تراقصت الغيوم بكل تنهد أمام عينيه حتى رأى سرب تلك العصافير تمتص رحيق ذلك المكان الواسع الماطر فاللهاث الباذخ قد يغري ما تبقى من رفاقه أما ذلك الشامخ فقد لملم ما تبقى من عواطفه الإنسانية الصادقة وحزمها في تابوت جسده ورحل بها إلى حيث الهدوء والبرودة رحلة ربما أنهكته ولكنه تلذذ بما فيها من متاعب . وهو في طريقه إلى حيث ما يريد رآهم يقفزون هنا وهنالك تماماً كما كان يدور في مخيلته من آمال عريضة إلى درجة قد تحجب عنها ضوء الشمس . لم يتعجب من ذلك فهو يعلم بأن بعض من في دنياه يتسولون أحياناً عند تلك الشلالات التي يتدفق إليها الماء بغزارة ولكنهم يقفزون وينجون منها ويأخذهم التيار المضاد إلى حيث القطرات المنسابة بتدبر داخل أودية الضياء المشعة من جوف من يشعل الليالي المعتمة ونترقبه بعشق عندما ينتصف الشهر ليمدنا بالمزيد من الوله والفتنة كان على النقيض منهم فقرر بمحض إرادته أن يهرع إلى أحلامه التي تمس رغيف خبزه وليس أوهامه العنكبوتية التي وجد نفسه فيها غارقاً إلى أخمص قدميه منذ نعومة أظفاره . تُرى كيف يرى التباين بين هذا وذاك ؟ أو هل تكون الرؤية واضحة في ظل الازدواجية الطبيعية التي قد تزرع هذا في جوف الاحداق المنتفخة بالوهم الكبير أو ربما المصطنعة فيها ؟ .. من الذي قاد رحلة الهزيمة بين خلجات عواطفه السوية ؟ هل يعاود مرارة التجربة وقدماه حافيتان وبعض من حوله ذئاب مفترسة ؟ .. هل يعود من حيث أتى ويتعلم بأن يكون واحداً منهم ؟ .. أسئلة كثيرة قد تكون قصيرة في محاور استفهاماتها ولكنها ترغمك وبجدارة على قراءتها بين تلك الأسطر التي تشكل أبجدياتها علامات بارزة لأدوات تعجبها !!! . لا زال متجهاً إلى حيث ما يرغب وكل تلك التساؤلات تمدّه بصداع نصفي يتمنى أن يكون آنياً ويأمل في أن ينجلي بمجرد أن تلامس قدماه طقسها البارد أو تقع عيناه على أشواك قريته النابتة للورد الأرجواني في زمن الجفاء تتأرجح حيثيات إجاباته على ستائر الإقناع كمن رآهم لتوّه يقفزون هنا وهناك .. قد يكون وحيداً في رحلته وهو بالفعل كذلك ولكن ما قد يحمله معه من ثبات في الرؤية وما قرره بإرادته ما يجعل تلك الأوهام تذوب في الشق غير المرئي من مسيرته وهذا ليس ما يرغبه أو يأمله ولكن ما يؤكده لوعيه الجاسر على ضرورة تقبل الوفاء المعتق ، أما أولئك فإنهم قد يرتاحون قليلاً داخل سراديبهم التي تعمها الفوضى في كل منحى ولكن سرعان ما يحزمون برفق مايسمى إنسانيتهم التي انتحرت آدميتها على قارعة الزمن الحاضر ويترقبون بعاطفة مضطربة ما سوف يحدث لهم في زمن الرثاء . ذلك الزمن المحاط بالظل والتراب والصمت الرهيب . ومضة :- من شعر فاروق جويده : مازلتُ أبحثُ عن عيونكِ .. بيننا أمل وليدْ أنا شاطئٌ القتْ عليه جراحها أنا زورقُ الحُلم البعيدْ أنا ليلةٌ حار الزمانُ بسحرها عمرُ الحياةِ يُقاس بالزمن السعيدْ ولتسألي عينيكِ أين بريقُها ؟ ستقولُ في المٍ : توارَى .. صار شيئاً من جليدْ