أمطار متوسطة إلى غزيرة على 4 مناطق    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    وزير الاتصالات: بدعم ولي العهد.. المملكة تقود أعظم قصة في القرن ال 21 في الشمولية وتمكين المرأة    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    أحلامنا مشروع وطن    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    يوم مجيد لوطن جميل    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مسيرة أمجاد التاريخ    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. الجريس: فيلبي امتاز بالريادة في الكتابة التاريخية عن المملكة
في محاضرة عن جنوب المملكة في كتاب عبدالله فيلبي بأدبي أبها
نشر في الجزيرة يوم 18 - 05 - 2005

نظّم نادي أبها الإدبي محاضرة تاريخية للأستاذ الدكتور غيثان الجريس - أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد - بحضور عدد كبير من أعضاء مجلس النادي وأساتذة الجامعة والاكاديميين والباحثين والمهتمين بهذا الجانب، وبحضور كبير من أهالي المنطقة، وبمشاركة عدد من سيدات المجتمع من خلال قاعة الخنساء للنساء بالنادي.. وكانت المحاضرة بعنوان (جنوب المملكة في كتاب مرتفعات الجزيرة العربية) لفيلبي، حيث أعطى مدير المحاضرة لمحة موجزة عن المحاضر والمحاضرة، وتحدث عن دور المؤرخ عبدالله فيلبي في تاريخ الجزيرة العربية وعلاقته المتميزة بالملك عبدالعزيز حتى في أموره الخاصة، ثم بدأ المحاضر د. غيثان الجريس محاضرته بشكره للنادي على دعوته، وأشاد بجهود رئيس واعضاء النادي في اقناع مكتبة العبيكان بتبني طباعة كتاب (مرتفعات الجزيرة العربية) الذي ترجم للعربية للرحالة الانجليزي عبدالله فيلبي الذي عاش في المملكة أكثر من 40 عاماً، مشيراً إلى أن الحديث عن هذا الرجل ومؤلفاته يحتاج إلى الكثير.
ثم بدأ بتعريف عبدالله فيلبي واستعرض طبيعة كتبه والنتائج والتوصيات التي خرج بها المحاضر، ثم بدأ المحاضرة التي كانت عن جنوب المملكة فقال: إن فيلبي صاحب كتاب (مرتفعات الجزيرة العربية)، هو ماري سانت جون فيلبي (H.St.J.B.philby) الانجليزي الجنسية، ويدعى اختصاراً جاك او (عبدالله فيلبي) والمولود في الهند عام 1885م، والمتوفى عام 1960م، فهو من معاصري احداث القرنين (الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، والتاسع عشر والعشرين الميلاديين). انخرط بداية حياته في وظائف عدة بالحكومة البريطانية، ثم قدم الى شبه الجزيرة العربية في اليوم السابع عشر من تشرين الاول سنة 1917م، حيث ذهب من البصرة الى الاحساء ومنها اتجه الى الرياض، حيث اجتمع لأول مرة بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وقد فصل ذلك في كتابه: (أيام بلاد العرب Arabian Days)، الذي قام بتخليصه الاستاذ خيري حماد في كتابه (عبدالله فيلبي قطعة من تاريخ العرب الحديث)، ونشره في بيروت عام (1381ه 1961م).
ويختلف فيلبي عن جميع الرحالة الذين قدموا الى الجزيرة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر؛ وذلك لغزارة مؤلفاته عن شبه الجزيرة العربية، بل نستطيع القول إنه امتاز بالريادة في الكتابة التاريخية عن المملكة العربية السعودية بخاصة والجزيرة العربية بعامة، وقد ذكر عنه حمد الجاسر قوله: (الحقيقة التي يجب ان تقال هي ان فيلبي اسدى للجزيرة العربية بداً قصّر عن مدها اليها مَنْ سواه). ايضاً ذكر جورج رنتز (George Rents) في حديثه عن فيلبي (أنه أكثر الغربيين انتاجاً عن تاريخ هذه البلاد) ويقصد بالبلاد، المملكة العربية السعودية، منوهاً في ذلك الى ان السبب في تلك الغزارة يرجع الى حصول فيلبي على مؤهلات الكتابة التاريخية عن هذه البلاد، ومن أهمها معرفته التامة بجميع نواحيها؛ فقد عاش في شبه الجزيرة العربية متنقلا بين ربوعها أكثر من اربعين عاماً، اي منذ ان وطئت قدماه اراضيها لأول مرة عام (1336ه 1917م) الى وفاته عام (1380ه 1960م).
