اطَّلعتُ على مقال الأخ محمد بن زيد بن سعود العثمان بعنوان (كلمات في ظل الأمهات)، المنشور بجريدتكم الغراء يوم السبت 13 ربيع الثاني 1426ه الموافق 21 أيار (مايو) 2005م العدد 11923. وقد شدَّني المقال كثيراً؛ لأنه يلامس حياتنا جميعاً، فهو متعلق بشيء عظيم في حياتنا، ألا وهو أمهاتنا، وذكر بعضاً من أفضال أمهاتنا علينا؛ لأنه لو أردنا أن نذكر أفضال أمهاتنا علينا كلها لما أنصفناهن حقهن، وسوف نملأ مجلدات كبيرة وضخمة وواسعة بأفضالهن لا تساوي ولو جزءاً يسيراً من تعبهن وسعيهن وشقائهن من أجلنا. وذكر كاتبنا ما تعرض له أمهاتنا من نكران للجميل في عصرنا الحاضر، وأريد أن أقول: إن إنسان الماضي كان يتفانى ويذهب فداءً لأبويه، بل تذهب روحه ولا تصيب أحد والديه شوكة. والآن وبعد هذا التقدم الكبير وهذه الحضارة الزائلة صار بر الوالدين شيئاً من الماضي الذي يجب أن يُنسى. إن ما نسمعه بين فينة وأخرى من تعرُّض أحد الوالدين لعقوق وتجاهل لم يعد من الأمور النادرة الحصول، بل صرنا نسمع ونقرأ عن مثل ذلك يومياً دون مبالغة، حتى إن بر الوالدين واحترامهما أصبح في أحيان كثيرة من النوادر!! وإن التجاوزات التي تحدث في حقهما تجاوزت حدَّها، ولم تقف حدودنا عند كلمة (أف) التي نهانا الحق سبحانه عن التفوُّه بها، بل تجاوزتها. ومما يُدمي القلب ويندى له الجبين أن عقوق الوالدين انتشر في أوساط مجتمعنا، فهل سمعتم يوماً بالرجل الذي قتل والدته المسنَّة.. والابن الذي أحرق أباه.. والشقي الذي طرد أمه من المنزل.. وآخر يضع القمامة على رأس أبيه؟!! وانتهى المطاف ببعض والدينا إلى دور المسنِّين هرباً من جور الأبناء وظلمهم لآبائهم، تلك الدور التي بدأت في الغرب ثم وبكل أسفٍ زحفت إلى عالمنا العربي والإسلامي. فهل كان عندنا قبل ثلاثة عقود من الزمن بل عقدين بيوت مسنِّين أو مجرد سمعنا بها؟! الذي نعرفه ويعرفه كل واحد منا أن البيت الواحد يعيش فيه ثلاثة أجيال ينظِّم الأذان نومها ويقظتها.. وكنا نحس بمعنى الحديث الشريف: (ليس منا مَن لم يوقِّر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقَّه). أما في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين فخيراً للوالدين أو أحدهما أن يتركا البيت للابن العاق يسعد فيه وزوجته، وليقضيا بقية عمرهما في دور المسنين. ولعل من المناسب في ختام كلمتي تلك أن أدعو أولادنا وأبناءنا إلى حسن المعاملة مع والديهم، والرفق بهم، والسعي إلى رضاهم؛ فرضا الله من رضا الوالدين. فهل هو الجحود والنكران الذي هو سمة من سمات هذا الزمن هو الذي أوصلنا إلى تلك التصرفات؟! وإلا كيف يجرؤ إنسان على قطع اليد التي أحسنت إليه وشَقَتْ من أجله ويقطع صلة الرحم التي أوصانا قرآننا الكريم بالمحافظة عليها والبر بها؟!!