وقفت على قارعة الطريق ... نثرت ضفيرتها وأخذت تولول ... العابرون غضّوا الطرف عنها ... جاءها صوتهم الواحد ، المفقود ... لا يعيده البكاء ...! مفقود (2) : هرع إلى جيرانه يتباكى .... شدّ شعر لحيته الكثيف وهو يصرخ غاضباً ... ثمَّة من قال له: لا تسأل الآخرين عمّا فرّطت فيه وحدك ... المفقود لا يعيده لوم الآخر ... مفقود (3) تجمّعوا يتدبّرون ، اختلطت أصواتهم ، اختلفت آراؤهم انفضّ جمعهم ... ولم يتّفقوا بعد ، صوت من بينهم خرج ليقول : الكلام لا يعيد المفقود ... مفقود (4) اجتمعن يتدارسن الأسباب ، أفضت كلّ منهن بما فقدت ، لحظات وتحوّل الاجتماع إلى تبادل اللوم وإلقاء المسؤوليّة على بعضهن ... وإبداء الحسرات ، انفضّ جمعهن ولما بعد عرفن كيف يستعدن المفقود ... ثمّة من عبّرت لهن بأن المفقود لا تعيده الحسرات فقد .. فقد الواحد يفقد ، والجماعة تفقد ، والمجتمع يفقد ، والفَقْد يعمُّ ليس على مستوى الفَقْد بالموت ، فكثيراً من الأجساد طواها الردّى بينما الولاّدة لا تزال تعمّر الكون ... ولكن على المستويات المختلفة هناك فقد قيم ، وأخلاق ، ومواقف ، وحضارات ، وثوابت ، وأسس ، وقضايا ، وأفكار ، ونجاحات ، وقوّة ، يبدو أنّه زمن الفَقْد الذي لا يعوّض ... ولعلّه بكلّ المقاييس زمن العبور إلى الانتهاء ...