في دراسة علمية نفيسة كتبها الشيخ زيد بن محمد هادي المدخلي أحد المشايخ المعنيين بدراسة الأفكار الوافدة وأثرها على الأجيال والشباب ألَّف الشيخ المدخلي كتاباً سماه (الإرهاب وآثاره على الأفراد والأمم) وجاء في هذا الكتاب: مما لاشك فيه، ولاريب يعتريه أن قضية الإرهاب أصبحت في عصرنا هذا من أهم القضايا التي دوخت الأوساط الدولية، وأشغلت المجتمعات الإنسانية على اختلاف مللها وشتى اتجاهاتها وتنوع نظمها، والدول الإسلامية كغيرها نالها نصيب من الإرهاب على تفاوت بينها. فما معنى الإرهاب ياترى، وما هي البواعث التي تدعو إلى ممارسته، وما حجم الأضرار التي تنتج عن تلكم الممارسة الإرهابية الظالم أهلها، وأقول: الإرهاب كلمة مبني لها معنى ذو صور متعددة يجمعها الإخافة والترويع للآمنين، وقد تجاوز الإخافة والترويع إلى إزهاق الأنفس البريئة، وإتلاف الأموال المعصومة أو نهبها، وهتك الأعراض المصونة، وشق عصا الجماعة ومن ثم تغيير النعم لتحل محلها الفتن والنقم ويظهر الفساد في الأرض وتهب على الخلق ريحه النتنة وينتصب شبحه المخيف وإذ كان الأمر كذلك: 1- فما الاختطاف للبشر في المراكب الجوية أو المراكب الأرضية أو المشاة في الشوارع أو اغتيال الزعماء أو التفجير في منشآت الدول ومنشآت رعاياهم لتدمير مصالحهم إلا صورة من صور الإرهاب المنتنة الفاتنة. 2- وما التخطيط الرهيب للانقلابات على رؤساء الدول وملوك الأمة وقتل شرطهم ونوابهم في مرافق الدولة من غير طريق شرعي بل بأسلوب فوضوي بدعي إلا صورة منكرة من صور الإرهاب التي تمليها شياطين الإنس والجن على الإرهابيين وتزيينها في قلوبهم فيسقطوا في الجريمة الآثمة المروعة (جريمة الإرهاب) بدون وازع من دين أو وجل من سلطان أو استحياء من خالق الكون أو رحمة لمخلوق آمن في سربه لأنهم قد باعوا نفوسهم من الشيطان صاحب العداوة للمكلفين من عالم الإنس والجن طوعاً واختياراً فبئس الصفقة صفقتهم وساء الصنيع صنيعهم لقد اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة. وكل جريمة لها جزاء عند الله {جّزّاءْ وٌفّاقْا}، {وّلا يّظًلٌمٍ رّبٍَكّ أّحّدْا}. 3- وما السطو والهجوم على محلات التجارة ومخازن الأموال أو سرقتها أو نهبها جهاراً نهاراً إلا صورة من صور الإرهاب الإجرامي الذي لايصدر إلا من فاقدي الإيمان غالباً أو من شذاذ الأرض الصائلين على عباد الله ليحققوا مطالب نفسية ومطامع قلبية حتى ولو كانت العقوبة المرتبة على ذلك الإهانة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة. 4- وما عمل الجماعات المسلحة في بعض الأقطار التي تصول وتجول باسم الجهاد والدعوة إلى العودة إلى الشريعة الإسلامية (زعموا) فتقتل هذا، وتأخذ مال هذا، وتروع أسراً ومجتمعات وتنسف مصالح ومنشآت كمطار ومدرسة ونحوهما، إلا صورة من صور الإرهاب الرهيب المغلف والإجرام البغيض العصيب المكثف، وياليت هذا الصنف ممن أطلقوا على أنفسهم جماعة كذا، وادعوا العلم وأصدروا الفتاوى والأحكام التي تبيح دماء الحكام بل ودماء الساكتين عن مثالب الحكام والكافين أيديهم عن مصاولتهم في أوطانهم. أقول: ياليت هؤلاء بذلوا جهودهم في نشر تعاليم الإسلام بين محتاجيه عقيدة وعبادة ومعاملة