وللمرة الأولى أصدِّق بعينيّ أنّ هذه القوية، الشامخة، قليلة الكلام، ذات الاعتداد الشديد، والعزم الأكيد.. تبكي... لماذا، أخطب جلل؟، وفي لمحة تساءلت في سريرتي ما العمل؟ كيف أصل إلى الأسباب، وهي شديدة الانفعال؟... هدأتها، وساعدتها على السكون، فقالت: خطأ يسير، وضاع كلّ شيء؟! ما الذي ضاع ؟ قالت جميع «برامجي»، وأعمالي، وكلّ عصارة أفكاري، وأخيلتي، وساعات صمتي وحديثي، وتفكيري وبحثي، وما... وما... ؟! كيف، ولست عليمة بدقائق الأمور في شأن ما تقول، قالت: «كمبيوتري» أصيب بالأمراض الدخيلة، هاجمته على حين غرَّة، وتوقف فيه كلّ شيء، لم يعد ينبض، ولا «حتى» يتنفس، ولا بارقة ضوء على محيَّاه... عالجته... وعالجوه... وأخضعته لطب النّطاسييِّن ممّن اختصوا في علومه... لكن: فات الأوان... ولا أملك حيلة، ولم أعد أشعر نحو هذا الجهاز بالأمان !! قلت لها: دوماً كانت العرب تقول: «كن حذراً تكن في مأمن» أو في سياق هذا المعنى، والمؤمن فطن كيِّس... أرأيت كيف يندفع الإنسان بالثقة في كلِّ جديد؟ ويستلهم المعرفة المطلقة حين يقدِّر له الحصول على جزء منها؟ ويعتمد على المنجزات اعتماده على المخلوقات؟ وهو بفطرته لا بدّ أن يتدبّر أمره ويحتاط، حتى يبلغ مكمن الثّقة بعلم، ولا يفرّط في مقدّرات اللّه تعالى فيه، ظلّت صديقتي شاحبة بالحسرة، فاقدة بألم ...، وطفقت تنقّب بين أوراقها، تبحث من جديد عن قلمها،... لكنّ ثمّة بارقة لمعت في دخيلتها ... لم أتبين في اللّحظة سرّها ؟! هل من جديد فيمنحها الأمل فيما فقدت؟ أم العزم على الأمل فيما ستُنجز ؟! غير أنّني رأيتها لا تزال لم تمدّ يدها نحو جهاز الحاسوب الذي كان يقبع في ركن من مكتبها فوق طاولته صامتاً.. جامداً لا ينطق ... بينما لا أتخيّل أن يدها، وعقلها يمكن أن يتجمدا، ولا ينطقا...، ذلك الفرق بين الجماد، والإنسان .. أحدهما من صنيع الإنسان ... والآخر من صنيع الرحمن ... فهل رحمة الإنسان بمنجَزه تمنح هذا المُنْجَز حياة مطلقة؟ أم رحمة اللّّه في خلقه هي الرحمة النّابضة التي لا تلغي فيه الحياة إلاّ حين يكون الأجل ؟... ذلك ... أمرٌ قد يمنح الإنسان لحظة تفكير، فيعود إلى مراجعة ثقته المطلقة في أمر منجزاته، فلا يمنحها مطلق الثقة.. ليفاجأ في لحظةٍ ما بفقدها. ولعلّ الإنسان يعود ذات لحظة فلا يجد أوثق من الورق ولا أصدق من الكتاب حين تلامس يداه أديمهما، ويشمّ أنفه زخم مدادهما!!