عندما رحل الإمام عبدالرحمن بن فيصل - رحمه الله - وأسرته إلى الكويت كان معه كذلك خاصته ورجاله من أهالي الرياض وذلك في العام 1309ه، كان من ضمن هؤلاء الخاصة والحاشية البطل سعد بن نجيفان الذي ترك الأهل والوطن ومسقط الرأس، حيث رافق الإمام عبدالرحمن في جميع تنقلاته كلها، ولم يكن ابن نجيفان - رحمه الله - قد وصل 20 عاماً بل كان عمره حينما اختار الرحيل مع الإمام عبدالرحمن في حدود السادسة عشرة تقريباً أو تزيد قليلاً. كان قرار الرحيل مع الإمام عبدالرحمن بن فيصل مصيرياً، ليستقر في الكويت قرابة العشر سنوات، كان فتى ذكياً، ومن المؤكد أنن يحضر جلسات الإمام عبدالرحمن ومعه أبناؤه: الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والأمير محمد والأمير سعد، يسمع أحاديثهم، بل إن الملك عبدالعزيز اختاره ليكون معه من ضمن المحاربين لاستعادة الرياض، وما ذلك إلاّ لمعرفة عميقة وراسخة في شخصية البطل سعد بن نجيفان، لهذا كانت شخصية سعد معروفة بالشجاعة، وهذه أجلَّ وأعظم صفة في المقاتل والمحارب، وقد توفرت فيه ورغم شح المعلومات عن حياة هذا البطل إلاّ أن حفيد شخصيتنا الباحث محمد بن فهد بن عبدالله بن نجيفان استطاع أن يلمّ شتات ما تنافر في المصادر وهي نادرة ومن معلومات خاصة استقاها من كبار أسرته، ومنه أخذت هذه المعلومات. هو سعد بن عبدالرحمن بن محمد بن نجيفان، ولد في منفوحة أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وعاش صباه وطفولته في هذه البلدة التي كانت مستقلة بسور لها خاص عن الرياض، ولا نعرف أي شيء عن هذه المرحلة من حياته، لكن ذهابه إلى الرياض واستقراره بها قبل رحيله مع الإمام عبدالرحمن لعله في حدود 1308ه، ولا نعلم كيف اتصل بالإمام عبدالرحمن، لكنه كان من جنود الإمام ومن المحاربين معه، بل من خاصته لأنه رحل معه إلى الكويت، إذاً مرحلة الميلاد حتى انضمامه مع الإمام عبدالرحمن لا نعرف عنها شيئاً كما هو الظاهر من سيرته التي كتبها حفيده الأستاذ محمد. مشاركة وبطولة سعد بن نجيفان - رحمه الله - من أسرة آل نجيفان، وهي من الأسر القديمة في منفوحة، وجد الأسرة - كما هو معروف عندهم ومتواتر - جاء من حائل، ومن الممكن أن يكون استقراره في منفوحة قبل منتصف القرن الثالث عشر هجري، وتزوج في منفوحة وأنجب ذريته، ومما يدل على قدم سكن أسرة آل نجيفان أن لهم نخيلًا، وتملك في موضع جنوب منفوحة يطلق عليه النميلات، واستقر بعض النجيفان في الرياض بعد عام 1319ه. والبطل سعد بن نجيفان شارك مع الإمام عبدالرحمن في بعض المغازي ومنها موقعة حريملاء عام 1309ه، وبعدها كان من ضمن المحاربين مع الإمام عبدالرحمن بعد الاستقرار في الكويت، وفي معركة الصريف كان مع الجيش الذي فيه الإمام عبدالرحمن وابنه الملك عبدالعزيز وسمو الأمير محمد الذي خرج من الكويت. وفي عام الصريف 1318ه توجه الملك عبدالعزيز إلى الرياض وحاصرها (قلعة المصمك)، وكان معه في هذه المرة الأولى البطل سعد بن نجيفان، فلم يستولِ الملك عبدالعزيز على الرياض وعاد إلى الكويت. 60 رجلًا بعد هذا التاريخ عام 1318ه وهو عام 1319ه كان سعد بن نجيفان - رحمه الله - من الستين رجلًا الذين كانوا مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- للسيطرة على الرياض، وقد ذكر الباحث عبدالرحمن بن رويشد البطل سعد بن نجيفان في كتابه «الستون رجلًا خالدو الذكر»، وكتب عنه ترجمة لطيفة، وأنه مع الذين أبقاهم الملك عبدالعزيز قرب بوابة سور الظهيرة، ثم استدعاهم للهجوم على قلعة المصمك، وكذلك ذكر ابن رويشد تفاصيل كيفية الهجوم على قلعة المصمك في كتابه الذي ألفه عن هؤلاء الستين، وهو من أوائل الكتب المفردة