وإذا كان (عبدالله فيلبي) قد بدأ حياته العملية في خدمة الامبراطورية البريطانية ككثير من أبناء جلدته، فإنه بعد ان جاء الى شبه الجزيرة العربية، والتقى بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ثم دان بالإسلام صار عندئذ حميم العلاقة مع الملك عبدالعزيز، وبالتالي اصبح من المقربين لدى الملك حتى انه ارسله في عدد من المهام الخاصة بالدولة داخل البلاد وخارجها، وذكر فيلبي كثيرا من تلك المهام في مذكراته وكتبه ومقالاته الكثير.
وقد ترك لنا المؤرخ والرحالة فيلبي عددا من المؤلفات والمقالات المتنوعة في عناوينها وأطروحاتها، وجميعها دُونت باللغة الرئيسة التي يتكلمها فيلبي، وهي اللغة الانجليزية، وبعضها قد ترجم الى اللغة العربية، ومن تلك المؤلفات - حسب الطبعات التي وقفت عليها - (كتاب قلب الجزيرة العربية) طبع في نيويورك سنة 1923م، كتاب (تاريخ الحجاز المعاصر) طبع في لندن سنة 1925م، كتاب (العربية الوهابية) طبع في لندن سنة 1928م، كتاب (الجزيرة العربية) وقد نشرته دار ارنسنت لند في سنة 1930م، كتاب (الربع الخالي) طبع في لندن سنة 1933م، كتاب (النقوش في نجران) طبع في لندن سنة 1944م، كتاب (ثلاثة نقوش في حضرموت) طبع في لندن سنة 1945م، كتاب (أيام عربية) طبع في لندن سنة 1948م، كتاب (الذكرى العربية) طبع في واشنطن سنة 1952م، كتاب (العربية السعودية) طبع في لندن سنة 1955م، كتاب (أرض مدين) طبع في واشنطن سنة 1955م، كتاب (أربعون عاما في القفر) طبع في واشنطن سنة 1957م، كتاب (صفقات الزيت العربي) طبع في واشنطن سنة 1964م، كتاب (بنات سبأ) طبع في لندن سنة 1981م، كتاب (مرتفعات الجزيرة العربية) طبع في نيويورك سنة 1976م.
وهناك كتب ومقالات أخرى عديدة لم نشر إليها، والغالب على معظم الدراسات التي دونها فيلبي تميزها بوفرة المعلومات الجديدة في محتوياتها وطريقة تدوينها، كما ان المشاهدة وتنوع الخبرة عند هذا الرحالة جعلته يصبغ كتبه وابحاثه بصبغة يسودها العمق في التحليل والتدوين.. حتى إننا نجده احيانا يخوض في جزئيات وتفاصيل دقيقة لا تتأتى إلا لمن كان كثير الرحلة والتجوال، وكان شاهد عيان لتلك التفاصيل، وعلى الرغم من ان جميع ابحاثه وموضوعاته تدور حول الجزيرة العربية، فإنها تميزت - كما سبق القول - بالتنوع، ولذا سوف نقتصر في هذه الدراسة على عرض المؤلف الخامس عشر من مؤلفاته، الآنفة الذكر والموسوم ب(مرتفعات الجزيرة العربية).
التعريف بكتاب مرتفعات الجزيرة العربية وأقسامه
عنوان الكتاب: نجود الجزيرة العربية (Arabian Highiands) لمؤلفه سانت جون بريجر فيلبي او (عبدالله فيلبي) كما عرف بالمنطقة العربية، وقد طبع الكتاب باللغة الانجليزية بمطبعة جامعة كورنل اثاكا في نيويورك بالولايات المتحدة الامريكية عام 1976م، ويقع في 771 صفحة من القطع المتوسط، وقامت على نشره جمعية الشرق الاوسط في واشنطن، دي. سي (Washington, D.C) وقد اعتمدنا على الطبعة العربية المترجمة من قبل مكتبة العبيكان عام 1426ه - 2005م، والتي تأتي في مجلدين كبيرين.
