«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د, محمد بن صالح الربدي

تناول الدكتور عبدالله الصالح العثيمين في حلقات مراجعة ونقد وتحليل لبعض الكتب التي تناولت تاريخ المملكة العربية السعودية، خاصة ما صدر منها خلال أو قبل مناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة, والدكتور العثيمين يعد من أكثر المؤرخين السعوديين المعاصرين في تقديم دراسات عن تاريخ المملكة العربية السعودية وله في ذلك عدد من الكتب والأبحاث القيمة, وبقدر ما يعتمد الدكتور العثيمين على المصادر العلمية والمخطوطات فانه يخدم أبحاثه ودراساته بالرواية الشفهية والشعر الشعبي لما يملكه من رصيد جيد في هذا الموضوع.
وفي الحلقة الأخيرة من قراءته لكتاب لسراة الليل هتف الصباح: الملك عبدالعزيز دراسة وثائقية للشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري والتي نشرت في عدد الجزيرة رقم 10042 وتاريخ 21/12/1420ه، أورد الدكتور العثيمين في تلك القراءة معلومات عن الحالة الاقتصادية في بعض مناطق نجد في نهاية القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر، وبالتحديد في الفترة التي سبقت تأسيس المملكة، ومنها ذكره وجود نماذج تدل على أيام يسر، كما تدل على وجود شخصيات نجدية غنية,, ومن النماذج التي قدمها قوله: أعود بالذاكرة التاريخية مثلا الى ما فرضه الأمير عبدالعزيز بن رشيد على أفراد من اهل القصيم، وفي طليعتهم الربدي من بريدة، ومحمد السليمان الشبيلي من عنيزة وذلك بعد معركة الصريف فأجده مبالغ ضخمة نسبيا, فما فرض على الربدي كان حوالي أربعين ألف ريال، وما فرض على الشبيلي كان خمسة عشر ألف ريال خفضت بناء على وساطة خير الى عشرة آلاف ريال, ولو لم تكن لدى المفروض عليهما قدرة لتوفير تلك المبالغ لكان شأن آخر .
وبينما كنت أعد هذه المقالة أضاف الدكتور العثيمين في عدد الجزيرة رقم 10052 الخميس 1/1/1421ه, موضحا انه رجع الى النسخة التي اعتمد عليها من تاريخ مقبل الذكير رحمه الله واتضح له ان اسم الربدي دحيم أي عبدالرحمن وان اسم الشبيلي سليمان ثم اورد بعض المعلومات عن أسرتي الربدي والشبيلي.
وانني اذ أشكر الدكتور عبدالله على حرصه على تقديم المعلومة التاريخية ومحاولة تدقيقها وتوضيح ما يحتاج الى ذلك, أود التعليق على بعض ما ورد في الفقرات السابقة:
أ تحديد المبالغ التي صادرها ابن رشيد من أسرة الربدي بعد معركة الصريف بأربعين ألف ريال.
يبدو ان الدكتور عبدالله قد اعتمد فيما حدده من مبالغ وقبل رجوعه لتاريخ الذكير على ذاكرته.
وقد بحثت في المراجع المتوفرة لدي عن ذلك ولم أجد بينها من حدد المبلغ بأربعين ألف ريال، لكن المصادر المحلية ذكرت مبالغ تراوحت ما بين 50 80 ألف ريال فرانسي، بينما بعض المصادر الأخرى حددت مبالغ أقل كما سيأتي فيما بعد.
وبعد الرجوع الى النسخة الموجودة عندي من تاريخ الذكير صورة مخطوطة وجدت انه حدد المبلغ الذي صودر من الربدي بخمسين ألف ريال، ولم يذكر الاسم الاول للربدي كما سيأتي، وقد يكون مرد ذلك وجود نسخة اخرى لدى الدكتور عبدالله من تاريخ الذكير تختلف في بعض تفصيلاتها عن النسخة التي لدي.
