طالعت ما كتبه د. محمد بن علي آل خريف - بجريدتكم الغراء يوم السبت 6-11-1425ه. بعنوان (ذهان الاستحالة وخطورته) تحدث فيه عن قضية مهمة وهي الحكم على الأشياء باستحالة حدوثها مما يقود إلى الشلل الفكري والعجز في الإرادة العملية. إنه في الحقيقة داء خطير إذا دب في أبناء الأمة عطل مداركهم وقيد طموحاتهم بالعجز عن فعل أي شيء وهذا ما فطنت الدول إلى أهميته حتى غدا عنصرا مهما في الحملات الفكرية والإعلامية الموجهة أثناء الصراعات الحضارية وذلك بنشر مثل هذا الفكر في أوساط المجتمعات المعادية حتى يدب فيها الوهن والتواكل واليأس من إمكانية النهوض وقد عزا الكاتب ما أصاب أمتنا من ضعف وتقهقر إلى عجز أبنائها عن النهوض إلى مصاف الأمم المتقدمة رغم توفر الإمكانات والقدرات المتنوعة التي تمتلكها. ثم قال الكاتب - حفظه الله -: (ينبغي أن ندرك أن الآخر ووفق الصراع الحضاري لن يقدم لنا ما نريد من دعم بل إنه سيبذل كل جهد لمنع تقدمنا وامتلاكنا لأدوات القوة فضلا عن الحصول على القوة بذاتها فمتى تقدمت الأمم ونهضت من رقادها بجهود أعدائها ودعمهم؟ هذا محض هراء وسذاجة متناهية). فشكر الله الكاتب وضاعف له الأجر والثواب لقد وضع النقاط على الحروف فوصف الداء وصفا دقيقا وذكر معه الدواء الشافي بكلام يعتبر قاعدة من قواعد النهوض والرقي للأمم حين قال في ختام مقالته (فلا يكون الآخر مشجبا نعلق عليه تقاعسنا عن تسلم سبل التطور والرقي الحضاري الذي يبدأ بالفرد فهو محور المشروع النهوضي لأي أمة فمتى ما صنع بناء الفرد وتكوينه على عين بصيرة ووفق تنشئة سليمة تجمع بين التمسك بالإرث القيمي والحضاري للأمة وبين امتلاك نواصي العلم ومفاتيحه وفق منهج واضح المعالم فإن ذلك وحده ليس غير موصل بإذن الله إلى المجد والرقي الحضاري). فجزاك الله خيرا.. د. محمد على ما كتبت فبمثلك وأمثالك من المخلصين تنهض الأوطان وتبلغ الأمم ذروة المجد وقمم السحاب. وأود التأكيد على ما أشار إليه الكاتب من أنه لابد من بناء الفرد الذي هو محور المشروع النهضوي وأن ينشأ تنشئة سليمة تجمع بين التمسك بالإرث القيمي والحضاري للأمة وبين امتلاك نواصي العلم ومفاتيحه ولكن وللأسف الشديد ابتلينا في العالم الإسلامي بفئة من بني جلدتنا لا يبالون بالموروث القيمي والحضاري للأمة ولا يرفعون به رأسا بل يدعون بالتصريح تارة وبالتلميح تارة إلى التمرد على المبادئ والتملص من القيم باسم التقدم والحرية ولم نسمع يوما من الأيام من هؤلاء نداء ولو خافتا إلى الأخذ بالنافع المفيد في حضارة الغرب من تطور تكنولوجي وتقني ونحو ذلك فيا للعجب. أولئك قوم من ضعفاء النفوس ممن بهرتهم حضارة الغرب والغربيين فدعوا إلى تقليدهم واللحاق بركبهم واللهث وراءهم والسكر بحبهم حتى الثمالة وأن ننهج نهجهم ونعترف بآرائهم ورؤاهم اعترافا يقودنا إلى أن ننصهر في بوتقة حضارتهم فنجني بذلك على أوطاننا ومجتمعاتنا فتضيع معالم حضارتنا وتطمس آثارها ويخفت ضوؤها فنصبح بلا هوية فتكون حالنا كما قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}. وإن الناظر بعين الإنصاف في مجتمعات المسلمين وشرائحهم ليرى عجبا ويسمع عجبا لما يرى من المتناقضات فبالأمس القريب كان المسلمون لهم قصب السبق في جميع شؤون الحياة ومصالحها بدء من صلاح القلوب وإصلاحها وتهذيب النفوس وحسنها إلى مصالح الناس الدنيوية فدار الخلافة في المدينة كانت محط أنظار الأمم الأخرى هيبة وشموخا بعزة الإسلام وأهله ودار الخلافة في دمشق كانت موئلا لمختلف العلوم والمعارف وبلغ هذا الأمر ذروته في عاصمة الخلافة العباسية ببغداد وقل مثل هذا أو زد عليه في عصور الأندلس الذهبية عندما كان المسلمون قد بهروا المجتمعات الأخرى بالتقدم العلمي والحضاري وأصبحت قرطبة محطا لركائب الراغبين في تحصيل العلوم النظرية والتطبيقية وكانت المجتمعات الأخرى تغط في سبات عميق من الجهل والظلام ولقد لبست ثياب الفوضى والاضطراب الفكري والحضاري والأخلاقي. وقد دون التاريخ وشهدت صفحاته بعظمة التقدم العلمي للمسلمين وإمساكهم بزمام الأمور في تلك العصور وكيف كان أهل الملل الأخرى يقفون موقف المتفرج والسائل الذليل وقد شهد بذلك كثير من غير المسلمين كقول أحدهم: (كل الشواهد تؤكد أن العلم الغربي مدين بوجوده إلى الثقافة العربية الإسلامية) إلى غير ذلك من الشواهد لكن الذي يندى له الجبين وتدمع له العين ويتفطر له القلب ألما وكمدا ما عقب ذلك من تغير الأحوال والأوضاع وكيف أصبح كثير من المسلمين يقادون بعد أن كانوا يقودون ويتبعون بعد أن كانوا يتبعون وبكل حال ودون تردد أو شك يكمن الجواب في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وقوله تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}. ونصر الله للمسلمين عام في شتى المجالات العلمية والعملية والاجتماعية فمتى اعتصم المسلمون بدينهم اعتصاما صادقا رجعت لهم عزتهم ومكانتهم وهيبتهم وما أجمل مقالة الفاروق رضي الله عنه (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله). زيد بن فالح الربع المراجع: الخطب المنبرية للشيخ السدحان