عندما تريد قديماً أن تتعرف على بلد من البلدان أنت تقيم بعيداً عنه فإن أول ما تبحث عنه هو كتاب سطره يراع رحالة إلى هذا البلد، فتجد فيه ضالتك من حيث التعرف عليه وعلى معالمه وطبيعة أرضه ونسيج سكانه بعاداتهم وتقاليدهم وكل شأن من شؤونهم الحياتية، وعندما تقلب ناظريك في كتب الرحالة تجد منهم العشرات إن لم يكونوا المئات قد أسهبوا في وصف كل البلدان التي مروا بها، وقد عرف الكثير من الرحالة الطريق إلى بلادنا منذ قديم الأزل نظراً لموقعها الاستراتيجي بين قارات العالم وبلدانه، وخصوصاً بضمها لأقدس بقعتين على وجه الأرض وهما الحرمان الشريفان ففيها مهبط الوحي مكةالمكرمة ومهاجر النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة مما جعلهما مقصد الكثير من الرحالة سواءً من العرب والمسلمين أو من الأجانب والمستشرقين وذلك من أجل استكشاف بلاد شبه الجزيرة وبلادنا على وجه الخصوص، ولا أحد ينكر فضل الرحالة في شتى العصور في اكتشاف الحضارات والبلدان التي زاروها في مسيرتهم التي امتدت إلى سنين وخاطروا فيها بحياتهم من أجل عشق المغامرة والاكتشاف وحب التعرف على الجديد، ففي قديم الزمان لم يكن هناك أقمار صناعية تستطيع اكتشاف الأماكن النائية وما تحت الأرض أيضاً، بل كانت هناك العديد من الأماكن على كوكب الأرض التي لم يصل إليها البشر بعد، وكذلك لم يكن هناك وسائل اتصالات حديثة، ونقل للمعلومات، ولذلك كان على الرحالة السفر بين الأقطار المختلفة للتعرف على الأماكن الجديدة والأهم الكتابة عنها لنقل هذه المعلومات الجديدة للأجيال القادمة، وهؤلاء الرحالة هم خليط مابين علماء (الأنثروبولوجيا) والجغرافيين في زمننا هذا، ومع تقدم الزمن وتطور العلم وظهور التقنية الحديثة تراجع الإقبال على هذه الرحلات، وذلك باستعاضة من يريد أن يتعرف على حضارة من الحضارات أو أمة من الأمم فإنه سيجد الكثير من المعلومات أثناء تصفحه للإنترنت عنها وسيرى بأم عينه كافة المعالم ويتعرف على العادات والتقاليد وهو جالس في منزله بضغطة زر، وبهذا صارت كتب الرحالة ومغامراتهم من ضمن التراث الذي يتم الحفاظ عليه للاستفادة منه في البحوث وغيرها، كما أن رحالة جيل اليوم يقومون برحلاتهم حول العالم من أجل تحقيق شعار أو أداء رسالة إلى العالم. المشاهير من أشهر الرحالة العرب والمسلمين وأقدمهم هو الرحالة بن بطوطة وهو محمد بن عبدالله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف ب (ابن بَطُّوطَة) الذي ولد في طنجة وبعدما درس الشريعة قرر السفر حاجًا، وبهذا بدأت رحلة أسفار دامت أكثر من 30 سنة وهو ليس رحالة فقط بل كذلك مؤرخ وقاضٍ وفقيه مغربي، بدأ رحلته الكبرى عام 725م ليطوف بالمغرب ومصر والسودان والشام والحجاز وتهامة والعراق وفارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر، والهند والصين وجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا، ثم عاد إلى المغرب وبدأ في إملاء أخبار رحلاته التي جمعها في كتاب اسماه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) وهذا الكتاب تُرجم لأغلب لغات العالم وجامعة كامبريدج لقبت (ابن بطوطة) في كتبها بأمير الرحالة المسلمين والوطنين، ويعتبر الرحّالة العبقري (ابن بطوطة) صاحب رحلات ومخاطر ومغامرات في طريق استكشاف العالم، وعند الحديث عن أوائل الرحالة العرب والمسلمين فإن من أشهرهم أيضاً الإدريسي 1099م-1160م وهو أبو عبدالله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي القرشي، من مواليد مدينة (سبتة) في