ب قد يفهم من كلام الدكتور عبدالله ان الأموال صودرت من دحيم الربدي نفسه، والواقع ان دحيم وابنه الأكبر سليمان قتلهما ابن رشيد صبرا بعد نهاية المعركة مباشرة وفي المنطقة التي جرت فيها المعركة، ودفنا في المكان نفسه، وقبر دحيم معروف عند سكان بلدة الطرفية في الطرف الشرقي منها, أما الأموال التي صادرها ابن رشيد من أسرة الربدي وسلمها له ابراهيم الربدي (2) الشقيق الأكبر لدحيم فكانت في اليوم أو الأيام التالية للمعركة وبعد ان دخل ابن رشيد بريدة, وهناك قصص وروايات كثيرة عن محاولات الأمير عبدالعزيز ابن رشيد الانتقام من أسرة الربدي على وجه الخصوص، وعاشت الأسرة أياما عصيبة، فبينما هرب كبار السن من أبناء دحيم الربدي (3) خارج بريدة، اختفى الصغار منهم، ولم يعودوا الا بعد ان نجحت وساطات علماء وأعيان ووجهاء المنطقة في تهدئة الأمور.
وابراهيم ودحيم وشقيقهم الأصغر عبدالله أبناء محمد العبدالرحمن الربدي حققوا تجارة ناجحة وهي امتداد لتجارة والدهم، ووصفت أسرة الربدي بأنها أغنى أسرة في القصيم في نهاية القرن 12 وأوائل القرن 13 (4) , وأي كانت المبالغ التي صودرت فهي تدل على وجود سيولة نقدية كبيرة، يصعب تقدير قوتها الشرائية في هذا الوقت, علما ان الروايات تقول ان أسرة الربدي تمكنت من نقل جزء من أموالها خارج بريدة، وقبل ان يتمكن ابن رشيد منها، وانه تم اخفاء او دفن تلك الاموال في الكثبان الرميلة بعيدا عن بريدة، والله أعلم.
ج ان دور عبدالرحمن الربدي في معركة الصريف وقتله على يد ابن رشيد ومصادرة الأموال، ليست خافية على من لهم اهتمام بتاريخ المملكة، ولا اعتقد أنها تخفى على باحث متخصص في تاريخ المملكة ولديه اهتمام بالشعر الشعبي كمصدر لتاريخ بلادنا مثل الدكتور عبدالله، فقد توارد ذكرها في كتب التاريخ التي تناولت معركة الصريف، مع اختلاف في بعض تفصيلاتها، كما قيل فيه وحولها الكثير من الشعر الشعبي.
وفيما يلي بعض النصوص التاريخية التي تحدثت عن المعركة والمبالغ التي فرضها الأمير عبدالعزيز بن رشيد على المنطقة.
1 يذكر الشيخ عبدالرحمن الناصر عن أحداث سنة 1318ه فيما يتصل بما فعله ابن ريشد بأهل القصيم بعد معركة الصريف ما يلي: أما ابن رشيد فانه جعل يبعث البعوث في اثر المنهزمين ومواضع المياه ومن وجدوه قتلوه حتى قتل من الرجال ما لا يعد ولا يحصى، ثم انه رحل من موضع المعركة ونزل بلد بريدة وأوقع بأهل القصيم النكال الشديد خصوصا عبدالرحمن دحيم الربدي فانه قتله وقتل ولده وأخذ ماله، وطلب من ابراهيم الربدي صبيحة يومه قريبا من ثمانين ألف ريال قبل العصر والا قتله فسلمت له (5) .
2 أما مقبل الذكير فقال في حديثة عن معركة الصريف ما يلي: وبعد هذه الوقعة تجلت نفسية ابن رشيد فبدلا من ان يستميل رعيته,, اخذهم بالشدة العنيفة, رحل من موضعه ونزل بريدة وفعل بأهلها تنكيلا شديدا قاسيا فقد اخذ من الربدي أحد تجار بريدة خمسين ألف ريال وقتله وأخذ من سليمان الشبيلي أحد تجار عنيزة عشرة آلاف فرانسي (6) .
3 ومما ذكر الشيخ عبدالله بن محمد البسام في تاريخه تحفة المشتاق عن الصريف قوله وقتل في هذه الواقعة من مشاهير أتابع مبارك آل صباح اخوة حمود بن صباح وابنه صباح وخليفة بن عبدالله بن صباح وعبدالله بن منصور آل سعدون وابنه ومن أهل بريدة صالح آل علي أبا الخيل ودحيم الربدي، وقتل من اتباع بن رشيد فيها من مشاهيرهم سالم بن حمود آل عبيد بن رشيد وأخوه مهنا (7) .
