور أو تجاوز من أجل رفع مستوى الأداء وتحقيق التشغيل الأمثل للطاقة المتوفرة بالمرافق الطبية. 6 إعادة النظر في عمل الأطباء السعوديين في المستشفيات الخاصة كمتعاونين، لأن ذلك أضعف عملهم الأساس في المستشفيات الحكومية مع دفع مقابل مادي مرض لجذبهم للعمل في هذه المستشفيات التي هي بأمس الحاجة لهم. 7 وضع رقابة صارمة ومتابعة مستمرة لأسعار الخدمات الطبية المقدمة من المستشفيات الأهلية في تقديم الاستشارات وإجراء العمليات، مع التعامل مع الأخطاء الطبية سواء التي تحصل في المستشفيات الخاصة أو العامة بحزم صارم لتحقيق الردع والتصحيح. 8 التخلص من الكوادر الطبية الوافدة التي يتبين ضعف مستواها، واستقدام الكفاءات المؤهلة دون النظر لعامل انخفاض الأجرة كمعيار في الاستقدام. 9 معالجة مشكلة التأخر في مواعيد المراجعات وإجراء العمليات معالجة جذرية تخفف متاعب المرضى ومعاناتهم. 10 إنشاء مراكز أبحاث طبية متطورة تتابع كل جديد في علوم الطب وتستقطب كبار العلماء للاستفادة منهم في تدريب الكوادر الوطنية وإعداد البحوث الطبية التي تلبي احتياجات المجتمع المحلي وتتعداه للخارج حتى تكون بلادنا المباركة مركزاً علمياً رائداً بحق كما هي والحمد لله مركز اشعاع روحي إسلامي، أدام الله عليها فضله ونعمته. وفي الختام فإن هذه الكلمات لا تعني وزارة الصحة فحسب التي تهيمن على القطاع الأوسع من المرافق الطبية، بل تشمل جميع مرافقنا الطبية المختلفة التي تتطلب التفعيل الذي يحقق تطلعات ولاة أمر هذه البلاد في رعاية المواطن وخدمته.. والله الموفق. ص.ب 31886 الرياض 11418