فجع الوسط الرياضي العربي بوجه عام والسعودي بشكل خاص بنبأ وفاة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن سعود بن عبدالعزيز، ذلك النبأ الذي أقض مضاجع الجميع وأحزنهم وكدر عليهم وروعهم في وفاة أحد الرموز العملاقة للرياضة العربية والسعودية، ولكن هذا هو قدر الله سبحانه ولا رادّ لقضائه وقدره. قال تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}. وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وهذه سنة الحياة. كما قال الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (عش ما عشت فإنك ميت وأحبب ما أحببت فإنك مفارقه، وأعمل ما شئت فإنك ملاقيه) . وكما قال الشاعر العربي: وما الناس إلا هالكٌ وابنُ هالكٍ وذو نسبٍ في الهالكينَ عريقِ إذا امتحنَ الدنيا لبيبٌ تكشَّفتْ له عن عدوٍّ في ثيابِ صديقِ وكما قال الشاعر الآخر: هو الموتُ ما منه ملاذٌ ومهربُ متى حطَّ ذا نعشَهُ ذاك يركبُ فرحم الله أميرنا المحبوب عبدالرحمن بن سعود وأسكنه فسيح جناته، فقد ترك لنا سيرة رياضية عطرة طوال سني حياته عامرة بالجهد والعطاء والاخلاص لدينه ثم مليكه ووطنه في مجال من أهم المجالات الانسانية ألا وهو المجال الرياضي، فقد جعل رحمه الله من نادي النصر السعودي نموذجا يحتذى لبقية الاندية وأصبح ذلك النادي عملاقا من العمالقة وفارسا من فرسان الرياضة السعودية ومنجما للمواهب الواعدة، ومعينا لا ينضب في مد منتخباتنا الوطنية بالمزيد من النجوم، فعندما تسلم دفة الامور في هذا النادي وأصبح ربان السفينة فيه في أواخر السبعينيات الهجرية وكان هذا النادي الوليد يراوح في مكانه ويصارع في غياهب الدرجة الثانية، فأخذ على نفسه عهداً برفعة شأن هذا النادي والانطلاق به الى مشارف الرقي، فكان له ما أراد بفضل همته وعزيمته التي لا تعرف الكلل أو الملل فارتقى به الى منصات التتويج حيث عانق البطولات وتوج بالكؤوس والدروع والأوسمة، وحصل على العديد من البطولات المحلية والخليجية والقارية، واصبح نادي النصر السعودي من أكثر الاندية السعودية والعربية شهرة واستقطب ميول العديد من الجماهير الرياضية الغفيرة ونال اعجابها وحظي بانتمائها الصادق المخلص، فعشقت كل ما هو نصري وكل ما يجمع ما بين اللونين الأصفر والأزرق، وإذا كانت هذه الانجازات تحسب في سجلات نادي النصر فإن من يستعيد تاريخ هذا النادي وتطور مسيرته فانه سيجد بلا مواربة وبدون أدنى شك ان من وراء هذا التاريخ الحافل المشرف وهذه المسيرة الخيرة رجل وأمير شهم هو عبدالرحمن بن سعود رحمه الله والذي سيبقى اسمه محفوراً على مدى الدهر في ذاكرة كل نصري ورياضي منصف ومخلص، ولكن نحن على يقين ان ما تركه، رحمه الله، من سيرة عطرة وأعمال وانجازات عظيمة وكبيرة لاخوانه الميامين وأبنائه الأوفياء وجماهير ناديه المخلصة ستجعلهم، بإذن الله، يحافظون على تميز هذا النادي ويتابعون مسيرته ليبقى نصراً متوهجاً لامعاً واصفر براقاً في كل المحافل والميادين الرياضية، ولعل من بوادر الخير وعلامات القبول لهذا الأمير الراحل هو مدى تأثر الناس بوفاته، رحمه الله، فقد توافدت واكتظت جموع المصلين في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض حتى ان ذلك الجامع الكبير لم يستوعبهم فصلوا خارجه وتابعته هذه الجموع الغفيرة الضخمة وشيعته الى مثواه الأخير لمواراته الثرى في مقبرة العود وكانت حزينة باكية متأثرة تلهج له بالدعاء بالمغفرة والرحمة، ناهيك عن تلك الجموع التي جاءت تعزي بوفاته من كل حدب وصوب سواء حضوريا أو هاتفيا أو برقيا، كل هذه المظاهر لعمري تدل دلالة واضحة على مدى ما يملكه هذا الأمير من حب من الجماهير الرياضية بكافة أطيافها وميولها مما ينبئ بأنه يرجى له الخير والرحمة والمغفرة من رب السماوات والارض بإذن الواحد الأحد، ولا عجب في ذلك فقد عرف رحمه الله بتواضعه الجم وبساطته مع الجميع وشعبيته الجارفة وحسن تعامله وابتسامته الدائمة التي لا تفارق محيّاه حتى ان من لا يعرفه عن قرب لا يصدق ان من أمامه هو عبدالرحمن بن سعود، ورغم ان المختلفين معه في وجهات النظر ومن يقسون عليه في الطرح في أحيان كثيرة أو يحاولون النيل منه في الصحافة أو غيرها ممن أعماهم التعصب عن رؤية الحقيقة بكل تجرد وموضوعية، إلا انك تراه يحاورهم ويناقشهم بأسلوب أدبي راقٍ دون أن يسيء لهم أو يعرض بشخصياتهم مردداً مقولته المشهورة: (بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية) بل تجده يتنازل عن حقوقه ويصفح ويسامح عمن أساء إليه رغم أن له من الوجاهة والمكانة الاجتماعية المرموقة والقوة ما يمكنه من أن يرد عليهم كيدهم ويتشفى فيهم إلا ان مكارم أخلاقه وصفاء سريرته وطيب معدنه ونقاوة قلبه تأبى عليه ان ينهج مثل هذا النهج. فرحمك الله يا عبدالرحمن بن سعود رحمة واسعة وأفاض عليك من شآبيب رحمته ورضوانه وجازاك بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا وثبتك عند السؤال وأسكنك فسيح جناته وألهم ذويك الصبر والسلوان، وإنا لفراقك يا أميرنا المحبوب لمحزونون ولكن لا نملك إلا أن نصبر ونحتسب ونقول كما قال ربنا عز من قائل عليم: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} صدق الله العظيم. ( * ) وزارة التربية والتعليم - إدارة النشاط الرياضي