قرأت ما كتبته الأخت عبير النفيسة في صفحة الرأي في العدد 11798 حيث تحدثت الكاتبة عن عنوسة الفتيات وتطرقت الأخت عبير لعدة محاور حول موضوع عنوسة الفتيات. وأنا أتفق معها في بعض ما طرحت واختلف معها في البعض الآخر. فأنا اتفق مع الاخت فيما طرحته حول أسباب العنوسة خصوصاً المتعلقة بدراسة الفتاة ورفض الفتيات لمبدأ تعدد الزوجات، حيث ان غالبية الفتيات لا ترغب بالرجل المتزوج، ومن الاسباب أيضاً اصرار أولياء الأمور على عدم تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى وكذلك غلاء المهور. مع تحفظي على بعض ما ذكرته الاخت الكاتبة من بعض أسباب العنوسة مثل: أن بعض الأسر لديها عادات في تأخير زواج الفتاة أو مبالغة الفتاة بمواصفات الزوج الحلم. فأنا أرى أن هذين الأمرين لا يمكن اعتبارهما من ضمن أسباب العنوسة، لأننا لا نجد في وقتنا الحاضر ان هناك من يتعمد تأخير زواج ابنته سواء الأب أو الاسرة، وكذلك لا اجد في هذا الوقت أن هناك فتاة تصر على مواصفات كاملة في الزوج. أما اختلافي مع الكاتبة فهو فيما ذكرته من أضرار العنوسة حيث ذكرت الكاتبة ان الفتاة العانس نوعان: بعضهن تحاول عرض نفسها لمن يتزوجها بكثرة خروجها من المنزل متجملة واستعراضها في مشيتها ولباسها.. واما الفتاة قوية الايمان وكثيرة الحياء فهذه ستصاب بأمراض وعقد نفسية بسبب كتمانها لآثار العنوسة، وانها لن تستطيع الحديث عن رغبتها في الزواج بسبب حيائها. فأنا أقول : إن العنوسة اصبحت ظاهرة اجتماعية في كل المجتمعات دون استثناء، واصبح تأخر سن الزواج لدى الفتاة والشاب ايضاً أمراً طبيعياً تحكمه ظروف كل منهما، فعملية الزواج مرتبطة بالشاب والفتاة، فنجد أن الشاب إذا أخر سن زواجه فإن ذلك سيؤثر على الفتاة والعكس صحيح، ولكن يجب علينا أن لا ننسى ان الحياة التي نعيشها حالياً والتغيرات الاجتماعية المتسارعة والمرتبطة بالتطور الذي يشهده العالم لها تأثير كبير على مسألة التفكير في الزواج للشاب والفتاة.. وهنا أركز على الجانب الاقتصادي ولنتحدث بشفافية وبصراحة، فلننظر إلى تكاليف الزواج عندنا سنجد انها مرتفعة رغم الجهود المبذولة لتحديد المهر ولكن المشكلة ليست في المهر وحده، فالزواج له متطلبات كثيرة والمهر هو جزء من هذه المتطلبات، فالجانب الاقتصادي أصبح الآن هو ابرز الاسباب في تأخر سن الزواج لدى الشباب فينعكس ذلك على الفتيات فتزداد نسبة العنوسة لديهن، فالشاب يحلم بحياة زوجية كريمة هانئة يتوفر فيها السكن المناسب وقدرة الزوج على تحمل مصاريف البيت والزوجة والأبناء ومواجهة متطلبات الحياة المادية التي لا تنتهي. إذن النظرة الاقتصادية لها تأثير كبير على مسألة الزواج سواء من أهل الزوجة ومتطلباتهم او من الزوج ونظرته المستقبلية لحياة زوجية هانئة بدون ديون. فالشاب الذي يريد ان يكون نفسه فهو يحتاج لفترة بعد حصوله على الوظيفة قد تصل لسنوات، وهذه السنوات التي يحتاجها الشاب لتكوين نفسه تكون على حساب فتياتنا فيتأخر سن الزواج لديهن لأن الزوج المناسب لكل فتاة نجده مشغولاً بتكوين نفسه. وإذا انقضت السنوات المقررة وقام الشاب بتكوين نفسه فانه لا يقبل بهذه الفتاة التي كانت مناسبة له فنجده يبحث عن غيرها سواء في السن أو غيرها.. فأنا أرى ان الجانب الاقتصادي يؤثر بشكل مباشر على عنوسة الفتيات ويتسبب في زيادة نسبة العنوسة. وهنا أوجه نصيحة لأولياء الأمور وللفتيات فأقول لأولياء الأمور: اتقوا الله في بناتكم فيجب على كل ولي أمر تسهيل زواج ابنته سواء بالمهر وتكاليف الزواج أو بالبحث عن الزوج المناسب لابنته. وبالنسبة للفتيات فأقول لهن: إذا حصل النصيب مع الزوج المناسب فيجب على الفتاة أن تقبل بدون اعذار الدراسة أو غيرها، فالحياة تستمر والأيام تمر والفتاة لن تستطيع التحكم بالنصيب حتى تقرر أن تتزوج بعد انهاء دراستها أو غير ذلك. ومع هذا فإنه يجب على المجتمع تغيير النظرة السلبية للفتاة التي تأخر سن زواجها، فالزواج شيء بيد الله سبحانه وليس للفتاة أي دخل فيه، فكل فتاة ترغب في الزواج وتحلم بأن تكون أماً ولكن مشيئة الله وارادته فوق كل شيء ونحن ولله الحمد مجتمع مسلم يؤمن بقضاء الله وقدره. وهنا لدي رسالة لكل فتاة تأخر سن زواجها ولم يأت لها النصيب الذي تنتظره فأقول لهذه الفتاة.. إن الحياة مستمرة وان الفتاة يجب ان يكون لديها أمل وتفاؤل بالحياة ولتعلم الفتاة أن حياتها لن تبدأ بالزواج ولن تنتهي بالزواج كذلك، فعليها ممارسة حياتها بأمل وان لا تسمح للحزن والتشاؤم بالدخول إلى قلبها، وان البحث عن السعادة المطلقة أمر مستحيل وليست السعادة مرتبطة بأمر معين حتى يعتقد المرء بأنه إذا فقد هذا الشيء فإنه فقد السعادة، فالسعادة نحن من يبحث عنها وليست هي من تأتي الينا.. فالفتاة إذا علمت أن أمر الزواج هو بيد الله عز وجل فإنها عندئذ ستسلم أمرها لربها وعليها في هذه الحالة مواجهة الحياة بشكل طبيعي من دون حزن أو ألم بل بتفاؤل وأمل. وأما من ناحية نظرة المجتمع للفتاة التي تأخر سن زواجها فأنا على يقين تام بأن ظاهرة العنوسة وتأخر سن زواج الفتاة في وقتنا الحاضر اصبح أمراً طبيعياً في كل المجتمعات ولدى الاسر لدينا كذلك لأن الامر أقوى من الجميع نظراً لارتباط الزواج بعدة أمور قد تكون أقوى من الشباب والفتيات.. مع تمنياتي للجميع بالتوفيق. فايز بن ظاهر الشراري/طبرجل