تفجيرا الإرهاب الآثمان حول مبنى وزارة الداخلية وقوات الطوارئ مساء يوم الأربعاء 17 من ذي القعدة لعام 1425ه أثارا حفيظتنا وأصابانا بالغيظ الشديد للعمل الإجرامي الذي أقدم عليه فئة ضالة من شباب الوطن ليس لهم أي هدف سوى ترويع الآمنين وإشاعة الفوضى في البلاد ومحاولة إزهاق أرواح بريئة، ولكن مما يخفف الألم ويخفف من وطأته العقاب السريع والموفق لهم من رجال الأمن الذين بادروا مشكورين إلى محاصرة القائمين على التفجيرين والقضاء عليهم، وتبين أنهم ممن لهم سوابق وبعضهم من ضمن القائمة المشهورة التي قضي على أكثرها ولله الحمد. أشعر بالحزن العميق والأسى على كل من تأذى من عمليتي التفجير، حتى المفجرين أنفسهم فهم أبناء أسر كريمة ابتلاها الله بمن غسل أدمغة أبنائهم وجعلهم يقدمون على ما أقدموا عليه غير مكترثين بما يصيب عوائلهم من الآباء والأمهات والأبناء وحتى الأقارب من حزن عليهم، حزن ممزوج بغضب شديد على من أغواهم وزين لهم أعمالهم الشريرة {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، نعم من أغواهم ممن هم داخل البلاد وخارجها لم يذرفوا دمعة حزن واحدة عليهم، فهم يعرفون سلفاً بأن هذا مصيرهم ولكن لا بأس من إحراق بعض أبناء البلاد ما دام ذلك يحقق لهم أغراضهم الخبيثة ويشفي القلوب الحاقدة. أنا واثق أن أسر المفجرين ممن قضوا في هاتين العمليتين كانوا يتمنون لو أن أبناءهم كانوا مثل غيرهم منشغلين في دراستهم أو وظائفهم يبنون الوطن ويكونون جزءًا من منظومة التطوير، ولكن امتدت إليهم أيدي السوء فحصل ما حصل ولا حول ولا قوة إلا بالله. عتبي الشديد هو على بعض أئمة المساجد وخطباء الجمعة الذين لم يتطرقوا لموضوع التفجير البتة سوى الدعاء العام المعتاد. كنت أتمنى لو أن هؤلاء الأئمة جعلوا موضوع الخطبة عن حادثتي التفجير وتأثيره على الوطن، والجرم الخطير الذي ارتكب بحقه من فئة ضلت طريق الصواب، وتحذير الناس من أن يؤثر على أبنائهم ويستغل صغر سنهم وعدم معرفتهم بأصول الدين الحنيف وما ورد من آيات في القرآن الكريم التي تحذر من قتل النفس البريئة وخاصةً المسلمة في الأشهر الحرم. وعتبي قد يمتد إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد التي كان يجب أن تعمم على خطباء الجمعة بجعل موضوع الخطبة عن التفجيرين وضررهما على الجميع. وقد تكون قد قامت بهذا العمل ولكن بعض الأئمة هداهم الله لم يستجيبوا للتوجيه. إن عدم التطرق في خطبة الجمعة لحادثي التفجير من بعض الأئمة، وبالمناسبة هي ليست المرة الأولى، بل في كثير من التفجيرات التي حصلت في بعض مدن المملكة خلت خطب الجمعة من الإشارة إليها، أقول إن عدم جعل خطبة الجمعة أو بعضها عن موضوع التفجير يثير الاستغراب والحيرة. ترى هل التفجير حادث عرضي لا أهمية كبيرة له مثل حوادث الطرق التي تقع- للأسف - كل يوم، أم أن الأحداث العالمية أهم منه ولذلك أرجأه وأعطاه أهمية ثانوية، ألا يخشى بعض الأئمة من اعتقاد المغرضين بأن هناك شيئاً من التعاطف- لا سمح الله- مع الفئة الضالة أو خوفاً منها؟ كثير من هذه التساؤلات يجب ألا تغيب عن الإمام والخطيب الحصيف، مع يقيني بأن لا أحد منهم - إن شاء الله - قد خطر بباله أن يتهم بهذه التهم، ولكن بعيداً عن التساؤلات وعن الظنون السيئة بالأئمة الذين أحسب أن جلهم فضلاء يرفضون العنف ويعرفون تعاليم الدين الحنيف، وأن الإسلام لا يقر أي شيء من أعمال التفجير مهما كان محدوداً وبغض النظر عن أي مبرر، يتطرق بعضهم صراحة ومباشرة إلى مواضيع غير ذات أهمية، ويترك المهم الذي ينتظر منه أن يعطيه حقه من الأهمية، أحدهم مثلاً أضاع خطبة الجمعة في موضوع يرد فيه على أحد الكتاب في الصحف كتب مقالاً لم يعجبه، وكأن مصلحة الأمة تتوقف على ما كتبه صاحب المقال الذي هو تعبير عن وجهة نظره لا غير. إن حبي لأئمة المساجد وخاصة ممن تعودت أن أحضر خطبهم، هو ما أثار الموضوع في نفسي، وكان يمكن أن أتحدث مع من لي علاقة معرفة به، ولكني أردت بكتابتي هذا المقال أن أؤكد على أهمية خطبة الجمعة وأنها من أهم وسائل التوجيه للناس، وأن لا حدثاً في البلاد يستحوذ على الاهتمام أكثر من حوادث التفجير، ومع ذلك كثير من أئمة المساجد هداهم الله لم يتطرقوا إليه البتة بشكل مباشر، بل إن بعضهم أشار إلى أحداث عالمية ونسي ما نحن فيه. كنت أتمنى لو أن بعض هؤلاء الأئمة الذين لا يتطرقون للمواضيع التي تهم الوطن بصراحة ووضوح، لو أنهم اتخذوا خطيبي الحرمين الشريفين الفاضلين قدوة حسنة لهم في ذلك، وأتمنى أيضاً لو أن فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس إمام وخطيب الحرم المكي الشريف قدم دورة تدريبية لهؤلاء الأئمة حول خطبة الجمعة وأهميتها ومواضيعها. في نظري أن موضوع خطبة الجمعة يجب أن يعطى أهمية أكبر وخاصةً من مسؤولي وزارة الشؤون الإسلامية ولا يترك لأئمة المساجد الذين لبعضهم ربما وجهة نظر مختلفة، ما يهم الناس ويشغل بالهم يجب أن يكون له مكان في خطبة الجمعة، مواضيع مهمة مثل أمور الشباب، وعدم انحرافهم إلى أعمال إرهابية أو انزلاقهم إلى أمور لا أخلاقية كالمخدرات وغيرها، وحثهم على التمسك بدين الله وحب العمل والطموح والتميز، والتعايش مع الآخرين حتى مع وجود الاختلاف في وجهات النظر، وحث الناس على المشاركة فيما ينفعهم مثل الحوارات الوطنية والانتخابات البلدية واعتماد الصدق والأمانة في البيع والشراء.. كلها أمور يجب ألا تخلو منها خطب الجمعة. حفظ الله بلادنا من كل سوء ورد الله كيد الكائدين وحقد الحاقدين في ظل قيادتنا الرشيدة.. والله الموفق.