ونجد في بداية الطبعة الانجليزية مقدمتين احداهما مؤرخة بعام 1944م، والثانية ترجع الى عام 1951م، اما المقدمة الاولى فيبدو ان فيلبي قد دونها اثناء انتهائه من جمع ثم تدوين معلومات هذا الكتاب، وقد أشار فيها الى فضل جمعية الشرق الاوسط سالفة الذكر لقيامها بالدعم العلمي له، وتكلفها بنفقات نشر كتابه هذا. كما نلاحظ انه نوه في ذات المقدمة الى أهمية كتابه؛ وكونه من افضل الكتب الاجنبية التي صُنِّفت عن النصف الجنوبي الغربي من البلاد السعودية، ونحن نوافقه القول لما احتوى عليه هذا المصنف من معلومات متنوعة وقيمة يندر وجودها في مرجع آخر تناول هذا الجزء من الجزيرة العربية خلال الفترة الزمنية نفسها وهي العقد الرابع من القرن الميلادي الماضي.
محتويات الجزء الثاني
أولاً: الجزء الأول: استهلال، الفصل الأول: ما يلي الربع الخالي، الفصل الثاني: وادي بيشة، الفصل الثالث: درب الفيل.
ثانياً: الجزء الثاني: الوادي الثلاثي، الفصل الرابع: الملك في معسكره، الفصل الخامس: الخرمة، الفصل السادس: رنية، الفصل السابع: بيشة، الفصل الثامن: خميس مشيط، الفصل التاسع: مرتفعات عسير، الفصل العاشر: وادي تثليث.
ثالثاً: الجزء الثالث: بلاد يام، الفصل الحادي عشر: عتبة نجران، الفصل الثاني عشر: كعبة نجران، الفصل الثالث عشر: أولى الخطى في نجران، الفصل الرابع عشر: الاخدود، الفصل الخامس عشر: الحياة في نجران، الفصل السادس عشر: الزيارة الثانية إلى نجران.
رابعاً: الجزء الرابع: الهضبة المرتفعة، الفصل السابع عشر: الطريق الى حبونا، الفصل الثامن عشر: وادي حبونا، الفصل التاسع عشر: وطن الفاحين، الفصل العشرون: تثليث الأعلى، الفصل الحادي والعشرون: المنابع العليا لحبونا، الفصل الثاني والعشرون: تخوم الهضبة، الفصل الثالث والعشرون: عودة الى شراقب.
خامساً: الجزء الخامس: مرتفعات تهامة، الفصل الرابع والعشرون: وادي بيش، الفصل الخامس والعشرون: منطقة صبيا، الفصل السادس والعشرون: جازان، الفصل السابع والعشرون: مرتفعات تهامة، الفصل الثامن والعشرون: حدود المرتفعات.
سادساً: الجزء السادس: منخفضات تهامة، الفصل التاسع والعشرون: حدود السفوح الجبلية، الفصل الثلاثون: سهل تهامة، الفصل الحادي والثلاثون: حدود السهل، الفصل الثاني والثلاثون: الطريق الساحلي - محافظة جازان، الفصل الثالث والثلاثون: الطريق الساحلي - محافظة القنفذة.
وقد أورد المحاضر عدداً من التوصيات والنتائج في عشر نقاط:
1- ان هذا الكتاب غطى منطقة واسعة جداً تقدر بحوالي 150.000 ميل مربع، كما ذكر فيلبي نفسه، حيث شملت البلاد الممتدة من الدواسر شرقا الى مكة المكرمة غرباً ثم الى الاطراف الجنوبية لبلاد نجران وجازان جنوباً، والشريط الساحلي الممتد من جازان الى جدة، وهذه في اعتقادي مساحة تقدر بتسع مساحة المملكة العربية السعودية. وإذا قللنا من أهمية المساحة الجغرافية التي قطعها فيلبي، فإنه لا يمكن ان نتجاهل ما يوجد على هذه المساحة من تباينات واختلافات في التضاريس الجغرافية، والاحوال المناخية، والعناصر البشرية، والنواحي الحضارية الأخرى سواء كانت اجتماعية، او اقتصادية، أو فكرية ودينية وثقافية، وهذا يؤكد على صعوبة المهمة التي قام بها هذا الرحالة.