وخلقاً وسلوكاً وأدباً بقدر ما يستطيعون متخذين من القرآن الكريم منهجاً، ومن السنة الصحيحة مدخلاً ومخرجاً، قبل أن يشهروا على الناس أسلحتهم ويخيفوا سبلهم ويزلزلوا أمنهم واستقرارهم بغياً وظلماً وعدواناً غير أنه باسم الغيرة على شريعة الإسلام وصلاح أمة الإسلام. وهم بهذا الصنيع يشوهون سمعة أمة الإسلام الحقيقي، ويفتحون نوافذ الذم بل أبوابها على مصاريعها لأعداء الإسلام والمسلمين من الغربيين والشرقيين ليدخلوا منها بل ويطلقوا على إسلامنا المجيد لقب القسوة والجور والتطرف والإرهاب كما يطلقون على أهله إطلاقاً عاماً بأنهم ارهابيون ومتطرفون بل ولايحترمون حقاً من حقوق الإنسانية. وذلك كله بسبب سوء التصرف في دعوة الخلق التي يجب ان تكون بالأسلوب الشرعي الصحيح والسير على منهاج الرسل والأنبياء الواضح الصريح. إنني أقول وبدون شك: إن هذا النوع من الناس هداهم الله قد تنكبوا جادة الحق والصواب في معاملتهم للناس على اختلاف طبقاتهم، ولم يسلم من شرهم أحد من الناس في أوطانهم في الجملة إلا من كان متقيداً بخطط التنظيم الحزبي الحركي الذي يهدم ولايبني ويفسد كثيرا ولايصلح وكم من عالم سلفي نحرير وعاقل من عقلاء المسلمين بصير قد ناداهم بما تحمل كلمة النداء من معنى وحذرهم من سوء التصرف باسم تبليغ الدعوة إلى الله. وذلك كعمليات القتل والسلب والنهب والاعتداء على الحرمات، ولو كانوا من النصارى المستأمنين، والتغرير بالشباب السذج ليثوروا فيمسوا في غياهب السجون بدون ان يحققوا لدعوة الحق فتيلا ولا قطميراً لدخولهم من غير بابها الشرعي الصحيح. وربما أقبلوا إلى ذلك المنادي الناصح الأمين العارف بأسلوب الدعوة إلى الله رب العالمين فقالوا في حقه: إنه عميل أو مداهن أو جبان أو لايعرف الواقع ولايحمل شيئا من هم الإسلام والمسلمين. فمن مثل هؤلاء لا يسمع النداء وفيهم لاتجدي النصائح على حد قول القائل: لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد وعلى مثل مواقفهم من العلماء الفقهاء النصاحين، والحكماء الصادقين المخلصين ينطبق قول القائل: فمنزلة السفيه من الفقيه كمنزلة الفقيه من السفيه فهذا زاهد في حق هذا وهذا فيه أزهد منه فيه إنني أقول، وأعوذ بالله من سوء القول: لو أن كل من قام يدعو إلى الله سلك مسلك علماء السلف الذين ترسموا خطى الأنبياء والرسل في دعوتهم لشرح الله لها صدور كثير من العالمين ولأصغوا إليها طوعاً واختياراً {فٌطًرّتّ اللهٌ الّتٌي فّطّرّ النَّاسّ عّلّيًهّا} ولكن أولئك الذين رسموا لأنفسهم مناهج أخرى غير منهج علماء السلف، ومن سار على نهجهم، في الدعوة إلى الله وسيلة وغاية، لم يظفروا بشيء من تحقيق الغايات التي حطموا فيها قواهم، وأضاعوا فيها جهودهم. والله يعلم بكنه تلك الغايات ومكنون السرائر والنيات. ولم يبعد النجعة ولم يقل جنفاً من خاطبهم بقول القائل: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لاتجري على اليبس 5- وما الاعتداء الإرهابي الظلوم على الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه، إلا صورة من صور الإرهاب الظالمة المظلمة. ذلك أنه كان يطوف بالبيت صباح يوم الجمعة سنة 1353ه طواف الإفاضة، فبينما هو في الشوط الرابع من