ينبع الاهتمام بالمسألة الحضارية من قناعة مترسّخة بأنها السبيل الأرشد لرقي الأمم ونهضتها، ومن أنها زاوية فريدة تتيح لعقلنا الفردي والجمعي أن يفكر ويدير ويقيّم ويطوّر ويستشرف الآفاق بمقاييس حضارية وبمنظور شمولي يجنّبنا الانبثاقات التجزيئية السطحية والرؤى التفكيكية الضيقة، ليتجاوز بنا نحو الأصوب الأعمق إزاء القضايا والأحداث التي تشكّل منعطفات خطيرة على المستوى الحضاري. لا يمازجنا شك في أهميتها وخطورتها، غير أنها مسألة معقدة تنطوي على كثير من الإشكاليات والجدليات، وتكتنفها ألغاز فلسفية حيّرت العلماء والمفكرين، فتباحثوا وتناظروا وتخاصموا حيال مفرداتها. ولم تسهم طروحات أولئك بإثراء أدبياتها وإنضاجها فحسب، بل أدت إلى تشعبها وتضخمها وتعقدها، وتناقضت لا في تفاصيلها بل حتى في أطرها وخطوطها العريضة لتَضاد منطلقات أولئك وتلوّن أهدافهم بأطياف الأيديولوجيات والفلسفات الفكرية المتباينة. وتعد قضية النهوض والسقوط الحضاريين محور مسألتنا هذه وجوهرها، فالأبحاث تدور في فلكها وتنساب في حوضها، حتى تلك الأبحاث التي تبدو لنا في الوهلة الأولى على أنها بعيدة عن تلك القضية ما تلبث أن تعود بنظرة متعمقة إلى الدوران في ذلك الفلك والانسياب في ذلك الحوض. لذا جهدت تلك الطروحات إلى تحديد آلية النهوض والسقوط الحضاريين في إطار بحثي اتسعت دائرته فشملت كافة العوامل المؤثرة والمتأئرة بتلك القضية، مع محاولة تفسير الظواهر المصاحبة للحدث الحضاري، ولذا يمكننا تقرير أن هذه المسألة تمحورت حول قضيتين كبيرتين هما: المسار الحضاري والمشروع الحضاري. المسار الحضاري تنتظم أدبيات الحضارة أفكاراً متعددة ورؤى متباينة ونظريات فلسفية متعارضة حول آلية النهوض والسقوط الحضاريين، ليس ذلك فحسب بل نجد اختلافاً جلياً في المنطلقات البحثية، فنرى بعضها اتكأ مثلاً على الدولة كوحدة للدراسة كما عند ابن خلدون 1332-1406، في حين ذهب بعضها إلى اعتماد الحضارة وحدة للدراسة كما عند شبنغلر 1856-1936، وتوينبي 1889-1975 مع بعض الاختلاف بينهما. وغير ذلك من الاختلافات التي لا نرمي إلى استيعابها في هذا السياق، وإنما للتأكيد على ضخامة الفجوة بين تلك النظريات والأفكار، والتي يطبعها المركّب الحضاري بخاصية شديدة التفرد للتباين الديني والأيديولوجي لتزداد تلك الفجوة هوة واتساعاً. خصوصاً إذا ما كنا بازاء دين كالإسلام، فهو نسيج وحده" مكتسٍ بطابع روحي - عقلاني في توازن مبهر، وبنزعة ديناميكية مدهشة تحقق له تجدداً في ثبات وترسّخاً في عمق، وانتشاراً في توغل. وقد يكون بديهياً بعد ذلك كله أن يتملكنا استغراب من إهمال البعض لتأثير ذلك المركّب على المسألة الحضارية، فتراهم يجهدون من أجل صوغها بكامل مفرداتها وتفاصيلها في ضوء ما يسمونه بالبعد الحضاري الإنساني متجاهلين البعد الديني والأيديولوجي للحضارات المختلفة. وهذا لا ينفي وجود قدر مشترك في ما بينها في بعض تفصيلاتها، خصوصاً تلك التي تتصل بالطبيعة الإنسانية