يثير العنوان المقترح الجيل الجديد وأزمة البديل الاسلامي مجموعة من الاشكاليات، ذلك ان تحليله يفضي الى سلسلة متوالدة من التساؤلات المحتجبة وراء تقريريته الشافة عن التسليم بأزمة هي أزمة غياب البديل الاسلامي، وما يمكن أن ينجم عنها من آثار قد تصيب من الجيل الجديد الأعماق. ولعل أهم الأسئلة التي أثارها العنوان هي: أولاً: البديل الاسلامي المنشود، بديل ماذا؟ أهو بديل للاسلام الموجود أم بديل الوافد الينا من الآخر؟ ان الاجابة عن هذا التساؤل المشروع مشروطة بتحديد البديل. ثانياً: أين مكامن الخطر المحدق بالأجيال الصاعدة؟ وما الذي يتهددها فعلاً وواقعاً؟ أهو سيل المعلومات الجارف والمتدفق الينا عبر وسائل الاتصال التي أتاحتها ثورتا الاتصالات والمعلومات، والتي حولت كوكبنا الى قرية صغيرة تنتقل فيها المعلومات والصور والبضائع والسلع والأفكار والقيم مخليّة إيانا بلا حول ولا قوة إزاءها؟ أم ان مصدرها الغياب التام للنتاج الاسلامي الذي يمكن أن يرد على تساؤلات الشباب وقلقه وتطلعاته وطموحاته؟ ثالثاً: هل الأزمة المشار اليها خاصة بالجيل الجديد دون سواه من الأجيال؟ وهل هي ابنة اليوم ووليدة العصر أم انها ازمة متجذرة تطفو على السطح مع اشتداد المواجهة الحضارية مع الآخر، وتخبو بخبوها؟ أزعم بداية ان المأزق الذي نتنادى اليوم للخروج منه والبحث عن سبل مواجهته، مأزق جديد قديم، جديد بمعطياته وطروحاته، متجذر بإشكالياته ووجوده. وإذا أردنا ألا نخوض بعيداً في البدايات الأولى له، واقتصرنا على تاريخنا القريب، أقصد بداية ما سمي عصر النهضة العربية، لوجدنا ان الوعي العربي الاسلامي قد تحرك كرد فعل على الزلزال الذي أحدثته المواجهة الحضارية مع الآخر، أي الغرب، بعيد الغزو الأوروبي للعالم الاسلامي، وتحديداً مع الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت، عام 1798 م، وقد كان لعامل اللقاء بين الأنا والآخر تداعيات على المستوى الداخلي للأمة، صبغ بصبغته واقعنا وسجالاتنا الفكرية ولا يزال. كما كشف عوراتنا التي غطاها لقرون انحباسنا داخل الشرنقة فلا نرى إلا ذاتنا ولا نسمع غير صوتنا، والتي أطلنا النوم على حرير أمجادها، وكأننا لم نستمع الى قوله تعالى: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون البقرة 141 - 143. ما تقدم لا يعني بالضرورة ان كل لقاء بين الأنا والآخر لقاء درامي مأزقي، بل ما يحدد طبيعته هو واقع الذوات المتقابلة في اللحظة التاريخية المعيّنة. شهد التاريخ الكثير من المواجهات الحضارية، ومن المعلوم ان لا حضارة تنشأ وتزدهر بمعزل واستقلال عما سبقها أو يحيط بها من الحضارات، بل تتفاعل وتتلاقح معها وتضيف اليها، مع الحفاظ على التمايز الحضاري لكل شعب، ويكفي في هذا السياق أن نذكر تفاعل المسلمين الأوائل وانفتاحهم على الحضارات اليونانية والفارسية والهندية فنقلوها وهضموها وتمثلوها ثم عملوا على تبيئتها وراكموا عليها، آنذاك كانت الذات الاسلامية في أوج نشاطها الروحي والمادي والعقلي. وتعاطت بوعي وحرية وبلا عقد مع الآخر، بل شكرت له انجازه واعترفت له بفضل السبق في ما سبق اليه. بالانتقال الى الحاضر، ما هي الصورة التي يتبدى عليها العالم؟ وما موقعنا منه وفيه؟ لقد شهد القرن الأخير ثورات ومنعطفات خطيرة مهمة على الصعد السياسية والاقتصادية والفكرية العلمية كافة وغيرت معالم كوكبنا تماماً، حتى المفاهيم والمعارف التي طالما ركنا اليها انمحت من معاجم تداولنا، لا سيما مع ثورتي الاتصالات والمعلومات اللتين شهدتا تنامياً متسارعاً في العقود الخمسة الأخيرة، فأزالت الحدود والحواجز بين الجماعات والأفراد والدول وغيرت مفاهيم الزمان والمكان والعمل، مع ما يستتبع ذلك من انقلاب على القيم والسلوكيات والتعاملات الانسانية الفردية والعامة في شتى الميادين. فأين نحن من كل هذا؟ من الجلي أن أزمتنا مضاعفة، وسببها ذلك الفصام بين سلوكنا وتعاملياتنا من جهة وبين أفكارنا من جهة أخرى، نحيا في عصر ونفكر في عقلية عصر آخر. لا شك في أننا ورثة حضارة عريقة أدت للانسانية وللحضارة الكثير، إلا أن السؤال الذي يلح هو ماذا فعلنا بهذا الإرث، ولا شك في أننا أيضا نستهلك منتجات الحضارة الراهنة، ولكن هل لنا موقع قدم على سلمها؟ هل نحن شركاء فيها؟ أزعم ان السلبية هي سمة علاقتنا مع الماضي والراهن، مع التراث والحداثة، وفي أحسن الأحوال، فنحن مستهلكون لمنتجات الحضارة الراهنة والتراث معاً، ومقلدون بامتياز، من دون الالتفات الى نفعية أو صلاحية ما نستهلك ونقلد. والحضارات بمكوناتها الروحية والمادية لا تعدو كونها تلك الاضافات والاستجابات التي يبدعها الانسان ويجترحها للرد على المشكلات والتحديات التي تواجهه، وهي تزول وتضمحل عندما تكف عن ذلك، والفعل الحضاري وتاريخ الحضارات ليس تاريخ أشخاص أو أفراد، بل هو فعل تشاركي ينهض به المجتمع ككل، وليس حكراً على فئة أو جنس أو جيل، فهل ينطبق علينا هذا التوصيف؟ نحن جميعاً كمسلمين، نصبوا الى بديل اسلامي حضاري أو لنقل الى دور حضاري اسلامي فاعل ينهض بالأمة خصوصاً وبالانسان عموماً، ولهذا النهوض شروطه الروحية والمادية اللازمة وهو يستحيل دون تحققها وتوافرها، والبديل الاسلامي يفترض أولاً الاشتغال على الذات والتواصل مع الإرث تواصلاً فاعلاً متجدداً، والإرث الأهم هو القرآن الكريم وهو حجر الأساس في بناء عمارتنا الحضارية ومائزنا عن سوانا. أجمع المسلمون على أن المرجعية الاساس التشريعية والقيمية والعقدية هي القرآن، وإن القرآن نص مفتوح على فضاء التأويلات والقراءات والاجتهادات الانسانية في كل مكان وزمان باعتباره رسالة للعالمين هدى وتربية وتزكية وتعليماً وطريقة ومنهاجاً لتحقيق الاستقامة والعدل على المستويين الفردي والاجتماعي ومركز قطبها جميعاً وغايتها التوحيد المتمظهر في العبودية لله رب العالمين. فهل يمكن الكلام على البديل الاسلامي من دون فهم الرسالة وإدراك مقاصد الشرع؟ أو من دون فهم المرسل اليه وقدراته واستعداداته وكوامن طاقاته وحاجاته وتطلعاته وتساؤلاته؟ أو من دون توفير الشروط اللازمة لتسييل الفكر الى عمل؟ وهل يصح طرح البديل الاسلامي من دون معرفة بالزمان والمكان؟ هذا الكم الهائل من الأسئلة والاشكاليات المطروحة تحتاج مقاربتها الى تضافر الجهود وتشاور العقول وتشاركها، ويبقى السؤال مفتاح المعرفة، ومحرض العقل على التفكر وقادح زناده. ولأن ما هو موجود من اجابات غير شافٍ لا شكلاً ولا مضموناً لتقادمه معرفياً ومنهجياً، نجدنا اليوم في أمس الحاجة الى تجديد النظر في المرجعيات والأصول المعتبرة وإعادة قراءتها بعين العصر وروحه ومعارفه ومنهجياته وأدواته وفي ضوء مشكلاته وتحدياته. أستدرك هنا للتأكيد على أن مقالتي هذه ليست دعوة الى القطيعة مع التراث ونتاج الأسلاف الغني والثري، بل هي دعوة الى الاستفادة والاستزادة من منجزاته والاشتغال عليه وفيه اشتغالاً صاقلاً وناقداً، انها دعوة لتشييد البنى الفوقية الاسلامية على بنية تحتية جامعة تستنطق مقاصد الشرع من النص القرآني ليرفع فوقها الصرح المعرفي الاسلامي من كلام وفقه وتفسير وسواها من العلوم الاسلامية، انها دعوة لمقاربة مقاصد الشريعة وأهداف الدين والتي أرادها المولى عز وجلّ من وراء إرسال الرسل والرسالات، والتي جعلت الأحكام طرقاً وسبلاً اليها. أقول هذا لأن الآية انقلبت فالواقع الاجتهادي مثلاً يتحرك وكأن الأحكام مقصودة لذاتها لا لغرض ورائها، ومعلوم ما من حكم إلا وتقبع خلفه حكمة، وكل فعل إنما يكون لغرض، وكذلك كل أمر ونهي. وأجرؤ على القول ان كثيراً من الأحكام الجزئية والتشريعات الاجتهادية، وقد تناست المقاصد، أتت متناقضة مع الغاية والهدف المفترض لها، وبمعنى آخر سقط الجوهر على طريق التمسك بالجزئي والقشري، فتحول السجود مثلاً الى استقرار الأعضاء وهو تجلي التوحيد في العبودية الحرة لرب العالمين في أرقى أشكاله، وتحول الزواج الى عقد يتملك الرجل فيه بضع المرأة وقد جعل المولى غايته السكن المشروط بالمودة والرحمة، ومعلوم ما للرؤيتين من آثار ومترتبات متباينة أشد التباين. والمثال الآخر هو علم الكلام والذي عرف تقليدياً بأنه علم الدفاع عن العقيدة، فما زلنا نتداوله ونلقنه بحرفية ما ورثناه من القرن الرابع للهجرة، ومعلوم ان اشكالياته وتساؤلاته وردوده ومنهجياته إنما هي استجابة لتحديات ذلك الزمان وبأدواته، أما نحن فبحاجة للرد على اشكاليات وتساؤلات اليوم حول الدين وبمنهجيات العصر ولغته التي يفهمها أبناؤنا، وتعليق الاشتغال على هذا الأمر والاستهانة به لا بد من أن يدفع الجيل الجديد للبحث عن اجابات أسئلته في أماكن أخرى. إذاً أولى الواجبات الملحة، بل وحق الدين علينا تجديده وبعث الروح فيه، وذلك من خلال اعادة قراءته قراءة معاصرة تلبي حاجاتنا وترد على أسئلتنا نحن، وتستجيب للتحديات التي نواجه. أما بالنسبة الى علاقتنا بالآخر ومنظومته الحضارية، وهي لا شك حضارة تجتاح العالم ولها فاعليتها، وتعمل جاهدة لتكريس ذاتها نموذجاً أوحداً، فلا نستطيع اليوم غض الطرف عنها وتجاهلها أو إيصاد الأبواب ونصب العوازل والسواتر دونها، لاستحالة الأمر من جهة لا سيما في زمن الانترنت والفضائيات، ولأن الفعل الحضاري نفسه لمجتمع ما لا يكون إلا بالتواصل والتفاعل المبدع والخلاق الذي يتلاقح وينقد وينقض، يتمثل ويهضم ويبيئ ما يصله من الآخر فيطبعه بطابعه ويضيف اليه ويشذب ما يحتاج الى تشذيب