2- مَنْ ينظر في الكتاب ويدرسه يلاحظ الجهد الضخم الذي بذله مؤلفه؛ فهو لم يركز على ناحية علمية معينة، وإنما كان شديد الملاحظة، فإذا نزل منطقة معينة فهو يتحدث عن قضايا عديدة تشمل الملامح التاريخية والجغرافية لتلك البلاد، كما انه يذكر الأخبار والقضايا المعاصرة التي شاهدها، وبالتالي فهو يدون الكثير من المعلومات الحضارية المتنوعة التي يصعب ان تجدها في مرجع آخر، ومن خلال تجوالنا في البلاد التي زارها ومقارنة أقواله وشروحاته بما شاهدناه وسمعنا تبين لنا شدة ملاحظته، ودقة معلوماته ومصداقيته في تدوين كثير من الأخبار والروايات.
3- مَنْ يطالع هذه المساحة الشاسعة التي زارها فيلبي في هذا الكتاب، فإنه يتضح ان هناك مناطق عديدة لم يزرها رجل أوروبي من قبل، بل لم يكتب عنها احد من الأوروبيين او العرب.
4- مما يظهر في صفحات كثيرة من الكتاب، ان من أهدافه رسم النقاط الحدودية بين السعودية واليمن، مما شجع الملك عبدالعزيز على دعم فيلبي وتشجيعه، بل قدم له بعض الآراء والنصائح التي يتبعها أثناء ذهابه الى تلك المناطق الحدودية، وقد عمل فيلبي كل ما في وسعه على رسم أغلب الحدود الممتدة من ساحل البحر الأحمر غرباً الى أطراف الجبال الشرقية في نجران وبلاد قحطان، ولكن من يقارن فيلبي مع ما ورد في بعض الوثائق والمراجع الأخرى يجد بعض الاختلافات في تسمية بعض المواطن، وكذلك القرى والقبائل والعشائر التي تعيش على جانبي بعض النقاط الحدودية، وقد صححنا كثيراً من تلك الأسماء، وبخاصة اثناء زيارتنا لعدد من المناطق في عام 1425-2004م.
وتجد فيلبي يتميز على غيره، ممن كتبوا عن النقاط الحدودية بين السعودية واليمن، فهو لم يقتصر على ذكر مواقع تلك النقاط ومسمياتها، وإنما ذكر كثيراً من المعلومات عن طبيعة السكان الذين يعيشون حول تلك الحدود سواء كانوا من السعودية او اليمن، فذكر اسماء قبائلهم وعشائرهم، واشار الى بعض اعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والدينية والفكرية، بل ذكر احيانا نوعية ملابسهم واطعمتهم، ومساكنهم، بالاضافة الى انه كثيرا ما يذكر بعض التفصيلات عن حياتهم الاقتصادية وبخاصة التجارية مثل الأسواق الاسبوعية التي كانوا يرتادونها، وأنواع السلع والاسعار والعملات التي كان يتم التعامل بها في تلك الاسواق، وأحيانا يذكر الطرق التجارية وطبيعتها الجغرافية، التي تربط بين بعض النواحي الداخلية والخارجية في تلك الجهات.
5- ان السائد على معظم الكتاب التنوع في مادته العلمية، إلا ان هناك جوانب عديدة تميز فيلبي في دراستها عن غيره، مثل: ذكر أنواع الطيور والنباتات التي كان يشاهدها في اغلب المناطق التي زارها، كما انه كان حريصا على دراسة النقوش والرسوم والآثار التي تقع عينه عليها، فأورد لنا بعض النماذج الآثارية الجيدة عن مناطق عديدة في عسير ونجران وجازان، بالاضافة الى انه يشير الى الأعيان والشخصيات البارزة في كل بلدة يزورها، كما أنه لم ينس ذكر حالة الفقراء والبؤساء الذين كان يشاهدهم من وقت لآخر، كما نوه الى وجود بعض الاساطير والخرافات التي كانت سائدة في البلاد.
والحقيقة ان هذا الكتاب جدير بالدراسة والتأمل في كل ما ورد فيه من معلومات قيمة، وبخاصة انه يعالج تاريخ وحضارة بلاد طواها النسيان والفقر العلمي لقرون طويلة.