في هؤلاء الستين، وكانت أسماؤهم موجودة في بعض الكتب والمصادر والمراجع الشفوية، ووضع لهم رسومات شخصية تقريبية، فكانت هذه الصورة للبطل سعد بن نجيفان التي رسمت في هذا الكتاب. صدق ووفاء وسعد بن نجيفان -رحمه الله- كان عمره قصيرًا في نضاله ومشاركته مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- فمن تلك السنة عام 1319ه وهو السيطرة على الرياض لم يتوقف البطل سعد ويخلد إلى الراحة والاستقرار، فالبطل كان قد غاب عن وطنه منفوحة سنوات، لكن إخلاصه وصدقه ووفاءه للملك عبدالعزيز ولوالد الملك عبدالعزيز الإمام عبدالرحمن من قبل فرضت عليه هذه الأمور أن يستمر مع الملك عبدالعزيز في توحيده للبلاد. وكان أول شيء أمر به الملك عبدالعزيز بعد السيطرة على الرياض هو بناء السور من جديد لتحصين البلدة، ولا يستبعد أن يكون البطل سعد بن نجيفان من المشاركين في بناء السور الذي شارك فيه معظم أهالي الرياض، فهذا عمل وطني لا يقل عن المشاركة في المعارك والمغازي، هذا السور الذي كان صامدًا حتى هدم بعد التوسعة الحديثة الأولى في عهد الملك سعود، ويذكر ابن رويشد في كتابه (الستون رجلًا خالدو الذكر)، أن البطل سعد بن نجيفان شارك مع الملك عبدالعزيز في جميع حروبه، التي تلت الرياض، وأول معركة بعد ذلك هي معركة السلمية سنة 1320ه وهي معركة شهيرة، وبعض المؤرخين يمر على هذه المعركة مرورًا قصيرًا ولا يذكر التفاصيل لهذه المعركة التي هي أولى المعارك التي خاضها الملك عبدالعزيز بعد الرياض، وكان جنوده من أهالي الرياض والعارض والحريق والحوطة والدلم ومناطق جنوب نجد، وبعد هذه المعركة كان السيطرة على عنيزة عام 1322ه في الخامس من محرم، وكما قال الباحث عبدالرحمن بن رويشد في كتابه (الستون رجلاً)، فإن سعد بن نجيفان شارك مع الملك عبدالعزيز في حروبه بعد الرياض، فهذه كذلك كانت بقيادة الملك عبدالعزيز، ومن المؤكد أن سعد بن نجيفان شارك مع الملك عبدالعزيز جنديًا ومحاربًا. الجود بالنفس ويأتي الموعد وتقترب النهاية الحتمية وذلك يوم في الواحد من شهر ربيع الأول لعام 1322ه وهي معركة البكيرية بين جيش الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وجيش الأمير عبدالعزيز بن رشيد، وكانت معركة كبيرة، وكان الجيش المقابل للملك عبدالعزيز ضخمًا، فاستدعى الملك عبدالعزيز مددًا من المناطق التي تحت سيادته، وحمي الوطيس وكانت الخسائر كبيرة من الجيشين، وقد صوّر هذه المعركة الشاعر الحماسي محمد العوني في أكثر من قصيدة، وكانت خسائر القتلى في أهالي الرياض خاصة كثيرة جدًا، ومنهم البطل سعد بن نجيفان -رحمه الله-، وقد روى الأديب والراوية والمؤرخ فهد المارك في كتابه (من شيم الملك عبدالعزيز)، أن القتلى من أهالي الرياض 800 شخص، ذكر هذا في الجزء الأول في صفحة 216 في الهامش، وعدّد المؤرخ الأمير سعود بن هذلول في كتابه (تاريخ ملوك آل سعود) بعض أسماء الذين قتلوا في معركة البكيرية، وهو أول مؤرخ عدّد أسماء القتلى في هذه المعركة، وهذا هو منهجه في تاريخه أن يذكر غالبًا أسماء القتلى رحمهم الله وعفى عنهم. لقد سقط قتيلًا البطل والشجاع سعد بن نجيفان في هذه المعركة كما سقط غيره من الشجعان البواسل الذين فدوا بأنفسهم، وهذا من أعظم الجود وهو الجود بالنفس والروح والجود بالنفس أقصى غاية الجود، فلقد جاد البطل سعد بنفسه وهو لا يزال شابًا لم يتجاوز عمره 30 عامًا تاركًا وراءه صيتًا وعبقًا طيبًا لأسرته آل نجيفان، ولو امتد به العمر لشارك في جميع الحروب واستبسل فيها، فالبطل سعد كان مقدامًا لا يخاف الموت، وهو دائمًا في الصفوف الأولى من المقاتلين الأشداء ذوي الحزم والتأهب لكل أمر جلل وكبير، ولئن