يحتل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني وإمام الأنصار رقماً مهماً في المعادلة السياسية الداخلية بالسودان، وله أطروحات سياسية في مسألة الاستقرار السوداني عبر حل قومي، وإن كان ذلك لا ينفي عن المهدي أخطاءً سياسية تحسبها عليه أطراف فاعلة أخرى على الساحة السودانية يدافع الصادق عن أطروحاته وأيضاً عن تحركاته السياسية الأخيرة وينادي بقومية الحل السوداني، كما ينادي بعقد مؤتمر قومي في السودان على نمط مؤتمر الكونديسا في جنوب أفريقيا، وهو ما نجد له صدى لدى الإدارة الأمريكية التي دعت مؤخراً لمؤتمر قومي سوداني يعقد في واشنطن أو السويد. وفي حواره ل(الجزيرة) يدعو المهدي لنبذ العنف واعتماد الوسائل السلمية والحوار كآليات للحل الشامل لأزمة السودان، وأوضح أن طرح حزب الأمة القومي لحل المشكلة يقوم على التحول من الهوية القبلية إلى العمل السياسي المدني. * قمت بزيارة أمريكا مؤخراً وشاركت في مؤتمر للجمهوريين رغم موقفكم من التدخل الأمريكي في أزمة دارفور، فما سبب المشاركة وما نتائج هذه الزيارة؟ - أولاً أحب توضيح ما شاب هذه الزيارة من ملابسات فلم أشارك بمؤتمر الجمهوريين بناء على دعوة منهم والموضوع ببساطة أنني عضو في نادي مدريد الذي يضم في عضويته رؤساء حكومات ورؤساء دول سابقين شرط أن يكونوا قد انتخبوا انتخاباً حراً وأن يتمتعوا بسمعة طيبة ولديهم مصداقية ديمقراطية وبهذه الصفة حضرت مؤتمر الجمهوريين مع 42 عضواً آخرين، ومن مهام نادي مدريد تقييم التجارب الديمقراطية في العالم. ومن ضمن سياسات النادي حضور مؤتمرات الأحزاب السياسية الكبيرة في العالم، وقد وجهت لي دعوة ضمن وفد النادي لحضور المؤتمر الديمقراطي والمؤتمر الجمهوري لكن في وقت انعقاد المؤتمر الديمقراطي كانت لدينا ظروف تأخير استخراج الفيزا بأمريكا، ولذلك لم أتمكن من حضور المؤتمر الديمقراطي وأمكنني حضور المؤتمر اللاحق للجمهوريين، وقد أقام أعضاء نادي مدريد ندوة على هامش مؤتمر الجمهوريين تم فيها تقييم ما حدث وكان رأيي أن مؤتمر الحزب الجمهوري شابه خيبة الأمل والخطاب فيه لم يكن ديمقراطياً بمعنى أن الذين تحدثوا في المؤتمر انطلقوا من جانب أحادي ورأوا في أنفسهم الحق كل الحق وأن الآخرين ليس لديهم أي حق وهذه لغة لا تصلح لظروف الديمقراطية. * ألم تستثمر وجودك بأمريكا لبحث تطورات القضية السودانية؟ - بالطبع زيارتي لأمريكا صادفت ظروفاً مهمة في تطور القضية السودانية، وقد التقيت مسئولين في الأممالمتحدة ومسئولين في الإدارة الأمريكية للحديث عن أن مسألة دارفور أدت بلا شك إلى سحب الثقة من الحكومة السودانية داخلياً وخارجياً، ولكن التدويل ليس الحل.. فالتدويل يمكن أن يعالج بعض القضايا ولكن ليس كلها والحل برأيي يجب أن يكون عبر عقد ملتقى جامع بحضور دولي يحسم قضايا السودان، ونحن ندعو الآن إلى مؤتمر قومي دستوري لحل مشاكل السودان على نمط مؤتمر