6- ان ضخامة الكتاب، وتنوع معلوماته جعلت مؤلفه أحياناً لا يواصل شروحاته في بعض الجوانب بتسلسل وانسيابية، ولكنه في مواطن عديدة يقطع الموضوع الذي يتحدث عنه، ويخرج للحديث عن جزئية صغيرة شاهدها، كحشرة، او حيوان، او طائر، او نقش، وقد تأخذ هذه الجزئية سطوراً عديدة، ثم يعود الى الموضوع الرئيس الذي كان يتكلم عنه. وهذه الطريقة تقطع افكار القارئ، وتشوش عليه، وربما يجد صعوبة في لملمة نفسه والرجوع الى صلب الموضوع الأساسي، غير ان هذه السلبية - وهي محدودة - لا تنقص من حسن الكتاب وقيمته العلمية.
7- من المعلوم ان فيلبي قد أعلن اسلامه، فتراه في كثير من ثنايا الكتاب يتحدث عن نفسه مسلما يؤدي شعائر الصلاة والحج وغيرها من ركائز الإسلام، لكنه يتحدث احيانا عن بعض مشاهداته متأثراً بثقافته وتربيته الأوروبية، فمثلاً: رأى أحد رفاقه ومرشديه عند وصولهم الى ناحية يوجد بها خطيبته وزوج المستقبل، وبعد رؤيتها ومقابلتها لم يسلم عليها بالتقبيل والجلوس معها، ومثل هذا الأمر يعد طبيعيا في الثقافة الغربية، ويختلف تماما في العادات والأعراف بالبلاد العربية، خاصة المناطق البدوية والريفية المحافظة التي لا تمكن الرجل من خطيبته او زوجته إلا بعد المرور بالعديد من القوانين الاجتماعية المبني بعضها على منهج الشريعة الإسلامية، والبعض الآخر على مبادئ الارث الاجتماعي. كما ذكر ان بعض البدو يختفي بنفسه في شهر رمضان فيأكل ويشرب في النهار معتقداً انه لا يراه احد. ويورد امثلة من هذا النوع دون ان ينوه الى ان الله يرى الظاهر والخافي، وان من يقوم بمثل هذه الأعمال ربما يدل على ضعف ايمانه واحيانا جهله بالدين، ومواطن أخرى وردت في الكتاب ولها علاقة ببعض الاعراف والنظم الحضارية، كما لها صلات بالنواحي الشرعية، واخطأ فيلبي في تفسيرها وتوضيحها، وقد عالجنا مثل هذه الأمور في حواشي الكتاب واوضحنا الخطأ والصواب.
8- ان هذه الدراسة التي نطرحها في هذه الأوراق ليست إلا مساهمة بسيطة عن اهمية هذا الكتاب، وانه يحتاج الى تضافر جهود كبيرة تقوم بدراسته وتحليله ومقارنة معلوماته مع العصور السابقة واللاحقة التي مرت على هذه البلاد الواسعة. وانني من على صفحات هذا البحث أنادي الجامعات السعودية، او المراكز والمؤسسات البحثية والعلمية، كدارة الملك عبدالعزيز، او مكتبة الملك فهد الوطنية، او مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وغيرها، ان تسعى الى عقد ندوة علمية عن انجازات فيلبي العلمية عن الجزيرة العربية بشكل عام وعن المملكة العربية السعودية بشكل خاص، ومن يقوم بهذا المشروع فإنه سوف يضيف الى المكتبة العربية والإسلامية والعالمية جهودا علمية جيدة حول هذه البلاد من خلال التراث الذي تركه لنا هذا المؤرخ والآثاري والرحالة الكبير.
