أستطيع أن أدعي بقليل من التهور بأن كتابة التمثيلية التلفزيونية أو الكتابة للسينما هي المنطقة الوسط بين الإبداع والصنعة. عندما تكتب رواية أو قصة فأنت تكتب مباشرة إلى القارئ الأخير. أما عندما تكتب تمثيلية تلفزيونية فأنت لا تكتب للمشاهد مباشرة وإنما تكتب لمجموعة من الوسطاء يقفون بينك وبين المشاهد. فهناك المنتج والمخرج والممثل وهناك الفنيون المختلفون وهؤلاء سوف يقرؤون نصك ويعدلونه قبل أن يصل إلى المشاهد النهائي. عندما تكتب رواية لا تتوقع من أحد أن يتدخل فيما كتبت (يحصل في بعض الدول مثل أمريكا وانجلترا أن يتدخل الناشر ويجري التعديلات التي يريدها على نصك ولكن تلك مسألة أخرى). عندما تكتب للتلفزيون لابد أن تعرف أن هناك مجموعة من الناس سوف يتدخلون يعدلون ويحذفون ويمزقون عملك (شر تمزيق) في كتابة القصة أو الرواية تنطلق في سموات الإبداع لا يعيقك سوى حدود خيالك. في عالم القصة أو الرواية لك أن تتخيل ما تشاء، لك أن تأخذ البطل إلى المريخ أو إلى اليابان أو إلى بلاد الجان وأن تتخيل مدينة كاملة تحترق.وأن تقيم معارك طاحنة بين الجيوش أو بين العاشقين. لكن عندما تكتب للتلفزيون هناك أمور كثيرة سيكون لعقلك الواعي (المنطقي) قرارات أساسية فيها. لا يمكن من أجل تصوير مشهد من شطحات خيالك (العظيم) أن يدفع المنتج مليار ريال. إذاً عليك أن تغير هذا المشهد إلى مشهد قابل للتنفيذ وفي حدود الميزانية المقررة للعمل. فالكتابة للتلفزيون هي الكتابة الإبداعية المتكيفة. يتزاوج الإبداع مع الصنعة وهذا مع الأسف سوف ينزل خيالك من عليائه ويجعله طيعاً منقاداً لآراء الآخرين ووجهات نظرهم وقدراتهم. الشيء المهم أنك في كتابة الرواية أنت المسؤول بالكامل عن النجاح والفشل أما في الكتابة للتلفزيون فأنت تعمل ضمن فريق قد يكون عملك من أعظم الأعمال ولكن يأتي مخرج سيئ ويدمره وقد يكون عملك رديئاً، ويقيض الله له ممثلين ومخرجاً وفنيين جيدين ويبثون فيه الحياة التي يحتاجها. في الكتابة للتلفزيون أنت لست مبدعاً ولست مهنياً. أنت تقع في منزلة بين المنزلتين. العمل التلفزيوني هو عمل جماعي تؤسس أنت أرضيته، فالمنتج سوف يعدِّل أو يطلب منك بعض التعديلات ثم المخرج ثم الفنيون ثم أصحاب المؤثرات المختلفة وهكذا، كما يقول المثل الشعبي (من يد نشيط ليد نشيط). يصل الأمر في بعض الأحيان أن يأتيك منتج ويطلب منك أن تؤلف له حلقة عن الخبازين أو السياحة أو عن الحب. هنا تتدنى قدراتك الإبداعية وتتحول إلى مهني. والأسوأ من هذا أن يأتيك المنتج بفكرة درامية محددة تحولها إلى عمل تلفزيوني، والأسوأ من هذا كله، أن يأتيك منتج ويطلب منك أن تذهب إلى الاستديو لتشاهد بعض المخلفات الديكورية من فلم سابق كلف كثيرا ويطلب منك أن تكتب قصة تقحم فيها هذه الديكورات حتى يحقق منها المنتج أكبر قدر من الأرباح قبل أن ترمى في الزبالة. ولكن هذا لا يعني أبداً أن يتحول مفهوم الكتابة للتلفزيون إلى مجرد كتابة مهنية وتتحول الأعمال الدرامية إلى كومة من النصائح والمعالجات الاجتماعية كما يظن البعض ففرصة الإبداع متوفرة دائماً. ملاحظة.. كان يجب أقولها يوم الاثنين الماضي ولكن نسيتها. وهي أن هذه المقالات ثمرة ملاحظات سجلتها في السنوات الأخيرة عندما بدأت أكتب سيناريوهات جاءت من قراءات من مؤلفي سيناريو سابقين تراكمت مع تجاربي البسيطة فهي إذاً ليست ورشة تدريبية أو يقصد بها ذلك وأقصى ما أرجو منها أن يتعرف القارئ على خلفية ما يتفرج عليها ليلياً تقريبا. تدخل هذه السلسلة ضمن سلسلة لغة الصيف الذي اعتدت أن أنهي بها موسم الكتابة سنوياً. نكمل الموضوع يوم السبت القادم. فاكس4702164