في أكتوبر الماضي طالبتُ هنا بضرورة وجود مسطرة اجتماعية (توافقية) لقياس مستوى عقوق الوالدين، وتحديد الحالات التي يُمكن أن تتحول إلى (عنف) ضد كبار السن مع أهمية إيجاد ذراع (تشريعي) لسن القوانين، وآخر (تنفيذي) لمواجهة العنف وإيذاء (كبار السن) سواء داخل الأسرة، أو في مراكز الرعاية، بهدف القضاء على مثل هذه المُمارسات المُخجلة. أمس الأول قرأتُ في إحدى الصحف -بألمٍ وحسرة- تلك الأخبار الواردة من محكمة الأحوال الشخصية بجدة عن قصص مُزعجة (لعقوق الأبناء)، لا يُمكنك تخيل وجودها في مجتمعنا، تنمُ عن تسولٍ مُحزن للوالدين بحثاً عن (الوفاء والبرّ) في أروقة المحاكم. فما الذي يجعل امرأة مُسنة في عقدها (السابع) تطلب من القاضي إلزام أبنائها الثلاثة (طبيب، ومهندس، ومُعلم) بزيارتها مرتين في الشهر على الأقل مع أحفادها؟ أليس هو النكران والجحود من أصحاب تلك الوظائف المرموقة الذين نسوا فضل (أم) حملتهم في بطنها 9 أشهر؟ وسهرت الليل والنهار حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه؟ ولها حق البرّ والرعاية؟ أي ألمٍ ذاك الذي تُخلفه مثل هذه القصص المُخجلة؟ وإن قابل ذلك -بكل تأكيد- صور رائعة وقصص (برّ ووفاء) تعودنا على مُشاهدتها وسماعها، تبعث على الأمل والراحة، لنماذج أخرى من كافة شرائح مُجتمعنا، أرجو أن تكون هي النسبة الأكثر والسواد الأعظم، فلا أعرف هل فعلاً وصلنا إلى لحظة وجوب سن قوانين وتشريعات لتنظم العلاقة بين الأولاد ووالديهم المُسنين عند الكبر في العالم الإسلامي والعربي في حال شابها (قطيعة أو نكران)! للأسف أن المجتمعات الغربية التي نعتقدُ أنّها تفتقد -للروابط الأسرية- هي من تتسابق لسن هذه القوانين والتشريعات للتشجيع على رعاية المُسنين والعناية بهم خارج إطار الأسرة، فماذا عسانا أن نفعل ونحن نملك الأرضية التي يمكنُ أن ننطلق منها للرعاية والاهتمام بهم كواجب ديني وأسري! عدم البرّ والإحسان للوالدين أو أحدهما (أمر سري) غالباً ما تتكتم عليه الأسرة من الداخل، وسط عجز عن إلزام أي من أفرادها بضرورة فعل ذلك كمسألة أخلاقية، ولكن يجب أن نتوقف عن السكوت والصمت عند تطوُّر العقوق إلى (جرائم عنف) تمتهن حق كبار السن وإنسانيتهم. وهو ما يؤكد ضرورة وجود مسطرة لقياس مستوى العقوق، وتحديد الحالات التي يمكن أن تتحول إلى (عنف) ضد كبار السن. وعلى دروب الخير نلتقي.