الصرفة. وألمح إلى أن ذلك القدر المشترك قليل لتأثير البرمجة الأيديولوجية لا سيما في البعدين العقلي والأخلاقي وبسرعة مذهلة، فالأيديولوجية تنقّض على الطفل لتطعمه، وتحادثه، وتلبسه زيّاً مزركشاً بألوانها، ثم لا تكاد تفلته إلا بعد أن يَغطّ في نوم عميق في أحضانها، فإذا هب مستيقظاً أسرجت عينيه بنظّارة ملونة وباركت عمله ومسعاه! من هنا تجيء أهمية بلورة أبحاث جادة في المسألة الحضارية تنبثق من الرحم الكبير لمركبنا الحضاري الإسلامي الذي ينتظم المفردات العقدية والقيمية والأخلاقية والفكرية والتاريخية، مع خليط ناضج من الأفكار والفلسفات المستقاة من مركب الحضارات الأخرى، ذلك المركّب الذي يترسب في العقل الإسلامي عبر دوائر التعليم والتربية والاحتكاك والتفاعلات البحثية والتأملات الفلسفية. إنني أتساءل ها هنا عن سر تقاعسنا عن تلك البلورة، مع مبادرة بالاعتراف بأن ثمة طروحات حضارية تتفاوت عمقاً وأصالة ونضجاً، اسهم بها بعض علمائنا ومفكرينا ومثقفينا، غير أن بعضها مفتقر للشمولية والتراكمية والإرتباطية، ما أضعفها نظرياً وسطّحها فلسفياً وسلبها من ثم أي مضمون تطبيقي واقعي. وقبل الاسترسال في ثنايا الموضوع لا بد من توضيح بعض المنطلقات المنهجية في هذا البحث عبر المفردات التالية: أي شيء تعنيه الحضارة: من المتحتم منهجياً البدء بتعريف الحضارة إذ أنها نقطة إرتكازية في هذا البحث، ولكن، نظراً للإشكالية التي تحيط بالتعريف، فإنني اعرج على تعريفين بارزين: يعرف ابن خلدون الحضارة بأنها: "أحوال عادية زائدة على الضروري من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفه وتفاوت الأمم في القلة والكثرة تفاوتاً غير منحصر". ويعرفها ول ديورانت بأنها: "نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي". وثمة تعريفات أخرى كثيرة، غير أنها لم تسلم كلها من الانتقادات، وإنني لأعد قضية التعريف تلك إشكالية حضارية معقدة،، وليس هذا مجال البسط، وبازاء التعريفين السابقين يكفي أن أشير ها هنا إلى عموميتهما وعدم اصطباغهما بالمعنى الشمولي الذي بات يتفق عليه جل المفكرين والباحثين. وهذا ما دفعني إلى تقديم تعريف مقترح يصلح على الأقل لأن يكون منطلقاً لهذا البحث. إن الحضارة في نظري: "نهج حياتي متكامل يؤسس مجتمعاً إنسانياً مدنياً سعيداً في إطار ثقافي". ولإظهار مفاصل ذلك التعريف وأركانه بشكل واضح ومختصر، أعرض مكونات الحضارة عبر ما اسميه ب"الخلطة الحضارية": الجدول 2 ويقوم هذا البحث على اعتبار أن الأمة ذات الإرث الديني الواحد هي الوحدة المنهجية للدراسات الحضارية. وأقصد بالمسار الحضاري المراحل التي تتقلب فيها الأمة في درب الحضارة في سبيل قاصد صوب القمة الحضارية في دائرة منسجمة مع مركبها الحضاري. إذاً، هذا المسار من شأنه تحديد المنعطفات التي تنساب حركة الأمة عبرها بدءاً من القاع أو اللاحضارة إلى تلك القمة. إن هذا المسار يكشف للحركات الإصلاحية ومن ثم للأمة أي فضاء من أرض