غابت تلك الشمس الذهبية مساء وأرخى الليل سدوله فآويت إلى فراشي للمبيت وأبحرت سفينة أحلامي لست أدري بأي ساحل ستقف ولا إلى أي بحر ستسير، تتقاذفها الأمواج والرياح وتدفعها الأقدار والظروف ما بين مدّ وجزر. آه أيها الليل كم أخشاك وكم أخافك، فمعك تذوب ذاتي وتختفي أهازيجي. لقد احتويتني بكل ما تملك من ضيم وعذاب وجروح وآهات. أيها الليل حينما خيمت لاحت في ذاكرتي بقايا آمال ميتة وآلام مدفونة خلت إني نسيتها فإذا هي لم تنساني وبقيت ترافقني في يقظتي ومنامي. شريط الذكريات يدور ويدور ولن يرضى أن يتوقف. فهذه رواسب قديمة وتلك قصص أليمة جالت في خاطري. وتلك حروف مبعثرة تنبش في الماضي لتزيد آلامي وأحزاني. توقفت مع نفسي هنيهات فوجدت الانكسار في ذاتي.. حاولت أن أغمض عيني لكي لا أرى أشباح الأزمنة الغابرة.. فلم أجد سوى أشباح أخرى أدهى وظلام أعظم.. رأيت الحزن يلوح داخلي يودع بكفه هذا الأمل الباقي يحتضنه لأنه يعلم أنه لن يلقاه غداً. لقد سافر هذا الأمل في ذاتي بعد أن حزم حقائبه ورحل.. مات الأمل بداخلي رويداً رويداً وكفنته مشاعري لتدفنه إلى الأبد، وبقيت أنا وأنت أيها الليل نتحاور فإذا بك مخادع تحاول فرض حروف الوهم على أوراق الحقيقة. إنك ليل احتضار المشاعر، كأني بك تريد أن تبتليني تذكرت قول امرئ القيس فيك وهو صادق. وليل كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي بدأت أردد آهاتي وأحزاني مكررة معها قول الشاعر محمود غنيم: لي فيك يا ليل آهات أرددها أواه لو أجدت المحزون أواه.. أظلتني في ليلي تلك سحابة سوداء تراءت في سمائي.. قد اصطحبت معها صمتاً مخيفاً وهدوءاً غريباً. إنها ليست سحابة غيث ولكنها سحابة تمطر حزناً وألماً. حاولت أن أستدرك ما بقي من سويعات الليل وأن أكون أشجع منه فها هو الصبح قادم ولكن الليل سحب ذيوله مودعاً إياي بلقاء آخر في ليلة قابلة قائلاً بشيء من العنجهية: إنها ليست النهاية ولكنها البداية.