4 ويقول الشيخ ابراهيم بن عبيد وممن قتل فيها من أعيان أهالي بريدة دحيم بن محمد الربدي وقتل ابنه سليمان ومما ذكره ابن عبيد تعليقا على مقتل الربدي ومحاولة سبهان الشفاعة له ورفض ابن رشيد لها ما نصه: كان قد قام سبهان وذهب بعبدالرحمن الربدي الى عبدالعزيز بن متعب بن رشيد يريد ان يأخذ له وجاهة ليسلم من القتل ولما قدم به على عبدالعزيز بن متعب بن رشيد كان قد قتل من بيت آل رشيد مهنا وسالم أبناء حمود العبيد بن رشيد، فلما خاطب سبهان الحاكم ابن متعب بشأن الربدي تقدم أبناء حمود العبيد وعمهما عبدالله العبيد آل رشيد وأناس من آل رشيد عددهم اثنا عشر وقالوا لسبهان: والله لأن لم تحضر دحيم الربدي لنقتلنك به فاحضر الربدي وقتله بن متعب بالذين قتلوا من آل رشيد (8) .
أما الداعي للشفاعة فيبدو ان له علاقة بمكانة عبدالرحمن الربدي وأسرته ولصلة النسب مع السبهان، ذلك ان احدى بنات دحيم كانت متزوجة من حمود السبهان, أما رفض ابن رشيد لشفاعة سبهان فهي بالتأكيد ترجع لرغبة ابن رشيد الانتقام من الربدي حيث كان الممول الرئيسي للمعركة، كما انه ساهم في قتل عدد من أقارب ابن رشيد على أرض المعركة، ومنهم مهنا وسالم أبناء حمود العبيد الرشيد وهما المعنيان بالقصيدة التي منها (9) .
يا ونتي ونه الوجعان
اللي صوابه جرح كبدي
أخو الطريحين بالميدان
واللي تعشاهم الربدي
ذبحه ألفين من القصمان
كلهم ما يبر دون كبدي
هامت الناس بالحيطان
كله سبايبك يالربدي
وقد ذكر الشيخ ابن عقيل في دراسته عن الصريف مجموعة من الأشعار التي تعكس مدى الحزن الذي حصل في معسكر ابن رشيد وفي حائل على مقتل مهنا وسالم أبناء حمود العبيد الرشيد.
5 كما ذكر الشيخ ناصر السليمان العمري في حديثه عن معركة الصريف ان ابن رشد قتل عبدالرحمن الربدي صبرا، وقتل معه ولده سليمان، وصادر اموال بيت الربدي، الذي كان أغنى بيت تجاري في القصيم، وقد أخذ منهم عبدالعزيز بن رشيد سبعين ألف ريال فرانسي (10) .
6 يذكر فلبي في كتابه Arabia of the Wahhabis الذي نشرت طبعته الاولى عام 1928م 1345ه ، معلومات عن هذا الحدث، يصف فيها ان القتال كان عنيفا خلال الصدام نفسه واختلط السيل بالدماء كما قالوا وحمل معه جثث القتلى التي تجمعت في صفوف على حافة منخفض السبخة قاع الطرفية , وفي الوقت نفسه كان الشاب عبدالعزيز بن سعود يفرض حصارا قويا على الرياض ولكنه رفعه بمجرد تلقيه اخبار الهزيمة وانسحب الى الكويت, أما ابن رشيد فقد سار رأسا الى بريدة,, وحكم بالاعدام على 180 من مواطنيها وفرض غرامات على باقي العائلات مثل الربدي والشريدة، فرض عليهم غرامات 10000 ريال على كل فرد (11) .
7 هناك نص تقرير هام وجدير بالمناقشة والتحليل نشر في كتاب التاريخ السياسي للكويت في عهد مبارك: دراسة وثائقية مقارنة بالمؤرخين المحليين تأليف ج,ج, سلدانها، ترجمته الدكتورة فتوح الخترش اعني بذلك التقرير الذي بعثه الكولونيل كمبول مبعوث الحكومة البريطانية الى الكويت في تلك الفترة عن نتائج معركة الصريف، وذلك في أواخر شهر مارس من سنة 1901م، وبعد نحو اسبوعين فقط من انتهاء المعركة، وفيه يخاطب حكومته بما يلي: (12) .