ويهمل ما يتنافى أو يتناقض مع بنيته الحضارية والقيمية والعقدية، انه تواصل الفعل لا الانفعال، والابداع لا الاتباع والتقليد والاستلاب. ما سلف يظهر ان المهمة التي ينبغي التصدي لها مهمة صعبة وشائكة، لأن المشكلة التي نقابل مركبة، فمن جهة نريد المشاركة في الحضارة العالمية ونريد الحفاظ على هويتنا، وتمايزنا الحضاري من جهة أخرى، بل نريد تقديم نموذج حضاري مختلف يصحح المسار ونحن خارج الفاعلية الحضارية، وبمعنى آخر، علينا ان نجد لأنفسنا كمسلمين وأصحاب حضارة موقعاً ودوراً فاعلاً في عصر تجري فيه الأمور بسرعة الضوء، وهو يستلزم بالضرورة الاستفادة من المنجزات الحضارية الراهنة، باعتبارها انجازاً انسانياً عاماً، والتأسيس لرؤية اسلامية متجددة ومعاصرة تشكل القاعدة المعيار للنتاج الموعود أو البديل المنشود. ولهذه العملية شروطها وهي شروط قيام ونهوض لا بد من توافرها لأي مجتمع يبغي الخروج من ركوده الى أفق الابداع والانجاز وأهم هذه الشروط على الاطلاق: 1 - إعادة الاعتبار للعقل: العقل هو الفصل المقوم للانسان وما يميزه عن غيره من الموجودات، به كرم وبه يثاب ويعاقب ويعمر الأرض ويستخلف فيها. من هنا ذاك الحث المتكرر في القرآن الكريم والأحاديث النبوية على التعقل والتدبر والتفكر والتأمل والنظر والاعتبار. إن ذلك التكثيف في الحض على التعقل بمفرداته المتنوعة يرفعه الى درجة الفريضة وهي من أسف فريضة غائبة أو مغيبة ويكرس غيابها في اعتقادي ركوننا الى فلسفة الواجب وتغليبها على فلسفة الحق إضافة الى مجموعة سلطات كفت عقولنا عن النظر، وتالياً أيدينا عن العمل، كالتقليد والصنمية والتقديس وسواها، وهي جميعاً تقوم على آليات الحجب والمنع والإقصاء والاستبعاد للمقاربة التجديدية النقدية، ونتيجتها اللازمة التعطيل لكل فاعلية وابداع وتطوير، ولكن هل للعقل أن يشتغل في الأسر وبعيداً من فضاء الحرية؟ 2 - ضمان الحرية: أود الاشارة أولاً الى ان الحرية حق وليست معطى ناجزاً بل تنجز وتتحقق خلال عملية الكدح الفردي والجماعي، والحرية مقصد من مقاصد الشرع، قال تعالى في كتابه العزيز يضع عنهم إصرهم والأغلال والضمير في يضع راجع الى الرسول ص في ما يحمله من رسالة. ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من السلطات التي تعارض وتنافي تنجز التحرر، منها البيولوجي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، فهي جميعاً تعمل على قهر الانسان واستعباده إلا أن هذه السلطات لا صفة جبرية لها مع وجود الارادة والقدرة على الاختيار اللذين حبي بهما الانسان، والقدرة على الاختيار تفترض التعدد والاختلاف، وهما مظهران للثراء والغنى، إذا ما عرفنا كيف ندير الاختلاف من دون تحويله الى خلاف. وبمعنى آخر الحرية لا تعني حقنا في القول والاعتقاد والتعبير والعمل فحسب، بل الاعتراف بحق الآخر المختلف والمغاير في كل ذلك أيضاً والقبول به. والحرية ثقافة، وهي الأرض الخصبة للإبداع والفضاء الرحب للاجتهاد والابتكار وضمان فاعلية العقل ومفجرة الطاقات والاستعدادات والكوامن الانسانية، أي انها ما لم تتحول الى جزء من شخصيتنا الفردية والجماعية وظلت مقولات تلوكها الألسن من دون تسييلها على أرض الواقع والممارسة، فلا يمكن اطلاق تسمية الحرية عليها ولأعطت خلاف نتائج الحرية بل هي أخطر من الكبت والقمع السافرين. 