الكونديسا، وهو مؤتمر بناء الديمقراطية في جنوب أفريقيا الذي عقد في سنة 1993، ونعتقد أن هذا النمط هو الأفضل وحتى اتفاقيات السلام التي ننتقد بنودها يجب أن تمر عبر هذا المؤتمر، وقد أكدت أثناء لقائي مع مسئولي الأممالمتحدة والإدارة الأمريكية أن حل مشكلة السودان ممكنة في هذا الإطار الجامع وبالمساعدة وبالحضور الدولي. * يواجه حزب الأمة حالياً تهميشاً في المعادلة السياسية السودانية، كما يفتقد الظهير الأمريكي حالياً.. كيف ترى دور الحزب في هذه المرحلة؟ - الاتجاه الأمريكي الآن مسكون بمسألة دارفور وهم يسعون لحل مسألة دارفور على نمط مفاوضات نيفاشا، ونعتقد أنهم سوف يكتشفون أن هذا النمط غير صحيح لحل مشكلة دارفور في هذه المرحلة، وبالنسبة لمفاوضاتنا مع الحكومة فنحن الذين رفضنا هذا التفاوض رغم أن الحكومة حريصة على التفاوض معنا لأننا نعتقد أن هذه اللقاءات لا معنى لها ولو رغبنا لدخلنا مفاوضات القاهرة أو أي لقاءات أخرى. * لكن لم يتم دعوتكم كحزب أو حتى بصفة شخصية؟ - حدثت مداولات ومناقشات في هذا الشأن ولو كنا استجبنا لشاركنا وقد قلنا لهم بوضوح ليس لدينا استعداد للمشاركة في إعداد لقاءات غير مثمرة ونحن الآن نعبئ الرأي الداخلي والخارجي من أجل الحل الصحيح وننتظر حتى يكتشف الآخرون بطلان المجهودات الثنائية ذات الطبخات غير الناضجة. * ما هي أوراق الضغط التي تملكها حاليا للطبخة القومية؟ - الشعب السوداني... فنحن نعتقد ان هناك ما يدل على أن هذا الموقف يجد السند الشعبي العريض والدعوات السياسية في السودان تستقطب الشعب السوداني بصفة كبيرة ومنظمات المجتمع المدني السودانية في رأيي منحازة لهذا وأطراف كبيرة داخل النظام وداخل الحركة الشعبية. * ولكن يرى البعض أن أزمة دارفور مثلاً كشفت أنك خارج الحلبة وتعتمد على معطيات غير موجودة في الواقع فما ردك على ذلك؟ - ردي على ذلك أننا عقدنا مؤتمرنا العام لحزب الأمة وهو مؤتمر تم في أبريل 2003 وهذا المؤتمر تأسس على مؤتمرات قاعدية كبيرة جداً وكانت دارفور ممثلة فيها تمثيلاً كبيراً وحزب الأمة جدد أجهزته القيادية وشملت كوادر أساسية من دارفور ومن بقية أقاليم السودان والآن حزب الأمة الرقم الانتخابي الأول في جامعات السودان، ومعنى ذلك أن معنا الجيل الجديد ونخاطب هذه المرحلة بأفضل أطروحة موجودة، وفي السياسة أنت تكسب أو تخسر بصحة مواقفك وليس بعواطف الناس وأنا أعتقد أننا حول كل هذه القضايا أخذنا مواقف صحيحة وواجهنا نظام الإنقاذ وحطمنا أطروحاته ودعونا لتصحيحها إسلامياً، والكلام عن أن الأمور تجاوزتنا وارد لو أننا تخلينا عن هذه الأدوار، ولكن ما دمنا قمنا بهذه الأدوار نعتقد أن المستقبل سيؤكد هذا المعنى، خصوصاً وأن البدائل الأخرى بدائل مغيبة جداً مثل البديل الذي يطرحه النظام وهو الاستمرار في أجندته المكررة والمعادة، والتي لا يوجد بها جديد، وفي رأيي صارت واضحة العيوب والأطراف