واليكم هذا التقرير الذي حصلت عليه أثناء وجودي في الكويت عن طريق مصدر أثق تماما في صدقه وأمانته.
بعد ان توغل مبارك حتى بلغ الرياض والعارض يبدو انه حصل على وعود بالمساعدة من بعض القبائل البدوية التابعة لأمير نجد، وانه تفاهم مع ربيعة رئيس عنيزة الذي وعده هو وأهالي بريدة بمساندته في حالة الضرورة, وهكذا تشجع واتجه نحو حائل ومعه 5000 رجل ليس من بينهم البدو التابعين لابن رشيد الذين انضموا اليه.
وعندما وصل الى موقع غير بعيد من حائل، هاجمه أمير نجد في 25 من ذي القعدة الموافق 17 مارس, ويقال ان القتال استمر لمدة ساعة ونصف فقط، وحاقت الهزيمة بالشيخ، وهنا سارع بدو نجد، الذين مع الشيخ مبارك، الى الانقضاض على معسكراته ونهبها, وتبعه الأمير ليواصل مطاردته ولكنه كف عن ذلك أي ابن رشيد عندما راى ربيعة على رأس 400 فارس قادمين لمساندة الشيخ مبارك, ثم توجه ابن الرشيد الى بريدة، حيث يقال انه ألقى القبض على ربيعة وقتله هو وابنه وفرض على المنطقة غرامة مقدارها 000,30 دولار (13) .
ويقال ان عدد القتلى من جانب مبارك كان مرتفعا للغاية حيث قتل حوالي 000,2 أثناء القتال وهلك الباقون في الصحراء, بينما يقال ان عدد القتلى في جانب الامير لم يزد عن 400 قتيل من بينهم شقيقه طلال، واثنان من أبناء عمومته وبعض رجاله البارزين (14) .
ومن وجهة نظري الشخصية فان تقرير كمبول وحده مادة جيدة للمزيد من الدراسة والتحليل عن معركة الصريف، وهو من أفضل المصادر عنها، على الرغم من وجود بعض الجوانب فيه تحتاج الى مراجعة وتدقيق, فقد تكون بعض الاخطاء الواردة فيه ناتجة عن الترجمة، ولعل الحصول على نسخة أصلية باللغة التي كتب بها التقرير توضح ذلك, ومما يقوي التقرير انه الوحيد المتوفر حاليا والذي كتب بعد المعركة مباشرة فهو الأقرب من حيث الزمن, كما انه يخلو من المبالغات والسرد التي نجدها في الرواية المحلية.
وقد قام الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل بتحليل موسع وشامل لبعض النصوص السابقة وغيرها، كعادته عندما يتصدى لمثل هذه الموضوعات، وذلك في دراسته عن معركة الصريف، والتي تعد أشمل دراسة منشورة عنها (15) , ومما قاله أبو عبدالرحمن في تعليقه الضافي على تقرير كمبول العبارة التالية ومما لا يفهم ولا يعلم كلامه عن ربيعة شيخ عنيزة؟! (16) .
وما اود التعليق عليه هنا يتمحور حول من هو ربيعة؟ ودوره في المعركة؟ خاصة ان اسمه تكرر في النص ثلاث مرات.
من المؤكد عندي ان ربيعة هنا هو الربدي عبدالرحمن المحمد العبدالرحمن الربدي ولكن الخطأ في كتابة الاسم اما ان يكون ناتجا عن عدم دقة في الترجمة او بسبب كتابة الاسم بطريقة خاطئة من قبل صاحب التقرير، ويحدث مثل ذلك في حالات كثيرة, ويؤيد ما ذهبت اليه ما يأتي:
النص نفسه يؤكد ذلك من خلال قوله: وانه تفاهم مع ربيعة رئيس عنيزة الذي وعده هو وأهالي بريدة بمساندته ,, وهنا نجد خلطا وتداخلا في الامر، مثلما يحدث عند كثير من المؤرخين والكتاب والرحالة الغربيين وبعض الكتاب العرب، بين بريدة وعنيزة وبين عنزة القبيلة وعنيزة المدينة، ونسبة أمراء هذه المدينة لتلك والعكس أو نسبة بعض أسر هذه المدينة للأخرى, فكمبول في تقريره سمى ربيعة رئيس عنيزة (17) ، ولكنه عاد ليقول انه وعده هو واهالي بريدة، وليس في القصيم أسرة يحتمل ان يشتبه اسمها مع ربيعة وتملك من النفوذ والقدرة المالية ما يؤهلها لتولي مثل هذا الأمر في ذلك الوقت غير أسرة الربدي.
