هكذا رحل!! المبدع اللغوي. هكذا رحل!! الإداري الناجح.. هكذا رحل!! المعلم الناصح.. هكذا رحل!! المربي الفاضل.. هكذا رحل!! الإنسان الكريم.. هكذا رحل!! القدوة الحسنة لأبنائه وزملائه ومجتمعه ومحبيه.. هكذا رحل!! الشيخ د. عبدالرحمن بن عبدالله الجمهور أستاذ اللغات المشارك وعميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، نعم هكذا رحل!! بدون مقدمات فجأة نسمع ونقرأ خبر وفاته وهو في شبابه في الثامن والأربعين من عمره، مات غرقاً في بحر صلالة في عُمان، {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قالها يونس عليه السلام لما غرق فالتقمه الحوت وهو مليم، نسأله أن يتقبل أبا محمد من الشهداء كما في الأحاديث من مات في الغرق شهيد. ليتني جدت للوداع حديثاً ذهب اليوم حين جاء الرحيلُ كنت خففت من لهيب ضلوعي يوم زار الفؤاد همٌّ ثقيلُ فذهبت أبا محمد وودعت أهلك ومحبيك، أخذك الموج في بحر لجيٍ، فقبض روحك ملك الموت ثم أعادك لشاطىء الدنيا بعد أنقذت قلباً نابضاً وابناً باراً ليشق طريقه مثلك بحنكة وعصامية فودعته وودعت أسرتك وودعت العالمين، وقد جُدْت في إسهامات كبيرة لم يمهلك الموت لكهولة العمر وبياض السنين، فودعت أعمالاً أتعبت من بعدك في حملها، ودعت برنامجاً دينيا أسبوعياً تنقل الفتاوى باللغة الإنجليزية للشعوب المسلمة في القناة السعودية الثانية، ودعت مجلة الجمعة الشهرية الإنجليزية، ودعت أبحاثاً وكتباً في سبيل النهضة التعليمية في المملكة العربية السعودية وتدريس اللغة الإنجليزية، في الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل يحبه الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن) رواه أحمد في مسنده. سبيل العز أن تبني وتعلي فلا تقنع بأن سواك يبني فمن يغرس لكي يجني سواه يعش ويموت من يغرس ليجني ودعت أبا محمد أعمالك في الندوة العالمية للشباب الإسلامي فلقد ودعتها كما ودعها أمينها السابق حادي الطريق في الدعوة إلى الله وباللغة الانجليزية الشيخ د. مانع الجهني - رحمه الله تعالى - فقدكما عظيم وخطبكما جليل، فمن يحمل الهمَّ بعدكما، وكأني بكما تقولان للعالم:- ثمن المجد علم جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا! وأذكر هنا أني قد عزمت في عرض مشروع ترجمة للغة الانجليزية ل(مختارات من النصوص الشعرية والقصصية الإسلامية) على الشيخ د. مانع الجهني - رحمه الله تعالى - لتخصصه في الأدب الانجليزي، فرزئت بوفاته ضحى حادثه فماذا أقول فقد تبعثرت حروفي وتعثرت كلماتي عن رثائه فسكبت دموعا على فقده، وها أنذا أفقد من أمثاله الشيخ د. عبدالرحمن الجمهور ولم يقدر لنا أن نبدأ العمل بعد أن عرضت عليه موجز المشروع وأنه يخدم الإسلام في الغرب وبه إن شاء الله يعتنق الإسلام بقراءة هذه النصوص من أدباء اليهودية والنصرانية وغيرهم وتصحح صورة الإسلام والمسلمين. هكذا رحلت البسمة المضيئة والكلمات النيرة، هكذا رحل!! الرجل الدؤوب الذي لا يكل ولا يمل، تعقب الصعاب بهدوء وشق طريقه بحنكة وتسلق قمماً من المعالي بصبر دون جزع أو فتور وتربع على كرسي الأخلاق الفاضلة والإنسانية المتواضعة. لا يدرك المجد إلا سيدٌ فطنٌ بما يشق على السادات فعّال أحبه الناس من يعرفه ومن لا يعرفه القاصي والداني، الكل يسأل عنه ويدعو له بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته، فحسبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في أرضه)، فهكذا يكون الناجحون وهكذا تخلد سير العظماء، رحمك الله أيها القلب الكبير والصدر الرحيب أتعبت من بعدك وخلفت حملاً ثقيلاً كفاك الدعوة إلى الله حاملاً، فكم دمعة سكبت على فراقك وكم دعاء لك في مشهد الصلاة على جنازتك وعندما واراك الأهل ومحبوك التراب، إن بكاء المحبة والفراق عجيب، ودموع الحزن والألم غريب، ليس لهما طبيب غير الدعاء لك في ظهر الغيب بأن يتغمدك الله في رحمته ويوسع لك في قبرك ويفرش لك من بحبوبة الجنان مد بصرك. [email protected]