الأخرى كلها الآن متورطة إلى حد كبير في طرح ما نسميه السودان البديل، سودان معلمن وتغلب عليه الأفرقة وهذا النوع من السودان لا مستقبل له ومن الممكن أن يكون هناك احتجاج ضد الممارسات المركزية القديمة وضد الأطروحات الأحادية ونحن مع هذه الانتقادات ونعتقد أن البديل الذي نطرحه نحن سيكون هو محل إجماع أو ملتقى الأغلبية، ونقول إن ما يطرحه الإنقاذيون بصورة أحادية يمثل السودان البغيض وبعض الذين يعملون في النظام البديل يطرحون ما نسميه السودان النقيض، ونحن ندعو لما نسميه السودان العريض ونعتقد أن هذا السودان العريض بما يستوعب كل التعدديات الموجودة ويحقق اللا مركزية المطلوبة، وفي رأينا هذا سيكون محل ملتقى القوى السياسية وذلك يوضح أن دورنا تفرضه هذه الحقائق. * هذا يعني أنك تطرح نفسك زعيماً للمعارضة على الإجمال في هذه المرحلة؟ - نحن نطرح أفكار حزبنا ولا نطرح أشخاصاً على أساس أنها هى الطريق الثالث بين أيديولوجية النظام وبين أيديولوجية هي ردة فعل وليست فعلاً نقيضاً. * ما المقصود بالأيديولوجية التي هي ردة فعل؟ - هي التي تقوم على التطلع لسودان معلمن مؤفرق. * تعني جارانج والحركة الشعبية؟ - كثيرون هم من ينادون بذلك وأنا لا أحب أن أسمي أشخاصاً لأنه يمكن أن يكون هناك داخل الحركة الشعبية يوجد من يؤيد هذه الأطروحة الموسعة ونحن نعتقد أنه في داخل النظام وفي داخل الحركة الشعبية يوجد من يؤيدون أطروحتنا حول السودان العريض، لكن يوجد هناك من ينخرطون أيضاً في السودان البغيض والسودان النقيض.. على أية حال أنا لا أحب أن أشخص الموضوع وأتحدث عن تيارات وأعتقد أن التيار الثالث هو تيار المستقبل ونحن في هذه الفترة كلها أفكارنا هي القائدة فنحن كما قلت طرحنا هذه الأفكار وطرحنا ضرورة الاهتمام بالمتغيرات والعودة إلى السودان والحوار مع النظام، فصارت سنة للآخرين، والآن نحن نطرح تجاوز الثنائيات إلى المنبر العام. * ذكرت آنفاً أن هناك تياراً داخل الحركة الشعبية يناصر هذه الدعوة هل تستطيع أن تسمي رموز هذا التيار؟ - لقد تحدثنا وخاطبنا الحركة الشعبية بأن ما اتفقنا معكم عليه هو ما اتفقنا عليه في أسمرة، أما الذي حصلتم عليه بالتفاوض مع مجموعة مطلوبة للعدالة لا يمثلنا، وفي رأيي لا بد من أن ندعو لملتقى موسع مهما قالت الولاياتالمتحدة، ومهما قال الآخرون، والولاياتالمتحدة قبل هذا توسطت في كثير من اتفاقيات السلام في موزمبيق وفي ليبيريا وفي غيرها وفي كثير منها لم تنجح لأنها لم تبن على واقع الحال ولم يلتزم بها أحد وماتت قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به ونحن شهدنا الأن كيف أن كثيراً من الوساطات الأمريكية فاشلة. * ولكنكم رحبتم بالتدخل الأمريكي في السودان؟ - رحبنا بتدخل أمريكا في شأن السودان لأنه مطلوب لتجسير فجوة الثقة بين الأطراف السودانية ولكن لا بد أن يقوم هذا التدخل على تحضير ووعي، أما إذا لم يحدث هذا وجاء فقط بالضغط للحل فلن يبنى السلام في السودان. * وماذا عن تحالف الملازمين الذي تقوده حالياً؟.. وهل تعتقد أن قوى المجتمع المدني الحديثة كما اصطلح على تسميتها في السودان تملك الديناميكية المطلوبة لإعلان راية العصيان في ظل هذه المعادلة؟ - أولاً لم تكتمل بعد فكرة التحالف القومي للملازمين فبعض القوى السياسية والمدنية اجتمعوا وبحثوا هذا الأمر معنا، وما زال الموضوع قيد البحث والفكرة هي أننا نريد الآن إجماعاً بحيث لا يفهم أنه ضد أحد وإنما هو إجماع لتوحيد الكلمة السودانية وليس المهم الشكل الذي سيكون فيه هذا الإجماع، ولكن المجهودات مستمرة للاتفاق على ميثاق يضم كل السودانيين في موقف موحد، وهنا أود القول إن المجتمع المدني السوداني قوي جداً، أما هل سيدخل في عصيان مدني أم لا ففي رأيي هذا يتوقف على إمكانية استجابة النظام والأسرة الدولية للمطلب الشعبي الخاص بالمؤتمر القومي الدستوري، فإذا حدث هذا فسيكون هو المخرج السلمي المتفاوض عليه وأعتقد أن القوى المدنية والسياسية في السودان سوف تدخل في البديل الآخر وهو العصيان المدني أو ما يمكن أن يؤدي لما نسميه جهاداً مدنياً خالياً من العنف. * ولكن الجميع في السودان يفتقد للمصداقية في مسألة الحل القومي بما فيهم أنت على اعتبار أنك دخلت في جيبوتي في اتفاق مع الحكومة سعياً إلى الحل الثنائي؟ - لم ندخل في حل ثنائي مع الحكومة وحدها ولكن دخلنا في حل ثنائي مع الحكومة ومع الحركة الشعبية ومع الاتحاد الديمقراطي وفي كل هذه الحلول الثنائية كنا نتحدث عن ضرورة تطويرها لكي تصبح قومية ودائماً كنا نقول إن هذه الثنائيات ضرورية كتمهيد ولذلك لم نرفض نيفاشا كإطار ثنائي لكن قلنا ينبغي أن تكون المحطة بعده قومية ولذلك نحن كنا منطقيين مع أنفسنا، حينما دخلنا في لقاءات وتفاهمات ثنائية مع كل القوى السياسية ووقعنا معها مذكرات تفاهم، لكننا الآن نعتقد أن الظروف تغيرت والسودان مرشح الآن لتدويل عبر ضوابط دارفور ، والقضايا الحالية الآن وارد فيها الانفلات العسكري ووارد فيها التدويل، ولذلك أصبح من الضروري أن نستعجل الحل القومي. * هل تجاوز الزمن أيضاً نيفاشا؟.. ما رأيك في هذه المسألة؟ - التحدث عن نيفاشا كأنها الحل السحري وعصا موسى لمشاكل السودان خطأ، نيفاشا لا تزيد عن كونها إطاراً لحوار واتفاق ثنائي بين الحكومة والحركة الشعبية، ونحن لا نمانع أن يكملا المشوار ولكن نقول إن الزمن الآن صار يقتضي المنبر الأوسع، ولذلك نعتقد أن هذه اللقاءات الثنائية لم تعد مجدية وحتى ما تم فيها قابل للمناقشة ونحن عندنا انتقادات أساسية لاتفاق نيفاشا وضحناها في دراسة متكاملة عما هو العيب في نيفاشا، وعلى أي حال نحن غير ملزمين مع الحركة الشعبية إلا عما اتفقنا عليه معها في قرارات أسمرة 1995 وكل ما جاء في نيفاشا مناقضاً لذلك قابل للأخذ والرد بيننا وبينهم ولذلك نحن نتحدث عن الملتقى الجامع.