9- كما سبقت الاشارة الى ان فيلبي ذهب من السليل ووادي الدواسر، الى الحجاز، ثم عاد الى مناطق عسير، وجازان، ونجران، وساحل البحر الأحمر الممتد من جازان الى مكة المكرمة، ومن المؤسف حقا ان ذهابه من الطائف الى نجران كان عبر الاجزاء الشرقية لبلاد السروات ماراً بمدينتي بيشة وأبها في بلاد عسير، ثم عاد من نجران الى ظهران الجنوب بسراة عبيدة وسلك عقبة شراقب التي اوصلته الى بيش وصبيا وجازان، وعند عودته الى مكة المكرمة رجع من الطريق المحاذية لساحل البحر الأحمر، وبهذه الكيفية فإن أعالي السروات وسفوحها الغربية الممتدة من ظهران الجنوب وسراة عبيدة في بلاد قحطان جنوباً (ما عدا مدينة أبها وما حولها) الى مدينة الطائف شمالاً، قد خسرت وخسر أهلها الشيء الكثير لعدم مرور هذا الرحالة القدير على هذه المواطن، ومن يذهب في هذه البلاد قديما وحديثا فإنه يشاهد العديد من الجوانب العلمية والفكرية والحضارية الكثيرة، ويكفي انها مكتظة بالقرى والسكان الذين نزلوا بها وعاشوا منذ آلاف السنين، وكانوا ضمن المشاركين في التاريخ الحديث أثناء قيام الدولة السعودية الحديثة، ويوم زيارة فيلبي المعنية في هذا البحث. ومن خلال استقرائي تاريخ هذه المنطقة والسير في جنباتها لسنوات طويلة، وجدتها منسية، فلا تكاد تجد شيئاً مدوناً عن تاريخها القديم والوسيط، واحياناً الحديث، وان وجد بعض الاشارات البسيطة في الكتب الكلاسيكية القديمة، او مصادر التراث الإسلامي المبكرة فهي في الواقع محدودة جداً، وكثيراً ما يطلع الباحث على مئات المصادر فلا يخرج إلا بمادة علمية غامضة، وربما وعورة ارضها في الماضي، وصعوبة التعامل مع عشائرهاوقبائلها لانغلاقهم على أنفسهم كانت من الأسباب التي تجعل العلماء وأرباب القلم والجيوش والحجاج بين اليمن والحجاز يسلكون الطرق الشرقية او الساحلية العربية لهذه المرتفعات السروية.. أما عدم مرور فيلبي بها فربما كان لديه سيارات تنقله من مكان لآخر، كما حدث معه من الطائف الى بيشة، وكذلك في أبها، ونجران وجازان، والقنفذة.. وعند مجيئة الى المنطقة في هذه الرحلة، لم يكن هناك طرق للسيارات في هذه المرتفعات الآنفة الذكر. ثم ان الملك عبدالعزيز هو الذي رسم له خطة السير وقدم له العون مادياً ومعنوياً في جميع النواحي التي مر بها.
10- أما طريقتنا في مراجعة هذه الدراسة فقد تركزت على تصحيح اسماء الأعلام (سواء كانت مكانية او زمانية او انسانية او حيوانية)، وهي كثيرة جداً، واعتمدنا في التصحيح على عدة أمور مثل:
أ- زيارة اغلب المناطق التي جاءها فيلبي، والالتقاء بأعيان ومتعلمي تلك النواحي، ثم السماع منهم حول ما اورد هذا الرحالة عن بلادهم وتصحيح ما وقع فيه من أخطاء.
ب- الرجوع الى أكثر من مائة مصدر ومرجع لمقارنة بعض ما ذكر فيلبي في كثير من القضايا.
هذا، وقد وجدت المحاضرة صدى لدى الحضور، فقد علّق رئيس النادي محمد الحميد على دور الملك عبدالعزيز وثقافته المفتوحة واستيعابه لكل الناس خاصة من لجأ اليه في ذلك الحين، واستفاد منهم، ومن هؤلاء عبدالله فيلبي فوظف ثقافته. وتحدث الحميد عن متابعته مع وزارة الإعلام لكتاب مرتفعات الجزيرة العربية لطباعته، وقد شكر المحاضر على هذه المحاضرة القيمة.
وقال الدكتور صالح عون: لم تكن علاقة فيلبي بالملك عبدالعزيز علاقة موظف بل وصلت الى الاشياء الخاصة وكان الملك يثق به.
واشار الدكتور سعد عثمان الى دور النادي في طباعة هذا الكتاب. وقال عضو النادي عبدالرحمن آل حامد إنه اطلع على الكثير من كتب فيلبي، حيث إن هذا الشخص ممن ذهب بأمر الملك عبدالعزيز إلى حضرموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.