النكتة بنت المعاناة، وهي أنين ضاحك للموجوعين، ودموع متوارية خلف القهقهة لتغطي على الألم الدفين! الموجوعون يزفرون وجعهم من خلال رئاتهم، فيخرجون الألم أنيناً عبر الحناجر. ومتلقو النكتة، وكذلك صانعوها، يزفرون وجعهم الضاحك من خلال رئاتهم، فيخرج الألم قهقهة لا تخطئ آلامها عينٌ بصيرة! يقول العارفون: إن النكات هي بعض من ضمير المجتمع، وهي حلم الناس في تحقيق الحياة المجتمعية الفاضلة بشكلها المثالي. صحيح أن النكتة لا تملك مبضع جرّاح، ولا تصف الدواء للأدواء، لكنها تملك قوة أخرى لا يمكن تجاهلها، فهي الإشعاع المضيء الذي يكشف المرض، وهي العدسة التي تشير، تحديداً، إلى مكان الوجع وبؤرة انطلاقته. حسناً أيها القوم، فأوجاعنا العربية حاصرت جسدنا المنهك من كل اتجاه، ونكاتنا العربية تنادت للتنفيس ابتساماً وضحكاً وقهقهة حتى الانكفاء. لماذا يا ترى، لا نهتبل السانحة، ولماذا لا نفيد من تشخيص النكات لبؤر أوجاعنا؟ دعونا نأخذ الأمور على السجية فنقهقه ألماً أو نتألم قهقهة، ودعوا ضمير القوم ينتج النكات حول كل أوجه حياتنا، فليس هناك قوة يمكن أن تلجم الطوفان، لكن هناك قوة بداخلنا، لو ندري، يمكن أن تفيد من (طاقة) ذلك الطوفان! نعم، قهقهوا واضحكوا وانظموا النكات، لكن لا تخفوا الدمعة المتلألئة في العيون مع كل ضحكة.. فهي، وحدها، الحقيقة الناصعة الساطعة، وهي، وحدها، المجهر لمكمن الداء ومكان الوجع الفائر والغائر في أعماق أكبادنا!