وكذلك قوله ولكنه كف عن ذلك عندما رأى ربيعة على رأس 400 فارس قادمين لمساندة الشيخ مبارك والمشهور ان عبدالرحمن الربدي قد فعل ذلك حيث كان على راس جيش أهل بريدة، وكان يملك مجموعة من الخيول الحمدانية، وعدد من رعايا الابل.
وقوله: ثم توجه ابن الرشيد الى بريدة، حيث يقال انه ألقى القبض على ربيعة وقتله هو وابنه وفرض على المنطقة غرامة مقدارها 000,30 دولار , وهنا يتضح بجلاء ان ربيعة هو الربدي حيث ان ابن رشيد بعد تمكنه من عبدالرحمن الربدي قتله هو وابنه سليمان، وصادر أموالهم، كما مر في عدد من النصوص السابقة, ما سمعته من بعض كبار السن من أسرة الربدي عن حقيقة حصول مكاتبات او تفاهم بين عبدالرحمن الربدي والامام عبدالرحمن الفيصل آل سعود عندما كان مقيما في الكويت، وبابن صباح، وكذلك اتصال الربدي بآل مهنا أمراء بريدة المقيمين في الكويت، وزعماء بعض القبائل، وان الربدي تعهد بتمويل وتجهيز جيش بريدة وتوابعها والبادية التابعة لها والمتحالفة معها.
وأخيرا، مما يدعم الحقائق السابقة توارد اسم الربدي في عدد من الأشعار التي حكت عن المعركة, فهذا الشاعر حمد السبيعي أبو جراح ، وهو من الشعراء الموالين لابن رشيد، يفرد بيتا لهجاء الربدي في قصيدة له عن معركة الصريف يمدح فيها ابن رشيد ويهجو ابن صباح وحلفاؤه، وفي القصيدة تأكيد على ان الربدي وعد ابن صباح بالمساعدة والتأييد في غزوه للمنطقة بهدف اخراج ابن رشيد منها، كما تشير القصيدة الى ان الحازمي عامل بن رشيد على بريدة لم يكن له سلطة قوية على المدينة وان الأمور جرت دون علمه، وبتدبير من الربدي (18) .
وكذلك قول سليمان المنيع قصيدة طويلة في مدح الأمير عبدالعزيز بن متعب الرشيد بعد انتصاره في المعركة، وذم بعض حلفاء المعركة وبالذات اهل بريدة:
ما حسب ان أهل القصيم تبوقه
وأثاري بريدة بايقة خطيبة
سلطان والربدي وسعدون نجموا
ولاكل من صوت ايوافق مجيبة
وهو هنا ذكر الربدي وهو زعيم أسرة تعيش في بلدة حضرية مع زعماء ومشايخ قبائل كبيرة مثل مطير والمنتفق، ويؤكد ذلك أهمية الدور والمكانة التي كانت للربدي في المعركة وفي منطقته.
وكان لنتائج معركة الصريف السلبية على اهل نجد، وأفعال ابن رشيد القاسية ضد أهالي وأعيان بعض المناطق ومصادرته الأموال من حلفاء آل سعود وغيرهم، ردود فعل قوية كان لها نتائج ايجابية ساهمت وساعدت على سرعة تنفيذ ما كان يخطط له الملك عبدالعزيز رحمه الله من استعادة ملك الآباء والأجداد، وتوحيد البلاد, وذلك ما تحقق له بعد عشرة اشهر وعشرة أيام من نهاية الصريف، حيث تمكن من استرداد مدينة الرياض، ومن ثم استرداد بقية مناطق نجد في السنوات التالية:
ومع ان الحلفاء في معركة الصريف قد خسروا المعركة وتكبدوا خسائر بشرية ومالية كبيرة، الا ان ابن رشيد وعلى الرغم مما حققه من نصر ساحق على أرض المعركة مني بخسائر كبيرة وفقد الكثير من الرجال ومنهم بعض أفراد أسرته المقربين، كما تزعزعت الثقة فيه وفقد عددا من الحلفاء أو المحايدين, وقدرت المصادر عدد القتلى في صفوف ابن رشيد ب400 قتيل، وهو عدد ربما لم يخسر ابن رشيد مثله في معركة واحدة، خاصة ان من بين القتلى عدد من كبار أقاربه وأفراد أسرته (19) , وقد أورد الذكير الاختلاف حول عدد القتلى الى ان قال: لكن القول المتوسط الخالي من المبالغة ألف ومائتين من الطرفين منهم ثمانمائة من جند ابن صباح والباقي من قوم ابن رشيد (20) .