مات البطل سعد فقد نقش اسمه في أسماء الرواد الذين كانوا مع الملك عبدالعزيز بدايات التأسيس والوحدة، ووضع اسمه بلوحة أمام المصمك، وفي غرفة الرواد داخل المصمك، وكذلك نقش اسمه في مدخل مدينة الرياض البوابة الغربية القديمة على لوحة، وقد أطلق اسمه على شارع بالطائف. على الخُطى وقال الأستاذ الباحث محمد بن نجيفان عن ذرية جده سعد، أنجب البطل ثلاثة أبناء وبنتًا؛ فالأول محمد مشى على خطى والده وصار جنديًا من المحاربين مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ومن أخويا الملك، وقد تقلّد إمارة عسير ثم إمارة الوجه والدوادمي وعسير أميرًا لبلاد بني شهر، ثم عُيِّن أميرًا لمحايل عسير، واستقر أخيرًا مع الملك عبدالعزيز أمير خبرة «فِرقة» بالرياض، وكان لا يقل عن والده سعد وفاءً وإخلاصًا وتفانيًا في العمل المنوط به، ثم توظّف في ديوان المظالم لما كان رئيسه سمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن وتوفي رحمه الله عام 1389ه. الابن الثاني للبطل سعد فهو عبدالله، شارك مع الملك عبدالعزيز في معارك التأسيس، وكان مثل أخيه محمد الأكبر، وقد أُصيب في إحدى المعارك في فخذه، وكان محبًا لأهل لخير وممن يشفعون بجاههم عند ولاة الأمور، وكان من ذوي الإصلاح بين أسرته وأقاربه، فهو كذلك وصولًا للرحم، يصلهم بكل معاني الصلة، توفي عام 1416ه عن عمر يناهز التسعين عامًا وبندقيته التي حارب بها موجودة لدى أحفاده. والابن الثالث هو عبدالعزيز، واصل مع الملك عبدالعزيز مسيرة التوحيد جنديًا مخلصًا وفيًا، وبندقيته كذلك موجودة لدى أحفاده، وكان كذلك من الواصلين الرحم، وتوفي عام 1375ه، وللبطل سعد أحفاد منهم اللواء عبدالعزيز بن محمد بن سعد بن نجيفان، تولى عدة مناصب وقيادات أمنية كان آخرها قيادة كلية قوى الأمن الداخلي - كلية الملك فهد الأمنية فيما بعد - وتوفي عام 1427ه. نقش اسمه مع ال60 رجلاً الذي دخلوا الرياض مع الملك عبدالعزيز.. وواصل بعد ذلك في المعارك حتى مات شهيدًا وسام الرواد ومن أحفاد سعد بن نجيفان إبراهيم بن محمد بن نجيفان، عمل في شركة أرامكو وأخيرًا عمل في وزارة الداخلية، وكان من الأخيار الواصلين للرحم، توفي عام 1423ه، ومن أحفاد البطل سعد من تسمى باسمه وهو حفيده سعد بن محمد لا يقل عن أبناء أعمامه مروءة وعطاءً وصلة رحم توفي عام 1395ه، ومن أحفاد البطل سعد كذلك فهد بن محمد بن سعد بن نجيفان، أوقف وقفًا لأجل اللقاء السنوي لأسرته وتوفي عام 1436ه، وهو آخر الأحفاد موتًا، ومن الأحفاد فهد بن عبدالله بن سعد كانت آخر وظيفة له في وزارة الزراعة، وكان من المتمسكين بدينه وأخلاقه، شافعًا في كل خير، متوسطًا في كل بر وإحسان عند المسؤولين توفي رحمه الله عام 1404ه، وقد تسلمت أسرة آل نجيفان وسام الرواد وشهادة الوسام من يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في الاحتفال بمرور مائة عام على فتح الرياض عام 1419ه تسلمه اللواء عبدالعزيز بن محمد بن سعد بن نجيفان -رحمه الله-. وفي الختام، أشكر الباحث محمد بن فهد بن عبدالله بن نجيفان، الذي منحني سيرة جده الثاني البطل سعد، فله مني كل الشكر والتقدير، وكتابته عن جده سعد عنوان لصلة الرحم ووفاء جميل لهذا الجد الذي مات قتيلًا في عز شبابه -رحمه الله-، وسبق أن أمدني بسيرة عن جده من قبل والدته القيادي عبدالرحمن بن سعيِّد - بتشديد الياء - الذي نشرت عنه قبل عدة أشهر وهو كذلك من الوفاء لجده وبر بوالدته. محمد بن سعد بن نجيفان عبدالله بن سعد بن نجيفان الباحث محمد بن فهد بن عبدالله بن نجيفان وسام الرواد من الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - باسم سعد بن نجيفان