المغرب، أحد كبار العلماء المسلمين وكعادتهم في هذا الوقت كان متعدد الاهتمامات والإنجازات فهو من مؤسسي علم الجغرافيا وكتب كذلك في الأدب والشعر، والنبات ودرس الطب والفلسفة والفلك، واستطاع رسم خرائط للأنهار والبحيرات والمرتفعات، وهذه الخرائط تم الاعتماد عليها في كشوف عصر النهضة الأوروبي بعد ذلك، طاف البلاد وكتب عنها ورسم خرائطها ثم استقر في النهاية في صقلية بسبب ثقافة حاكمها ومحبته للعلوم ومن البلاد التي تجول فيها (الحجاز، تهامة، مصر، فرنسا، إنجلترا، القسطنطينية، وآسيا الصغرى)، ومن أهم إنجازاته رسمه للكرة الأرضية مع استخدامه لخطوط الطول وخطوط العرض وهي الكرة التي دُمرت في اضطرابات بعد وفاة الحاكم (روجر الثاني)، ومنهم أيضاً ابن جبير الاندلسي 1145م-1217م وهو أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني ومعروف باسم ابن جبير الأندلسي وهو جغرافي ورحالة وكاتب وشاعر كذلك وقد استغرقت رحلته هذه قرابة العامين وقد كتب عن مشاهداته خلال هذه الرحلة في يوميات عُرفت (برحلة ابن جبير) و(تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار) وهذا الكتب تمت ترجمته على يد (ويليام رايت) وضمه لمجموعة من الكتب الأخرى في مجال الرحلات ومن المشهور أنه قام بثلاث رحلات شاهد فيهم العالم ثم استقر في الإسكندرية حتى توفي ولكن لم يدون من رحلاته هذه سوى الرحلة الأولى، ومنهم أحمد بن فضلان وهو أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي، هو عالم ورحالة مسلم عاش في القرن العاشر الميلادي في أوج مجد الدولة الإسلامية في بغداد، وكتب عن مكان غريب على الثقافة الإسلامية وهو روسيا وما كتبه هو الوصف الأول لهذا المكان، فملك الصقالبة قد بعث للخليفة الإسلامي يطلب منه إرسال بعثة تعرفه على الحضارة الإسلامية التي غزت العالم، لذلك أرسل رحلة على رأسها العالم ابن فضلان، وكان وصفه لأقاليم (الصقالبة) بالفولجا مختلف عن سائر الكتاب والرحالة في عصره، فهو لم يصف المكان فقط في سرد طويل، بل عالج كل ما رآه من عادات ومكانة المرأة في المجتمع الروسي القديم وطرق العيش، كيفية دفن الموتى، ليجعل مما كتبه مرجعاً شاملاً يتم الاعتماد عليه إلى الآن، وقد تم تناول حياة ابن فضلان في كتاب من تأليف (عبد السلام البقالي) اسمه (مغامرات سفير عربي)، وكذلك في مسلسل تلفزيون باسم (سقف العالم) عام 2005، أما الرحالة أحمد ابن ماجد 1418-1500 فهو هو ملاح وجغرافي عربي مسلم بارع في الفلك والملاحة والجغرافيا واسماه البرتغاليون (أمير البحار)، وله العديد من الكتب والمراجع الملاحية والتي تستخدم حتى الآن، وكان خبيرًا ملاحياً في البحر الأحمر وخليج بربرا، والمحيط الهندي وبحر الصين، وقد ارتبط اسمه باسم (فاسكو داجاما) والرحلة الشهيرة حول رأس الرجاء الصالح لاكتشاف طريق جديد للوصول للهند، حيث قام بمساعدته خلال هذه الرحلة وهناك بعض المصادر التي تنسب هذه الكشف لابن ماجد لقيامه بالدور الأعظم فيه هذا الاكتشاف ولكن في كل الأحوال لقد كان لابن ماجد فضل كبير فيه سواء قام به وحده أو كمساعد ل (داجاما)، وله العديد من الإسهامات في علم الملاحة سواء في طرق القياس أو في تطوير البوصلة أو في كتبه الكثيرة التي ساعدت الملاحون من بعده في اكتشاف العالم، ويأتي عند ذكر أشهر الرحالة اسم (المقدسي) وهو أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر، وهو وُلد وعاش طفولته في فلسطين، وتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن ثم بدأ رحلته الأولى إلى