ويصف الذكير في تاريخه، التأثير السلبي لأفعال ابن رشيد عليه وتقلص نفوذه في نجد، تحت عنوان ثورة أهل شقراء واخراجهم منصوب ابن رشيد بما يلي: في شهر الحج من هذه السنة يعني سنة 1320ه كان في بلد شقراء كغيرها من البلدان حزبان مختصمان فحزب يميل الى آل السعود وحزب يميل الى آل الرشيد ولكن أعمال ابن رشيد بعد وقعة الصريف وجوره وعسفه وحدت الكلمة وجمعت القلوب فصارت الكلمة واحدة وقد صدق القائل بأن هذه الوقعة كان الظافر فيها مغلوبا,, في نتائجها وعواملها بل كانت هي السبب الأقوى لسقوط امارة ابن رشيد وتقلص نفوذه وقد رأينا مبادىء هذا الانقلاب حينما استولى ابن سعود على الرياض أطاعت له البلاد الجنوبية كلها دون ان يوجه لهم جندي واحد بل قدموا طاعتهم بطوعهم ورضاهم عن حب واخلاص, وكانت اعمال أمراء ابن رشيد في البلدان قد زاد الخرق اتساعا ومن هؤلاء الأمراء عبدالله الصويغ الأمير في شقراء من قبل ابن رشيد فقد اشتدت وطأته على أهل البلد وضيق عليهم الخناق وأخذ يحاسبهم عن أقوالهم الى آخر ما ذكره الذكير (21) .
وقصيدة الخلوج الشهيرة للشاعر الكبير محمد العربي، انما ولدت نتيجة رد فعل قوية ومباشرة لنتائج معركة الصريف، والقصيدة تصور ما حل في بريدة وأهلها وكبار رجالها, يقول مقبل الذكير:
وكان صالح الحسن آل مهنا قد سار الى الشام بعد حوادث الطرفية وكان فيها جماعة كبيرة من أهل القصيم فأخذ يستنجدهم لمساعدته وأرسل لهم محمد العبدالله العوني الشاعر المعروف قصيدة حماسية يستنهض بها جماعته أهل بريدة وأهل القصيم عموما فاخذتهم الحمية والشهامة فأقبل منهم نحو مائتين وخمسين من أهل بريدة مع صالح الحسن ونحو خمسين من أهل عنيزة كبيرهم علي الصقيري,, غاية فوصلوا الكويت في شعبان سنة 1319 والتحقوا بجيش ابن صباح الذين بالجهرا تبع امراءهم آل مهنا وصالح العلي آل سليم ثم ساق بعد ذلك مقاطع من قصيدة العوني (22) .
ويرى فلبي ان المعاملة الانتقامية القاسية التي تعرض لها المهزوم من المنتصر جعلت اسم عبدالعزيز ابن رشيد مكروها في كل أنحاء نجد، وان عبدالرحمن الفيصل الذي عاد آمنا الى الكويت متنبئا ان نجدا سوف تعود قريبا الى حكامها الحقيقيين نبوءة بدأ تحقيقها في السنة التالية على يد ابن كان القدر يخبىء له الكثير (23) .
والحقيقة ان الأمير محمد العبدالله الرشيد عقب انتصاره الساحق على اهل القصيم في معركة المليدا 1308ه لم يفعل في بريدة وبقية القصيم ما فعله خلفه الأمير عبدالعزيز المتعب بعد الصريف, وغالبية قتلى المليدا كانوا في أرض المعركة، بينما الغالبية العظمى من قتلى الصريف من اهل القصيم أو الكويت وبقية الحلفاء كانوا بعد الهزيمة والاستسلام، ولم يعمد ابن رشيد بعد المليدا الى التنكيل بالناس وسلب أموالهم، وحرق قراهم وقطع نخيلهم.
