علي العمير.. أديب يصر كل الذين قرأوا له.. أنه يتميز بشراسة القلم.. ولكن القليل هم الذين يعرفون أنه يتمتع بقلب طيب.. ولسان (حلو) وحصيلة جيدة من الثقافة التراثية.. ربما كان أساسها نشأته.. وربما كانت الرغبة.. التي تعتبر الطريق إلى صناعة المستحيل.. * سألت علي العمير.. في رأيك أيهما أسبق الكاتب أم الناقد؟؟ - لم أفهم السؤال تماما.. فإذا كان المقصود منه هو: أيهما يجب أن يكون أسبق الانتاج أم النقد فمن الواضح أنه لا يمكن أن يوجد النقد من غير إنتاج فالنقد هو التمييز، ولا يمكن تمييز شيء إلا بوجوده، وهناك من يرى أننا في هذه الفترة لسنا في حاجة إلى النقد حتى ينمو كياننا الأدبي، وأنا ضد هذا الرأي، فالنقد يجب أن يساير أية حركة منذ نشأتها.. انك لا تستطيع أن تبني عمارة ثم تأتي بمهندس ليبدي ملاحظاته عليها.. فملاحظاته حينئذ قد توجب هدمها من الأساس، وفي ذلك خسارة أية خسارة!! وهكذا فالنقد يجب أن يساير أية حركة كما يساير المهندس الإشراف على مبنى من المباني!! وعلى ذكر الهدم.. كثيراً ما نسمع عندنا عبارة (النقد الهدام) و(النقد البناء) ولا أكتمك أنني لا افهم المقصود من ذلك تماما، وفي رأيي أنه ليس هناك (نقد هدام أو (نقد بناء).. وإنما هناك (نقد فقط).. فإذا استلزم النقد شيئا من الهدم فليس هناك أي ضير!! أن الطبيب مثلا لا يستطيع أن ينظر إلى عضو فاسد دون أن ينصح ببتره فوراً حرصا على سلامة بقية الأعضاء،وكذلك النقد يلزمه أحياناً بتر الأعضاء الفاسدة، وهي الأسس الواهية والمفاهيم الخاطئة، والتيارات المنحرفة..والنقد عندما يهدم انما يهدم للبناء لا لمجرد الهدم فقط. * من هو الناقد المحلي الذي ترشحه ليقوم بمهمة النقد؟؟ - لا يخلو أي إنسان من ملكة نقدية، ولكن تختلف هذه الملكة من انسان إلى آخر حسب قدرة كل انسان في الاحساس والتذوق، وكذلك روافده الثقافية.. فالنقد احساس وذوق أولا.. ثم روافد ثقافية وفكرية ثانيا. وأنا لا أرشح شخصاً بذاته لمهمة النقد.. فهذه المهمة لا يقوم بها فرد، وإنما أرشح كل من يملك الاحساس الفني والذوق الأدبي، ويتمتع إلى جانب ذلك بالروافد الثقافية والفكرية التي تؤهله لأن يتصدى للنقد. وعندنا عدد من المؤهلين للنقد، ولكن يبدو لي أنهم يتحاشون النقد وخاصة عن طريق النشر، ويكتفون بالنقد في المجالس و(الرواشين) ربما تجنبا لسوء العواقب.. أو ربما ابقاء على صداقاتهم وعلاقاتهم.. خاصة وأن مفهومنا للنقد هنا لايزال خاطئا من أساسه سواء عند الناقد أو المنقود أو القارئ.. فما زلنا لا نفهم أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية!! ولذلك فإن اختلاف الرأي عندنا مازال يعيث فساداً في كل قضية ومنها قضايا الود والعلاقات الاجتماعية!! وجوابا على سؤالك أقول: إنني لا أرشح أحداً بذاته لمهمة النقد، وانما أذكر لك بعض الاسماء التي أعتد بل أجزم أن أصحابها على جانب كبير من التأهيل للنقد.. بل هم من كبار النقاد عندنا، وهم حسب الترتيب الأبجدي الأساتذة: أحمد محمد جمال، حمد الجاسر، عبدالعزيز الربيع، عبدالعزيز الرفاعي، محمد حسن عواد وغيرهم.. ولا بأس أن تذكر اسمي في ذيل القائمة دون تواضع ومن غير فخر أيضاً!! * هل تفكر في طبع ما تكتبه تحت عنوان (كتب وكتاب)؟؟ - أنني أفكر في ذلك فعلا.. ليس فقط بالنسبة لما أكتبه تحت عنوان (كتب وكتاب) بل بالنسبة لما سبق أن كتبته وما سأكتبه أن شاء الله، ولكن المشكلة أنني لا أستطيع أن أطبع انتاجي على نفقتي فليس عندي ما يزيد على (مصاريف البيت)!! الطماطم واللحمة والخضار والكسوة وما شابه ذلك، وليس عندنا أمل أن تتولى إحدى دور النشر العربية (وبواسطة طبعا) نشر بعض إنتاجي وذلك يتوقف طبعا على مدى ما أبذله من مجهود، وما أقدمه من تنازلات.. فانت تعرف مدى جشع التجارة.. حتى في الكتب!! * ماهي آخر أخبار بحثك عن الأعشى!! - بحثي عن (الأعشى) سترى بعضا منه في العدد القادم من ملف اليمامة الثقافي حيث طلبه مني الصديق الأستاذ محمد الشدي، وكذلك (الدينامو) الصديق الأستاذ علوي طه الصافي، وربما لا أستطيع نشره كاملاً في الملف، ولكن سأنشر فيه بعض المختزلات على أمل أن يطبع فيما بعد في كتاب مستقل إن شاء الله. * ما رأيك في المعارك الأدبية وهل تؤدي إلى نتيجة؟؟ - يكفي أن تعرف - وأنت تعرف- أن النهضة الأدبية الحديثة في العالم العربي لم تكن إلا بأسباب المعارك الأدبية وحدها بين أمثال الرافعي وطه حسين، والعقاد وشكري والمازني في معركة (الديوان)، وغير ذلك من المعارك العنيفة الشهيرة المعروفة. تلك المعارك كانت من أهم الدوافع الأصيلة لليقظة الأدبية العربية الحديثة، ولقد انقطعت هذه المعارك الأدبية تقريبا فانقطع معها الأمل في جودة الانتاج، وفي حرارة الحماس!! لقد أصبح الانتاج الأدبي لا يخشى المعارك الأدبية، ولا يخشى عنف النقد فانفلت من هب ودب، وترك الحبل على الغارب كما يقولون!! ومتى أصبح الانتاج الأدبي أو غيره في مأمن أو شبه مأمن من النقد الشديد فقل على (الجودة) السلام!! إن المعارك الأدبية خير ما يشحذ على التجويد والحرص والدقة في الإنتاج. اما ما نحن فيه من مجاملات ومدح وتقريظ.. فذلك ما يسيء أبلغ إساءة إلى الإنتاج.. وذلك هو سبب ما نعانيه من ركاكة وغثاء!! * كيف تعرف صحافتنا في وضعها الحالي؟؟ - صحافتنا لا تعرف بالضبط في وضعها الحالي ماذا تريد.. فهي تتخبط في مفاهيم عجيبة وأوضاع مختلفة.. لا تدري هل تكون صحافة رأي أم صحافة خبر وصورة فنراها تتخبط بين هذا وذاك وبين مفاهيم شخصية بحتة من جهة، ومفاهيم عامة غامضة من جهة أخرى!! ثم إن صحافتنا لا تزال متأثرة جداً بالطابع الشخصي الفردي.. أي أنك لا تجد صحيفة ذات اتجاه معين مرسوم.. بقدر ما يتأثر هذا الاتجاه بشخصية المهيمن عليها كرئيس تحريرها مثلا أو الرجل الأقوى فيها.. بمعنى أن اتجاه أية جريدة إنما يتأثر باتجاهات وميول الرجل الأقوى فيها.. فإذا جاء غيره كانت اتجاهاته وميوله هي اتجاهات وميول الجريدة.. والمفروض أن تكون لكل جريدة اتجاهاتها التي لا تتأثر بالأشخاص، ولكن مازلنا هنا نفهم أن (الشخص) هو الأهم، ولا يهمنا أن نتقيد بخطوط معينة.. يمكنها في نفس الوقت أن تتيح لكل شخص ممارسة أهميته الذاتية على نحو من الأنحاء!! وعلى العموم فإن صحافتنا تعيش مرحلة (مخاض) ولا ندري هل تكون كما تمخض الجبل الطيب الذكر أم تكون الولادة طبيعية!! * إلى أي حد تؤمن بالتخصص الأدبي؟؟ - نعم أؤمن بالتخصص أشد الإيمان،ونحن يا سيدي في عصر التخصص فقد اتسعت دوائر المعرفة كثيراً مما استوجب التخصص بالضرورة.. ولكن لا ينبغي أن يكون التخصص في الأدب خاصة إلا بعد إلمام واسع بشتى أطراف الأدب والعلوم واللغة والفقه والدين.. الخ.. فإنه لا يكفينا من الروائي مثلا أن يعرف أصول الرواية فقط.. لابد أن يفهم قبل ذلك كثيراً من الأمور ويلم بها قبل أن يكتب لنا رواية. ولابد للباحث التاريخي أن يفهم غير البحث التاريخي لكي يستعين بروافده الثقافية الأخرى في مجال بحثه. أظنك فهمتني؟! أنا أعني أن التخصص مطلوب جدا، ولكن لا يعني ذلك أن يقول الأديب: إنني متخصص فلا أفهم في غير مجالات تخصصي.. ذلك عيب!!