يرى علماء الاجتماع ان الألفة من المكونات الأساسية للمجتمع السليم ومتى ما تلاشت او انعدمت يصبح المجتمع عبارة عن حشد من الافراد الذين تسيطر عليهم الأنانية ويغشاهم التفكك والشلل والاحباط. وتسعى الأمم التي تملك رؤية منهجية للبناء الاجتماعي والاقتصادي الى ترسيخ مفاهيم التكافل والوعي العام في مختلف شرائح المجتمع وصولا الى الارتقاء الى مستوى رفيع من حيث القدرة على التخطيط السليم وتنمية موارد الدولة بمشاركة قطاعاتها المختلفة وكذا الافراد والمؤسسات والشركات كلٌّ حسب إمكاناته المتوفرة وإيجاد بيئة صحية تساعد على بروز المهارات وتوفر الكفاءات الفنية والإدارية والاقتصادية, في كتاب (النموذج الياباني في الإدارة) تأليف وليم, ج, أوشي,, من إصدارات معهد الإدارة العامة,, ساق مثالا له دلالة وبعد استراتيجي يدلل على مستوى الإحساس بالانتماء الوطني,, يقول طرح طالبان امريكيان في المرحلة النهائية من تحضير رسالة الدكتوراه سؤالا على مدير احدى الشركات الأمريكية الكبرى وأكثرها دقة وتنظيما, السؤال يقول: (من وجهة نظرك ما هو الموضوع الرئيسي الذي يواجه مؤسسات الأعمال الأمريكية في العقد المقبل؟ فأجاب على الفور: ان المشكلة الرئيسية سوف لن تكون متعلقة بالتقنية او الاستثمار وليس بالانظمة والتنظيم وإنما المشكلة الرئيسية ستتمثل في الطريقة التي نستجيب فيها لحقيقة واحدة وهي ان اليابانيين اقدر منا على الإدارة). ولعل من الأسباب الموضوعية التي أسهمت في النهضة الصناعية في اوروبا والولايات المتحدة توفر مجموعة من العوامل التي شكلت ما نراه اليوم من تقنيات مذهلة وتقدم نوعي وإبداع في مجالات الحياة المختلفة وجوانبها المتعددة من خلال رؤية مدروسة: أولاً: التخطيط الذي يأخذ في الحسبان متطلبات الحاضر والمستقبل لعشرات السنين. ثانياً: الاستراتيجية الفاعلة التي تنصب على اهتمامات الفرد والمجتمع معاً وصياغة شخصية المواطن وفق وعي عام يركز على ان الإنسان لا بد ان يوائم بين متطلباته ومتطلبات الغير وان الوطن فوق الكل يعمل ابناؤه بروح جماعية لتنميته وتقدمه. ثالثاً: إعداد الكوادر العلمية والتقنية واستقطاب الكفاءات من دول العالم المختلفة للاستفادة منهم ووضع التسهيلات لهجرة العقول المبدعة من دول العالم الثالث الذين لم يجدوا الفرصة في بلادهم ممن اصطلح على تسميتهم (العقول المهاجرة). رابعاً: دور الشركات والمؤسسات والقطاع العام عموما في التنمية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية وان الوطن هو الأهم وليس المصلحة الذاتية. واستطرادا لعلاقة التلازم التكاملية بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص صدرت عدة قرارات من مقام مجلس الوزراء الموقر تركز على ضرورة مشاركة القطاع العام والشركات والمؤسسات الكبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية واتاحة الفرصة للشباب السعودي بالعمل فيها والاستغناء عن العناصر الأجنبية إلا في حدود ضيقة حسب مقتضيات المصلحة العامة، هذا من جانب ومن ناحية اخرى التركيز على تشجيع الشباب السعودي على الالتحاق بالكليات والمعاهد الفنية والتقنية,, لكي يسهموا في سد متطلبات التنمية في المملكة. وقد تفاعل القطاع العام وباشر في التعاون الجاد في البناء والاسهام في المجالات الحيوية التي تتطلها المرحلة ويحتاجها الوطن. ولعل تبني شركة المراعي أكبر شركة ألبان في المملكة تأسيس جائزة تحمل اسم (جائزة المراعي للإبداع العلمي) يتم تمويلها من قبلها، حالة نادرة تستحق الإعجاب والمباركة وتؤكد