العراق وتعلم هناك وتفقه، وبعد ذلك اتجه لجزيرة العرب بهدف الحج، ثم زار العراق والشام ومصر والمغرب وأقاليم العجم وفارس وخوزستان والسند، وخلال هذه الفترة انتهى من تأليف كتابه في مدينة شيراز في فارس، وكان في الأربعين من عمره، وقد سرد في كتابه تفاصيل الأماكن التي زارها بما فيه النقود المستعملة والموازين والمسافات بين المدن والمختلفة، وقسم البلاد الإسلامية لأربعة عشر إقليماً ستة عربية وثمانية أعجمية، وقد استطاع تحديد المعالم الاجتماعية لكل قسم سواء في الأزياء أو العملات أو عادات مختلفة. رحالة وإعجاب حظيت بلادنا منذ القدم بتوافد العديد من الرحالة من مختلف مناطق العالم لاكتشافها والكتابة عنها، وفي العصر الحديث زاد عدد الرحالة الوافدين وخصوصاً خلال مراحل التوحيد لهذا الكيان على مختلف مراحل التأسيس للدولة السعودية الأولى وحتى الثالثة التي كانت أكثر المراحل التي كتب عنها الرحالة الذين حين تستعرض سيرهم، ووثائقهم، وتنقلاتهم، ونقولاتهم نجد اتفاقاً مطلقاً من جميع الرحالة والمستشرقين بأن الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه - صنع (معجزة تاريخية) وبنى (دولة عصرية)، وأخذ على عاتقه مهمات جسام، وطموحات كبيرة، رافقه خلالها رجال بلغت تضحياتهم حد الموت في سبيل تحقيق هدفهم، ومن أبرز تلكم الرحالة: جون فيلبي (1885-1960م) وهو من مواليد جزيرة سيلان، كان مولعاً بالرحلات الاستكشافية وكثير الاهتمام بعلم الآثار، ويعود الفضل إلى فلبي في اكتشاف عدد من النقوش الثمودية في شمال الجزيرة العربية فزاد عدد المكتشف منها من ألفين إلى ثلاثة عشر ألفاً، تقرب فيلبي من الملك عبدالعزيز، وعين مستشاراً للشؤون الخارجية، حيث تلقى الدعم المعنوي والدعم المادي اللذين مكناه من زيارة مناطق كثيرة في الجزيرة العربية لم يستطع زيارتها أحد من الرحالة الذين سبقوه، وصف الرياض عامي 1917/1918م بشكل مفصل في كتابه (قلب جزيرة العرب) نشر فيه عدداً من الخرائط والصور غدت مرجعاً مهماً للباحثين بعده، ومن الرحالة أيضاً جيرالد دو جوري المستشرق والمفوض السياسي البريطاني في دولة بعد أن قطع المسافة بين جدةوالرياض بما يقارب ستة أيام، وذلك لرصد مشاهداته عن العاصمة الرياض والتعرف إلى شخصية الملك عبدالعزيز الذي تناقل الأوروبيون والعالم صفاته الفريدة، وقد عرف عنه الدقة والصدقية في التدوين، وألف كتاب (اللقاء مع عملاق في حجم جبل) عام 1934م وكتاب (في البر مع الملك عبدالعزيز) عام 1935م، ومنهم الرحالة الياباني (ماسويوكي يوكوهاما) الذي وصل إلى البلاد تلبية من الحكومة اليابانية للدعوة الرسمية التي وجهها الملك عبدالعزيز عبر مندوبه الشيخ حافظ وهبة عام 1357ه /1938م، والتي أوفدت وزيرها المفوض في سفارة اليابان بالقاهرة، وقد سبق هؤلاء الرحالة رحالة آخرون مثل (يوليس أويتنج) الذي ألف كتاب (رحلة داخل الجزيرة العربية)، وكذلك الرحالة (دمنجو باديا) الذي تسمى ب (علي باي العباسي)، والرحالة (جورج أوغست والن) واسمه العربي بعد اعتناقه الإسلام (عبد الوالي) كان رحالة فنلنديا من أوائل المستكشفين الأوروبيين لجزيرة العرب، والرحالة د. (هاريسون) الذي زار الأحساء، والرحالة (برترام سيدني توماس) والرحالة (تشارلز داوتي (1843– 1926م وهو مستشرق رحالة إنجليزي ورحلات أمين الريحاني التي كانت بعنوان (ملوك العرب.. رحلة في البلاد العربية)، وقد عمل المفكر أحمد محمد محمود على رصد كثير مما كتبه أولئك الرحالة في كتاب أصدره بعنوان: (جمهرة الرحلات). رحالة معاصرون تزخر بلادنا بالكثير من الرحالة ومن أبرزهم د.