* اطلعت مؤخراً على العدد الجديد من مجلة «التوباد» «رجب 1424ه» التي تصدرها دوْرياً الجمعيةُ العربية السعودية للثقافة والفنون، وكان العددُ في معظمه غنيّاً ب«سعرات» ثقافية من حلو الكلام، شعرِه ونثرِه، ضمّته أكثرُ من مائتي صفحة. وأودّ بدْءاً أن أُشيدَ بالجهد الكبير الذي بذل في تجهيز هذا العدد، استِكْتاباً وطباعةً وإخراجاً، وأهنّئُ الجمعية، ممثلة في رئيس مجلس إدارتها، الصديق محمد الشدي بهذا الإنجاز. وأتمنّى ل«التوباد» مزيداً من الازدهار. *** وبعد.. * فأستأذن الجمعية في طرْح باقة من الملاحظات والاقتراحات، أسوقُها تعْبيراً عن الغيرة على مجلة «التوباد».. وَطَمَعاً في تطْوير عَطائِها، مادةً ومضموناً، باعتبارها في تقديري المتَواضِع «الناطق الرسمي» للثقافة السعودية، وأتمنَّى أن تجسّد هذا المفهوم في كل الأوقات، مادةً وأداءً. *** انطلاقاً مما تقدّم أقول: * أولاً: لا أرى مسوِّغاً ولا نفْعاً في تضْخيم عدد صفَحات العَدد الواحد بما قد يتجاوزُ المَئتىْ صفحة في بعض الحالات، كما هو الحال في عدد «رجب» 1424ه، حتى ولو كانت فصلية، وبدلاً من ذلك، قد يكون من الملائم اختصار عدد الصفحات إلى النصف تقريباً، مع الاهتمام باختيار مواد النشر على نحو يجعلها أثْرى مادةً وأبلغَ تعبيراً. *** ثانياً: فوجِئتُ بغياب العديد من رموز الثقافة والأدب والنقد في بلادنا عبر هذا العدد من «التوباد» وربما فيما سواه من الأعداد السابقة، أمثال د. عبدالعزيز الخويطر، عبدالعزيز السالم، د. غازي القصيبي، د. عبدالله الغذامي د. سعد البازعي، د. حسن الهويمل، د. منصور الحازمي، د. محمد الخطراوي، الشاعر المتجدد محمد حسن فقي، د. هند الخثيلة، د. خيريّة السقاف، د. ثريا العريِّض تمثيلاً لا حَصْراً، وإلا فغيرُهُهم وغيرهن كثيرون. *** هذا القول لا يعني بأي حالٍ انتقَاصاً من قَدْر مَنْ ضَمّ عطاءَهم عددُ «التوباد» محلّ البحث، أو تهميشاً لذلك العطاء، لكنني أعتقدُ جازماً أن مجلداً ثقافياً كهذا تُصْدره «مرجعيةُ» الثقافة والفنون الأولى في بلادنا حريٌّ أن يحظَى بمزيدٍ من السَّهر والاهتمام والحرْص على الكيف قبل الكمّ، وألا «يَصمُتَ» معدُّوه فصلاً كاملاً، ليخرجُوه للناس فيما بعد صفحاتٍ تضُمّ إنتاجاً مما قد نقرأُ بعضه في الصُّحف السيارة عبر ما يسمى ب«الصفحات الثقافية» وغيرها، وهذا في تقديري أمر قد يرغم المرء على التوقُّفِ حياله لحظاتٍ تأمّلاً إن لم يكن عجباً! *** * ما أعنيه هنا هو التمنّي بألا تغيبَ بعضُ هذه الرموز وسواها في ساحتنا الأدبية عن «التوباد» عدداً إثر عدد، لأنّ بمثل هؤلاء يزدانُ الحديثُ ويسمو، في مجلة تُعنى بالثقافة والمثقفين! *** ثالثاً: وبمعنى آخر، فإن العبرةَ في الإبدَاع المنشُود لمجلة «التوباد» ليست في ضخامة صَفَحاتها، ولا في خامة إخراجها، ولا في كميّةِ الألوان التي تُزينُ أوراقها المصقُولة، ولا في تعدد الأسماءِ التي تطرّزُ حواشيها، ولا فيما يتخللُ هذه الصفحات من عطاءٍ قد يختلفُ الناسُ أو يختصَمُون أو يتّفقُون حول قيمته، لكن بلادنا ومعها الوطنُ العربي برمَّته، يضمُّ كنوزاً من نفائس القول والقائلين، شعْراً ونثراً، ومن ثمّ، لماذا لا ترمي «التوبادُ» شباكها في كل البحار بحثاً عن لآلئ الحديث في كل أغراضه ومعانيه وقوالبه وأنسَاقه؟ لماذا تصرُّ «التوباد» على إخراج «وجبات معلَّبة» من الفكر، قد يكون بعضها مفيداً ونافعاً، وقد لا يُسمن البعضُ الآخرُ منها ولكن يُغني من جوعٍ، وبعضها.. الثالث قد يُسْمِنُ ولا يُغني من جوع، وبعضُها الرابع قد لا يُسمنُ ولا يغني من جوع! *** رابعاً: مرة أخرى، أرفع رأسي احتراماً وتقديراً لكل من أسهم في إعداد «وجبة» رجب 1424ه من «التوباد»، لكنني في الوقت نفسه، أُصدقُكم القولَ بأنني كنت أتمنى أن تكون صفحاتُ هذا العدد وسواه أقلَّ عدداً، وأقوى عُدّةً وأبلغ تأثيراً، متذكراً دائماً أن تضخيم عدد الصفحات لا يساعد القارئ الجاد على هَضْم الوجبة الثقافية ولا الانتفاعِ بها، حتى وإن كانَتْ «سعرات» الفائدة بها أعلى مما في سواها! *** خامساً: وأخيراً.. هل يمكن إعادة «هندسة» الإعداد والإخراج ل«التوباد» بحيث تكون شهريةً بدلاً من فصليّة، وأن تضُمَّ صفحاتٍ أقلَّ، وأن تُنْتقَى موادُ كلّ عَددٍ انتقاءً دقيقاً يُرضي فضول القارئِ وطموحَ المطلع، وتداعيات العصر الأدبي والفكري الذي نعيش فيه. وأن تُمثَّلَ فيه الثقافة أحسن تمثيل، عرضاً ونقداً، وأن تجمع مادتُها، مزيجاً من المقال والبحث والنقد والقصيدة والقصة والمسرحية والفن التشكيلي. عندئذٍ، ستكون «التوباد» طوداً شامخاً كما نتمناها بقيمتها الفنية والأدبية، وبإضافاتها وإضاءاتها الفكرية التي نرجوها منها ولها.