الانتماء الجاد للإنسان السعودي الذي يملك مقومات متفردة من الحب والتضحية وتحمل اعباء وهموم وطنه وتطلعات قيادته,, وهناك قناعة لا جدال فيها تؤكد على أن هذه السنة الحسنة التي انتهجتها شركة المراعي في تشجيع وتكريم المبدعين في المجال العلمي سابقة ايجابية لها وقعها ومردودها المؤثر الذي يدفع بأصحاب المواهب والقدرات الابداعية إلى البحث والدراسة وبالتالي إثراء البلاد بأفكارهم وعطائهم وتميزهم, واقتصار المشاركات في المسابقة (على داخل المملكة) من أهم ما أبرزته اللائحة التنفيذية حيث نصت المادة (2) على ما يلي: (تهدف الجائزة الى تشجيع وتكريم المبدعين في مجالات العلوم والتقنية والمساهمة في دفع التنمية والتقدم العلمي في المملكة العربية السعودية,, كما نصت المادة (3) على النص التالي: (تمنح الجائزة سنويا في مجالات الابتكار وبحوث العلوم الأساس والعلوم التطبيقية والتطويرية وذلك على النحو التالي: (أ) جائزة العالم المتميز. (ب) جائزة أفضل عمل إبداعي. ونصت المادة (5) على (ان تمول شركة المراعي الجائزة بالكامل بما في ذلك النفقات الإدارية المترتبة عليها وتقوم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (المدنية) بالإشراف الإداري والفني الكامل على الجائزة من خلال اتفاق يبرم بينها وشركة المراعي). وقد أحسن رئيس مجلس إدارة شركة المراعي صاحب السمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير صنعاً بإسناد عملية الإشراف ومتابعة كافة إجراءات الجائزة لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التي تملك مقومات بشرية وعلمية وتقنية على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة والمهارات لكي يصبح للجائزة حجمها الحقيقي وإطارها الموضوعي بمنأى عن أي مؤثرات شخصية او عاطفية,, كما ان لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير السباق لتحقيق هذا الانجاز العظيم باعٌ طويل في مجالات العمل الوطني والإنساني مما جعله جديرا بالاحترام من كل اولئك الذين يتتبعون مواقفه المشرفة ومبادراته التي لا تحتاج إلى دليل وتلك ملامح في شخصيته التي ستبقى سجلا خالدا وسيرة معطرة بالوفاء والنبل والتضحية بماله وجهده ووقته. وقد عبر سموه في كلمته عند إعلان الجائزة عن الأسباب والدوافع التي دعت لتبني المراعي هذا العمل الوطني المتميز بقوله: (إننا نجتمع اليوم وكلنا أمل أن تكون جائزة المراعي للإبداع العلمي مبادرة مشتركة تضيف حلما لأحلامنا العلمية والإبداعية التي تشكل الدافع الحقيقي لمسيرة التنمية التي انجزت فكفت وطمحت فحققت ولا تزال تنظر للبعيد المفيد يتكيف مع المتغيرات وتتواءم مع التحديات ونجتمع اليوم وقد حققنا في المراعي حلما ظل سنين طويلة يراودنا لكي نرد لهذا المجتمع الوفي جزءا من دين الوفاء). وفي هذا الطرح دلالة على الدافع والحافز لهذا الانجاز الرائع الذي حققته شركة المراعي على لسان سمو مديرها العام عسى ان تتأسى بها الشركات والمؤسسات الأهلية التي تلقى الدعم والمؤازرة من ولاة الأمر في مناخ مريح وسياسة اقتصادية متزنة وتشجيع للاستثمار بلا قيود تحد من انطلاقة رأس المال الوطني. إن الإسهام في البناء واجب يتقاسمه الفرد والمجتمع مع الدولة التي تعطي بلا حدود,, ويبقى ان يدرك القطاع العام رسالته ويؤدي دوره حتى تكتمل حلقات البناء, ونساير ركب من سبقونا في زمن لا مكان فيه لغير الابداع والعمل الجماعي والنظرة المبصرة الى المستقبل الذي لا يرحم الا المجدِّ والمثابر في سبيل رفعة وطنه وعلو منزلته.