محمد بن ناصر العبودي (1345 ه - 1930م) وهو أديب ومؤلف ورحالة سعودي ولد في مدينة بريدة، وقد شغل منصب الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي مما أتاح له عمله في الرابطة (وقبلها في الجامعة الإسلامية بالمدينة كأمين عام لها) زيارة معظم أصقاع العالم، فكان لمشاهداته العديدة واطلاع أن تثمر أكثر من مئة وستين كتاباً في أدب الرحلات ويكون بهذا قد حقق رقمًا قياسيًا في كتب الرحلات العربية منح ميدالية الاستحقاق في الأدب عام 1394 ه، 1974م، وعلى الرغم من أن تعليم الشيخ العبودي كان تعليماً دينياً في مجال الشريعة الإسلامية إلا أن معظم مؤلفاته كانت أدبية، ويصب الجانب الأكبر منها في مجال أدب الرحلات حيث يعتبر من الرواد في هذا المجال في المملكة العربية السعودية، والجزء الآخر من مؤلفاته في مجال اللغة العربية، وقد بلغ عدد مؤلفاته المطبوعة 128 كتاباً تقريباً، ويوجد لديه حوالي 100 كتاب آخر لا يزال مخطوطاً ينتظر الطبع، وله 125 كتاباً في الرحلات و15 كتاباً في الدعوة، و15 كتاباً في الأدب واللغة، وهو صاحب كتاب (معجم وجه الأرض) الذي فاز هذا العام بجائزة الملك عبد العزيز للكتاب التي تمنحها دارة الملك عبدالعزيز كل عام، وحقّ له هذا الشرف المتوّج بكلمات الثناء العاطرة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله ورعاه -، كما أن الرحالة أمين غبرا قد خطا خطوات أبعد من مجرد تسجيل الانطباعات عن حياة الشعوب وغرائب عاداتها، حيث كان محور اهتمامه، آداب الرحلات فقد كرس تركيزه على رصد توثيقي لأقدم المساجد وأغربها في مشارق الأرض ومغاربها عبر رحلة امتدت 40 عامًا، ومن الرحالة السعوديين المعاصرين أيضاً المهندس السعودي ماجد محمد الخليفي الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً متجولًا فيما يقارب 130 بلداً في أنحاء العالم للبحث والتعرف على تراث وعادات وتقاليد الشعوب، وقرر أن يستقر في اليابان بعد أن تزوج بها ليجعل منها محطته الدائمة لتكملة جولاته حول العالم. رحالة ورسالة في عصرنا الحالي وفي ظل الانفتاح المعرفي والتكنولوجي والتقدم في عمليات البحث بالصوت والصورة عبر الإنترنت بات من السهل على أي شخص البحث عن أي معلومة تهمه عن أي بلد في العالم أو شعب من الشعوب عن طريقة ضغطة زر ليجد أمامه الكم الهائل من المعلومات مثبة بالصوت والصورة المتحركة، وبذلك لم تعد الرحلات الاستكشافية تجد رواجاً وإقبالاً، وصارت الرحلات التي يقوم بها الرحالة في عصرنا الحاضر ليس للتوثيق والبحث والاستكشاف بل من أجل المغامرة للوصول إلى الأولويات أو أداء رسالة أو تحقيق شعار إضافة إلى أنها لا تتصف بالصعوبة نظراً لتوفر وسائل المواصلات الحديثة والسريعة مع توفر كافة الخدمات التي تسهل المهمة ليقضيها الرحالة في بضعة أسابيع أو أشهر فقط، ومن الأمثلة على ذلك ما قام به الرحالة عمر العمير، الذي قام برحلات عبر الدول بدراجته الهوائية قطع فيها 26000 كيلومتر شملت معظم دول العالم ويهدف من رحلته توعية العالم بأهمية التبرع بالأعضاء لما لهذه البادرة من أهمية بالغة في إنقاذ حياة إنسان. أحد الرحالة السعوديين يختتم رحلته أنتجت الرحلات العديد من الكتب التي صارت مراجع مهمة لدراسة التاريخ يواجه الرحالة الكثير من المصاعب خلال رحلاتهم الطويلة رحلات الغربيين في بلاد العرب كانت لاكتشافها ومعرفة ثقافتها أفادت كتب الرحلات في توثيق العديد من مراحل التاريخ المهمة Your browser does not support the video tag.