الحضارة تقف عليه، ليكون ذلك الكشف منطلقاً ضرورياً - منطقاً وواقعاً - لاستئناف السير أو مواصلته في ذلك المسار بالاستعانة بالبوصلة الحضارية، ولكن، أي شيء تغنيه تلك البوصلة إن كانت الأمة تائهة في درب بل دروب الحضارة! وخلصت إلى نمذجة ذلك المسار فلسفياً في إطار ما افهم انه يشكّل مركبنا الحضاري، وذلك بعرضه عبر نموذج يجهد لأن يكون ذا صبغة تفسيرية تنبؤية، يفسر الحدث الحضاري الماضي ويتنبأ بالآخر المستقبلي. ويمكن توضيح نموذج المسار الحضاري عبر الشكل التالي: الجدول 2 وقفات مع المسار الحضاري يمكننا بعد أن نجلي النظر بالنموذج تدوين الملاحظات التالية: - يفتتح النموذج هذا المسار بالسيناريو المنطقي إذ أنه يصوّر الأمة وهي في القاع أو الفضاء اللاحضاري. - ثم تأخذ مقطورة الأمة بالإقلاع من ذلك القاع عبر انقداح الشرارة الحضارية والتي تحدث من جراء عاملين يسبق أولهما ثانيهما في الأغلب لظاهرة التجديد الديني الثابتة في الإسلام. - إشراق فكرة مبهرة ذات صبغة دينية عبر مصلح ديني، في مناخ ثقافي مناهض للفكرة، مما يعيّش ذلك المصلح وأتباعه واقعاً معضلاً، ويولّد شعوراً عميقاً لديهم بالتحدي. وهذه الإشراقة ُتحدث انقلاباً داخلياً في النفوس يفي بشروط "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وتتمحور الجهود الإصلاحية العملية في تلك المرحلة حول الجانب الروحي- العقدي. - ويترتب على نبوغ الفكرة المبهرة مقاومة الحضارات الأخرى والقوى المناهضة لسبب أو لآخر لهذه الفكرة، فتشتعل روح العداوة والبغضاء في ما بين الأمة الآخذة بالتقدم الحضاري وفرقائها، فيتمخض عن ذلك تحدٍ يسفر عن مدافعة الأمة لفرقائها أو ما يمكن تسميته ب"روح الجماعة" النموذج جرى على الأغلب، ولذا فقد رتّب كلاً من الاستعداء والواقع المعضل على الفكرة المبهرة فليُتفطن لذلك. - لدينا الآن تحديان، الواقع المعضل والاستعداء، يقودان إلى استجابة وفقاً لنظرية التحدي والاستجابة لتوينبي تتمثل بما أسميه ب"اهتزاز الكينونة الحضارية". ولنا هنا أن نتساءل عن سر هذه الكينونة وعن اهتزازها" هل هي اهتزازة فردية أم جمعية، وما تخلفه من آثار؟ الكينونة الحضارية، في رأيي، هي الوعاء الذي يختزن ذلك المركب الحضاري المعقد الذي ينتظم المفردات العقدية والقيمية والأخلاقية والفكرية والتاريخية، مع خليط ناضج من الأفكار والفلسفات المستقاة من مركب الحضارات الأخرى. إنه بعبارة أخرى "اللاشعور الحضاري". وهذه الاهتزازة تحدث من جراء ما يفرزه هذان التحديان مما يمكننا تشبيهه بالتموجات التي تحرك البندول. إذاً، تموجات حضارية تهز الكينونة الحضارية لا لآحاد الناس وإنما للنخبة الناضجة المؤثرة، لينتقل ذلك المركب بتلك الاهتزازة من حيز اللاشعور إلى الشعور الحضاري في لحظة زمنية تؤذن بحدوث اليقظة. وتتسع دائرة اهتزازة الكينونة بمرور الوقت لتشمل أفواجاً من الناس بحسب درجة نضجهم وعمقهم من جهة، ودرجة حماس وفاعلية النخبة في هز كينونات الجماهير عبر طرح