وفي كل الأحوال فالصريف تعتبر فاصلة بين مرحلتين حاسمتين في تاريخ بلادنا، وأجدني هنا أكرر ما قاله الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل في نهاية دراسته عن المعركة من ان تضارب الأخبار حول جزئيات معركة الصريف يستدعي مزيدا من البحث، والاستكثار من الرواية الشفهية والتحليل, ولعلي فيما سبق قد أوضحت قليلا من الجوانب في هذا الشأن، وقد اعتمدت على سرد بعض النصوص دون تحقيق أو تعليق لأنها لم تكن تحتاج ذلك، فالقارىء يمكن ان يربط ويقارن بينها، الا ان النص الأخير تقرير كمبول كان يحتاج الى بعض التوضيح وهو ما اجتهدت بعلمه.
وأخيرا أجد لزاما علي تقديم شكري وتقديري للشيخ أبو عبدالرحمن ابن عقيل الذي استفدت كثيرا من دراسته القيمة، وشكري موصول للدكتور عبدالله العثيمين الذي أتاح لي بطرقه مثل هذه الجزئيات الحديث حولها.
1 اشتهرت بمعركة الصريف، نسبة الى روضة الصريف قرب بلدة الطرفية حيث وقعت المعركة، لذا تسمى أحيانا بمعركة الطرفية.
2 ولد ابراهيم الربدي في اواخر العقد الخامس من القرن الثاني عشر وتوفي في شهر صفر 1348ه، وله من العمر حوالي مائة سنة، كان الملك عبدالعزيز يزوره كلما قدم الى بريدة، له اتصالات ومكاتبات معه، وله عدد من المواقف التي ليس هنا مجال ذكرها.
3 له خمسة أبناء ذكور، سليمان وعبدالعزيز وصالح وفهد ومحمد ولا يزال بعض احفاده المباشرين على قيد الحياة، ومن اشهر احفاده محمد العبدالعزيز المتوفى عام 1391ه.
4 محمد بن ناصر العبودي، بلاد القصيم، وناصر السليمان العمري، كتابة التاريخ، مجلة العرب ج1 و2 .
5 نقلا عن الشيخ ابو عبدالرحمن بن عقيل بين معركة الصريف وحصار الملك عبدالعزيز للرياض سنة 1318ه في كتابه مسائل من تاريخ الجزيرة العربية ص 172 173.
7 عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز آل بسام، تحفة المشتاق في اخبار نجد والحجاز والعراق، ص 167، صورة من مخطوطة تاريخ ابن بسام .
8 ابن عبيد، تذكرة اولى النهى والعرفان، ج1 ص 320.
9 ومما يظهر لي ان القصيدة اطول من ذلك ولكنها لم تحفظ مثل غيرها، وقد رويت بعض ابياتها بطريقة مختلفة، وبعيدا عن وجود خلل فيها يحسن ايرادها في هذا المقام.
10 العمري، سبق ذكره، ص 130.
11 Philby, Arabia of the Wahhabis, p. 321-322..
12 يحدد يوم المعركة ايضا بالسادس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1318ه وبالتاريخ الميلادي يوافق يوم المعركة 16 او 17 مارس شباط 1901م.
13 دولار مارياتريزا النمساوي، وهو العملة الرئيسية المستخدمة في ذلك الوقت، وعرف بالريال الفرنسي,.
14 ج,ج سلدانها، التاريخ السياسي للكويت في عهد مبارك: دراسة وثائقية مقارنة بالمؤرخين المحليين .
15 ابو عبدالرحمن بن عقيل، مرجع سابق، صفحات، 140 143.
16 المرجع السابق, ص، 142.
17 المعلوم ان رؤساء امراء مدينة عنيزة هم آل سليم السليم .
18 القصيدة، منشورة في تاريخ اليمامة للشيخ عبدالله خميس، ج5، ص 370 371.
19 يتفق عدد القتلى في جانب ابن رشيد كما في تقرير كمبول مع التاريخ المحلي فقد حدد الذكير العدد ب400 قتيل.
20 تاريخ الذكير، مرجع سابق، ص 149.
21 المرجع السابق، صفحات، 163164.
22 السابق، صفحات 153 و 155157.
23 فلبى، مرجع سابق، ص 322.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.