منذ نحو عقدين من الزمان عرّفت منظمة اليونسكو الثقافة بأنها (جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية. وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات). وهذا يعتبر تعريفاً عاماً للثقافة دون أن يكون في إطار دين أو مذهب معين. ونحن المسلمين يهمنا أن نعرّف الثقافة في إطار ديننا الإسلامي. ومن الذين قدموا تعريفاً محدداً للثقافة الإسلامية الدكتور عزمي طه السيد، حيث عرفها بأنها (معرفة عملية مكتسبة تنطوي على جانب معياري مؤسس على عقيدة الإسلام ومستمد من شريعته، وتتجلى في سلوك الأفراد وطرق تعاملهم في الحياة الاجتماعية مع الوجود بأجزائه المختلفة في صورة مجملة عامة تشتمل على المبادىء والأسس والمنطلقات). هذا التعريف يعني امتلاك الفرد لنظام متعدد الجوانب من القيم والمدركات والمفاهيم بما يسمح بتقويم المواقف والحكم عليها في حدود ذلك النظام. مما سبق يتبين أن ثقافة مجتمع ما، هي ما يتميز به هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات. وهذه السمات التي تصبغ غالب أفراد المجتمع، يحرص هؤلاء الأفراد على توريثها إلى أبنائهم ويعتزون بها ويذكرونها في المجامع ولا يسمحون لثقافة أخرى بمنافسة ثقافتهم، بل يحرصون على تصدير ثقافتهم، ويشعرون بالزهو والفخر عندما تتبنى مجتمعات أخرى، جانبا أو أكثر من ثقافتهم المحلية. يمكن هنا المزج بين التعريفين السابقين للثقافة والخروج بتعريف للمثقف الإسلامي بأنه (هو الذي له معرفة عامة إجمالية ومعيارية بالسمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا معينا أو فئة اجتماعية. ويعمل على إبراز ثقافة مجتمعه والدفاع عنها وتقويمها وتقريبها إلى الصورة الإسلامية المثلى - بحسب الإمكان). و(المعيارية) التي أعنيها في هذا المقال هي الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وأئمة السنة المقبولون قبولاً عاماً لدى جماهير المسلمين سلفاً وخلفاً. وهذا الجهد النظري والعملي الذي يقوم به المثقف الإسلامي يطلق عليه (العمل الثقافي) الذي هو أحد مجالات العمل الإسلامي العام. ويمكن في ضوء ما سبق تعريف العمل الثقافي بأنه العمل الذي يقوم به المثقف في إبراز ثقافة مجتمعه والدفاع عنها وتقويمها وتقريبها إلى الصورة المثلى الممكنة. وهذا العمل الثقافي له أصول وأساليب ووسائل.. الخ. إن المثقف الحق هو الذي له معيار صحيح يوزن به ثقافة مجتمعه وأمته، فيقر جوانبها الإيجابية ويدعمها ويحميها ويعمل على نقلها إلى الآخرين، وبجانب ذلك فهو أيضاً ينقد الجوانب السلبية لهذه الثقافة ويحذّر الناس منها ويعمل برفق وبمختلف الوسائل والأساليب على تصحيحها واستئصالها. للثقافة الإسلامية جانبان: الجانب الأول هو جانب نظري ويقصد به ثقافة مجتمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، وهي الثقافة القدوة التي تهفو مجتمعات المسلمين على مَرِّ العصور للتأسي بها، وقبل فترة قصيرة استمعت إلى مناقشة رسالة دكتوراة في برنامج (أطروحة على الهواء) - الذي يبث من إذاعة (القرآن الكريم) السعودية - عن ثقافة مجتمع النبوة. وهي رسالة قدمت إلى قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. وهي بلاشك دراسة في غاية الأهمية، حيث إنها تسد فراغاً كانت تعاني منه المكتبة الثقافية. الجانب الآخر للثقافة الإسلامية هو الواقع الثقافي الراهن سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو حتى العالمي. ثقافة المجتمعات الإسلامية هي ما تتميّز به عن المجتمعات غير الإسلامية. والمجتمعات المسلمة قسمان: قسم عربي وآخر غير عربي. والمجتمعات العربية تتفاوت ثقافاتها من بلد إلى آخر. بل في داخل الوطن الواحد هناك عدد من الفئات الاجتماعية لها سمات ثقافية تميزها عن الفئات الأخرى التي تقاسمها هذا الوطن. من المهام المطلوبة من المثقف الإسلامي العمل على تأكيد الهوية الإسلامية للمجتمعات المسلمة، وإبراز الشخصية المميزة للمسلم والخصوصية التي يفارق بها غيره. إن المثقف بعمله هذا يساعد أفراد مجتمعه وأمته في الثقة بأنفسهم والاعتزاز بثقافتهم، ويعمل على نقلها إعلامياً إلى الخارج لتكون بمثابة دعوة إلى الاقتداء بهم واعتناق دينهم. وينبغي على الحكومات أن تعرف أن المثقف بعمله هذا يساعد في بناء وحماية الشخصية الوطنية والقومية. من الهموم المشتركة بين فئتي المثقفين والدعاة هو الواقع المهين الذي يعيشه المسلمون اليوم، وكلاهما لديه مشاريع للإصلاح المنشود للخروج بالأمة من هذا الواقع المتخلف إلى ما هو أفضل - بحسب القدرة والامكان -، ولكنهما يختلفان في مجال الإصلاح الذي يتحرك فيه كلُ منهما. فمثلاً المثقف يركز في عمله على السمات المميزة للمجتمع ابتداءً من الدين واللغة ومروراً بالتقاليد والأعراف، وانتهاءً بأشكال الملبس والمسكن والمأكل. ويعمل على تقويم هذه السمات المميزة بمعيار الكتاب والسنة، فيقر ما وافق الشرع ولم يعارضه، ويسعى إلى نشر المزيد من جوانب ثقافة مجتمع النبوة، وهو بذلك يعمل على تقريب المجتمعات الإسلامية بعضها إلى بعض. أما الداعية، فإن طبيعة عمله تختلف عن دائرة عمل المثقف، حيث إن العمل الدعوي يركز أساساً على إخراج الناس من ظلمات الكفر والبدعة إلى نور الإسلام والسنة. وللعمل الدعوي مجالات أربعة هي: المجال الديني والفكري والثقافي ومجال النظم الحضارية. أي أن المجال الثقافي هو أحد مجالات عمل الدعاة. وهذا هو جانب التلاقي بين المثقفين والدعاة. ولكن الدعاة يهدفون في المجال الثقافي الى حماية ثقافة مجتمعات المسلمين مما يخالف التوحيد والإيمان والسنة، واتخاذ السمات الاجتماعية - الموافقة للشرع - وسيلة لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام. من التحديات المعاصرة التي تواجه المثقفين والدعاة هو التصدي للعولمة الثقافية التي يراد لها أن تكتسح المجتمعات الإسلامية بهدف إفقاد المسلمين أي تميز، حيث أصبح الإسلام - في نظر الغربيين - هو التحدي الحضاري الكبير الذي يقف أمام حضارتهم.. ورغم أن مفكري المسلمين لا ينفكون ينادون بالحوار الحضاري والثقافي مع الآخر، نجد أن فلاسفة الغرب واستراتيجيتهم يحرصون على إبراز ذلك في صورة صدام حضاري. إن الدعاة مدعوون إلى الاستفادة من الدراسات والاعمال الثقافية والتنسيق مع المثقفين والتشاور معهم في كل ما فيه صلاح المجتمعات الإسلامية.