ناضج ملائم من جهة أخرى. - تأخذ يقظة حضارية بالتشكّل بفعل تلك الاهتزازة العجيبة، وتعد المراحل السابقة إرهاصاً لظهور: - قادة إصلاحيين ينشطون للعمل في ضوء مركبهم الحضاري القابع في شعورهم الحضاري وليس في ل شعورهم. ويغلب على هولاء النهج الإصلاحي مع قدرة فائقة على القيادة الفكرية، وبذلك ينتزعون اعترافاً واسعاً من قبل الجماهير بريادتهم الفكرية وقدراتهم القيادية. - إرادة نافذة وهمة عالية مخلصة من اجل إحداث التغيير المنشود بعد التعرف على مواطن الداء ومكامن الوهن، فيشرع أولئك القادة في محاولاتهم الإصلاحية التي تتعدى الجانب الروحي - العقدي عبر قوالب متعددة، إلا أن أولئك القادة مع ذلك يفتقدون في بكور اليقظة إلى الشمولية - تنظيراً أو تطبيقاً - وبذلك نراهم يركزون جهودهم على بعض الجوانب الحضارية دون غيرها. تستمر هذه الإصلاحات فترة من الزمن وتتكامل وتنضج فكرياً بمرور الوقت، كما تتبلور في هذه المرحلة طريقة تتسم بقدر كبير من النضج للتعامل مع الحضارات القائمة والإفادة منها من خلال آليات متنوعة، فتتضح معالم الشخصية الحضارية للأمة ويتعاظم الالتزام بها. وفي هذه المرحلة تتراكم أكداس من الأفكار، غير أنها لا تستثمر بصورة كبيرة، لأن هذه المرحلة من طبيعتها أنها تختزن "طاقة وضع" تتشكّل بعد فترة "كطاقة حركة". وهذه المحصلة أو النتيجة ُتدرك بداهة، كطفل يلتهم سماعاً بأذنه كلمات لا تعدو أن تكون رموزاً وإشارات مبهمة، لتتحدر إلى عقله فيهضمها بعد أن تغمرها الخبرة المتراكمة بأنزيماتها، لتستحيل بعدُ إلى كلمات ومصطلحات ذات مغزى تبعث عقله على تفكير منتج يثمر سلوكاً محدداً. ومن رام وصول الأمة إلى طاقة الحركة من دون المرور بطاقة الوضع، فهو كمن رام طفلاً رضيعاً مكلماً للناس في مهده! - تتخمر تلك المحاولات الإصلاحية لتثمر عن تولد قناعة ببلورة مشروع حضاري متكامل ويكون مصحوباً ببروز نوع من الإصلاحيين يمتازون بالنزعة الإبداعية اكثر من النزعة القيادية الفكرية، وهم غالباً اكثر عدداً من سابقيهم القادة الإصلاحيين وأقل منهم ظفراً باعتراف الجماهير بقيادتهم الفكرية. ويأخذ الإصلاحيون المبدعون على عاتقهم إكمال المسيرة الإصلاحية، لكنهم في هذه المرحلة يتبنون بلورة مشروع حضاري في إطارهم الثقافي، ليكون بمثابة الخطة الحضارية الاستراتيجية التي يؤمنون بأنها سبيلهم القاصد صوب إقامة صرحهم الحضاري المنشود. وما دام الحديث ظل شاداً لأنظارنا صوب سيرورة الأمة من القاع إلى القمة في ثنايا المسار الحضاري، فلا بأس حينئذ بالتفاتة عجلى نلقي خلالها شيئاً من الضوء على السيرورة المعاكسة، سيرورة الأمة صوب القاع بعد أن تبلغ القمة. بإيماءة خاطفة، أقول إن المشروع الحضاري يجسّد في حقيقته الماء والسماد والهواء التي تتضافر لإنبات بذرة الحضارة فتأخذ بالنمو تورّقاً وظَلالَة وثموراًً. وتبقى الشجرة طيبةً مثمرة ما بقيت عوامل نموها. ولعلني هنا ألمح إلى أن مادة لحائها أول ما تفقده هذه الشجرة والمتمثل