3 - الوازن الاخلاقي: ما تقدم إقرار بأن العقل والحرية شرطان ضروريان للنهوض الحضاري ولكن هل هما كافيان. إن مآلات الحضارة الراهنة لشاهدة على ضرورتهما ولا كفايتهما في آن، بل هي في ظل غياب الشرط الثالث شهيدتهما، عنيت الأخلاق. ويكفي في الدلالة على صوابية ما تذهب اليه ان منجزات الحضارة الفذة التي أدت للانسانية خدمات جلّى، تحمل بذور فنائها وزوالها، من دون أن تتيح الفرصة لقيام حضارة بديلة، إذ أن تهديدها يطال الكوكب برمته وما عليه. صحيح ان منجزات الحضارة التكنولوجية والمعلوماتية والجينية، على سبيل المثال، وفرت للبشرية مزيداً من الراحة والرفاهية وقربت المسافات وألغت الحدود والحواجز بين الناس وقضت على الكثير من الأمراض وهي تعد بالمزيد، إلا أنها من ناحية أخرى أخلت بالتوازن البيئي للكوكب، تهدد بدماره بما أنتجته من أسلحة دمار نووي وكيمياوي وجرثومي. وبدل أن تعم خيرات الثروة والعلم والطبابة والرفاه العالم فإنه يزداد انقساماً وتتسع الهوة بين عالمين: عالم يمتلك كل شيء يمثل 2 في المئة من مجموع سكان العالم في العام 2005 بحسب تقديرات واحصاءات نهاية القرن، وعالم مستلب ومجرد من كل شيء يمثل 98 في المئة من سكان العالم، وبدل أن يكون الانسان هدف التقدم والتطور التقني والعلمي أصبح في خدمته، فاستلبت انسانيته وتحول مجرد مستهلك ومتلقٍ لا فاعل. إن تدارك هذا الخطر الداهم على الحضارة والانسان غير ممكن من دون الاخلاق. ومما لا شك فيه أن الاخلاق، بما هي قيم انسانية عامة، مقصد أساسي من مقاصد الشرع، كما جاء في الحديث إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. فالأخلاق هي البوصلة التي تتيح إعادة توجيه المركبة، التي تقلنا جميعاً، وجهتها الصحيحة، لا نقول ان المشكلة في منجزات الحضارة أو العلم أو الابداع الانساني، بل في سوء استخدام هذه المنجزات من قبل الانسان، وفي استغلاله الوحشي للطبيعة والتعدي على قوانينها، وعدم احترام الآخر وحقوقه وحاديه الربح السريع وتحقيق المكاسب الآنية، الشخصية والفئوية على حساب البشرية جمعاء، انه الجشع البشري وطمعه، إنه طغيان وتغوّل الأنا والخروج على الوسطية والاعتدال والسوية في التعاطي مع الذات ومع الآخر. نخلص أخيراً الى أن البديل الاسلامي، بل والحضاري العام، نشأة وتطوراً واستمراراً، مشروط بثالوث العقل والحرية والأخلاق، فهي تمثّل الشروط الضرورية والكافية له، فالعقل سبيلنا لوعي الواقع ومعرفة الذات والآخر، وهو مصدر الابداع والابتكار، والحرية هي الفضاء والمحيط الصحي لحركة العقل والفعل الانسانيين، أما الأخلاق فهي الموجِّه وصمّام الأمان لكل منهما، والحائل دون تغوّلهما وخروجهما عن جادة الاعتدال وتالياً الأنسنة. * كاتبة لبنانية. والمقال محاضرة ألقيت في ندوة "المجتمع الاسلامي وضرورات الاصلاح" التي عقدت في الكويت بدعوة من "مؤتمر القرآن الكريم وتحديات العصر".