بات الكثير من الناس في الوقت الحاضر يهتمون بنقل الأخبار والتعليق عليها بما تمليه عليهم ضمائرهم دون التثبت من صحة الخبر مما أحدث رواجاً للشائعات في المجتمع حتى أصبح السامع في حيرة من أمره حين اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين والصدق بالكذب في وقت لم يبق للكلمة أي اهتمام، فتتضارب الأقاويل وتختلق الأكاذيب والمجتمع يموج في حلقة مفرغة لا يدري ما الحقيقة وما الصواب حتى ضعف شأن الخبر في أوساط الناس لوجود من يستغل الأخبار الرخيصة لإشاعة الفوضى بين الناس، لاسيما مع تعدد أنواع الاتصال مما يساعد على سرعة انتشار الخبر في وقت وجيز، وهذا له أثر سلبي على مصداقية الكلمة وناقلها بل ربما يكون الخبر كيدياً فيترتب عليه عواقب وخيمة، فكم دمرت الشائعات الكاذبة من علاقات حميمة وأواصر قوية، بل تسببت في تشتيت أسر بأكملها، ولم يقف الحد عند هذا فإن للشائعات المغرضة أثراً على العلاقات الدولية بين الدول، بل قد تكون أحياناً سبباً في إثارة الفوضى والاضطراب بين المجتمعات، ومتى استفحل خطرها قد تجر إلى حروب طاحنة بسبب كلمة مغرضة. ولقد عني الإسلام بهذا الأمر عناية كبيرة فحذر من تلك الشائعات وأمر بالتثبت في الخبر قبل نقله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} فاحذر أخي المسلم من الانزلاق وراء تلك الأباطيل فإن من الناس من يعطيك من طرف اللسان حلاوة ثم يروغ منك كما يروغ الثعلب. فالكلام إما حق وإما باطل، وإما خير وإما شر، وإما رحمة وإما عذاب،وإما جد وإما هزل، وإما طيب وإما خبيث وقد قال جل شأنه مبيناً الفرق بين ذلك: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}. وقال سبحانه: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ...} فالكلم الطيب كل كلام أريد به الخير وادخال الأنس والسرور على السامعين وهو كل كلام مباح قصد به وجه الله. أما الشائعات فهي من فضول الكلام الذي لا خير فيه وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). إن مسؤولية الكلمة مسؤولية عظمى فإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرعى لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً). إن حرية الكلمة لا تعني الخوض في الباطل أو الإساءة إلى الآخرين فالخبر عند أهل اللغة هو مطابقة الكلام للواقع، وما خالف الواقع فهو الكذب والكذب مرتعه وخيم وخلق ذميم ممقوت. إن حرية الكلمة لا تعني تحريف الكلم عن مواضعه، وإنما أن تزن الكلام بميزان العقل والحكمة فكم كلمة قالت لصاحبها دعني. لقد وجد الناعقون مجالاً فسيحاً لبث سمومهم عبر الكلمة المغرضة والخطاب البذيء الذي قد يكون في ظاهره الرحمة ولكن من باطنه العذاب لاسيما إذا كان مروجو هذا الخطاب من الفساق الذين يسعون إلى الإفساد وإثارة الفتن. همُّ هؤلاء ومن على شاكلتهم تلقف الشائعات من هنا وهناك دون تروٍ حتى وقعوا في شر أعمالهم وما أحسن قول قتادة - رحمه الله - (لا تقل رأيت ولم تر أو سمعت ولم تسمع أو علمت ولم تعلم فإن الله سائلك عن ذلك كله ثم تلا قوله تعالى: {كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}. وكيل المعهد العالي للقضاء