بالبعد العقدي والأخلاقي، لتتيبّس شجرة الحضارة وتتخشّب من ثم - كما يقول شبنغلر في تعبير رائع - على المدنية، تتحول فيها الأمة إلى عمال في مصنع كبير، يهرولون، يلهثون، يأكلون في جو مفعم باللهو والشهوات والبؤس والشقاء، ثم ما تلبث أن تهوي حطاماً تذروه رياح التغيير وتختزنه ذاكرة التاريخ! - يتمكن الإصلاحيون المبدعون من إنضاج مشروعهم الحضاري، ويشرعون بخطوات تطبيقية تزداد مع الوقت كماً وتنضج كيفاً، مع استغراقه وقتاً طويلاً بلورة وتنفيذاً. وإبان مرحلتي اليقظة والمشروع، خصوصاً المشروع، تزداد جذوة الصراع بين الأمة وفرقائها، ليصل لهيبها إلى كافة الميادين، بسبب تنامي شعور الآخر بأن ثمة من جعل يتطلع إلى نهوض وتمدد على بساطه، لتتحقق بذلك جزماً نبوءة السنة الإلهية في "التدافع والتداول الحضاريين" التي تفضح كذب نبوءة "نهاية التاريخ" وتبين تفاهتها، قال الله تعالى: "قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين. هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قَرْح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين". آل عمران: 137-140 - لتصل الأمة بعد ذلك المشوار المضني إلى نهاية المسار الحضاري الذي تقيم على ضفافه صرحها الحضاري لتؤسس بذلك مجتمعاً إنسانياً مدنياً متماسكاً سعيداً منتجاً في إطار من عقيدتها وقيمها وأخلاقها، ولتنعم البشرية كافة بذلك. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأمة قد تتعثر في مسارها في مرحلتي اليقظة والمشروع بشكل يعجزها عن المواصلة، فتحدث انتكاسة حضارية تعيدها إلى الوراء لتصاب بعد ُ بوهنٍ تختلف حدته بحسب قوة الفيروسات الحضارية وسرعة نفاذها وتغلغلها في جسدها، وهذا يؤكد الدور الخطير الذي يلعبه قادة العلم والفكر في تطبيب الأمة حضارياً بالوقاية تارة وبالعلاج تارة أخرى، والذي يتطلب جزماً إنزال مبضع الجراحة على الأورام الحضارية في عمليات جريئة قد تكلف الطبيب كثيراً كثيراً، لتعاود الأمة سيرها بعد أن تلتقط أنفاسها وتتعافى من وعكتها. وحيث أن الأمة في نظري حطت رحالها منذ فترة في رحاب اليقظة الحضارية ولا تزال تمد رواقها في تلك الرحاب، فإننا ننتظر أن تلملم نفسها وتجمع متاعها عبر عملية شاقة طويلة لتغذِ السير صوب بلورة مشروعها الحضاري، تلك المرحلة المضنية التي تستغرق وقتاً طويلاً وتستلزم جهداً مخلصاً متواصلاً وإبداعاً خلاقاً. هذه خلاصة تأملاتي البحثية المتواضعة إزاء قضية شائكة في المسألة الحضارية، راجياً أن تسهم في تفكيك وقراءة شيء من طلاسمها ومعضلاتها، مع إيماني بأنها تحتاج إلى وقفة أوسع وأعمق، ولذا فإنني أرجو أن نتوقّر أنا و غيري على دراسة مفرداتها. وأجدني أخيراً أتساءل متفائلاً: ألم يؤن لأبحاثنا أن تتخلّق في رحم مركبنا الحضاري. أتحرك خلاصتي هذه ماءً راكداً في محيطنا الحضاري. هذا ما أرجوه وأتمناه. "قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" الأعراف: 128. * كاتب سعودي.