طوافه ومعه ابنه الأكبر سعود بن عبدالعزيز ومعهما ثلة قليلة من رجال الأمن والحرس، فإذا برجل غادر فاجر يخرج من الفجوة الشامية من حجر اسماعيل، وقد استل خنجراً وصاح صيحات منكرة واندفع نحو الملك، فتصدى له الشرطي أحمد بن موسى العسيري إلا أن الغادر عاجله فطعنه فقتله، ثم تصدى للغادر الملحد جندي آخر فقتله، وتصدى له أحد رجال الحرس الملكي فأطلق عليه رصاصة فأرداه قتيلا، ثم خرج مجرم ثان فتصدى له جندي من الحرس فقتله فخرج ثالث فرأى ذعراً فولى هارباً، وأدركته رصاصة أحد رجال الأمن فخر صريعاً، وأمر الملك بقفل الأبواب حتى أكمل طوافه، وحرصوا على كتم ماحصل لئلا يلحق الحجاج شيء من الخوف والقلق فيؤثر في حجهم. وكان الإرهابيون ثلاثة ممن امتلأت قلوبهم غلاً وحقداً وحسداً لهذا الإمام الذي أحيا الله بإمامته السنن، فارتفع علمها مرفرفاً على الجزيرة وانتشرت دعوة الهدى والنور حتى بلغت الآفاق البعيدة في أرض الله المديدة، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فرحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مأواه، والنار لأعداء دين الله الذين يحرصون دائماً على نشر الفساد في أرض الله. 6- وما الحركة الإرهابية المشؤومة التي قامت بها عصابة شر غالية متطرفة، أصحاب منامات سخيفات وأماني كاذبات، إلا صورة واضحة من صور الإرهاب الذي حاق بأهله سوء العذاب. وكان من خبر هذه الزمرة أنهم دخلوا البيت الحرام يوم الثلاثاء أول يوم من شهر الله المحرم عام 1400ه ومعهم مهديهم المدعو محمد بن عبدالله القحطاني يرافقه ويشجعه وينطق بلسانه جهيمان بن سيف العتيبي، ومعهم أسلحة وذخيرة، فطالبوا المسلمين بمبايعة المهدي المزعوم تحت وطأة الضغط والقتل والترويع للمسلمين عموماً ولأهل الحرم خصوصاً، ويالله كم سفكوا من الدماء ظلماً وعدواناً، وناداهم العلماء لينزلوا على حكم شريعة الله فيهم، فأبوا إلا مواصلة السير في الشر والفساد والفسوق والعصيان والعناد. فتصدت لهم جنود الله البواسل، رجال الشجاعة والتوحيد من الجيش السعودي، فأرغموهم على الاستسلام، وقبض على مائة وسبعين منهم أحياء لاستجوابهم ثم تنفيذ شرع الله فيهم. وتم تنفيذ حكم القتل في ثلاثة وستين فرداً، والباقي استحقوا عقوبات التعزير بالسجن والأسواط، وطهر الله الحرم الشريف من تلك الزمرة الباغية الإرهابية. ومن المؤسف حقاً أنهم أطلقوا على أنفسهم جماعة الحديث قلت: وإن كانوا يحفظون شيئاً من ألفاظ الحديث إلا أنهم حرموا من معرفة معانيه وعلى الباغي تدور الدوائر. 7- وما صنيع تلك الشرذمة الظالمة والعصابة الملحدة الذين استهدفوا حرم الله الآمن وقاموا فيه بزرع متفجرات مدمرة في حج عام 1409 ه إلا صورة من صور الإرهاب التي خطط لها من مكان بعيد، ونقلت جاهزة مهداة من اللئام إلى بيت الله الحرام. وقد أمكن الله منهم إثر الانفجار بزمن يسير حيث قبضت عليهم السلطات السعودية بعون من الله الذي يغار إذا انتهكت محارمه. وقد سئلوا عن مقصودهم من هذا العمل الإرهابي، فأفادوا بأنهم يقصدون إثارة الرعب في الحجاج وزعزعة الأمن في الديار المقدسة، بالإضافة إلى طمعهم في الجائزة المغرية التي قد وعدهم بها سادتهم قادة الإرهاب في هذا العصر الحديث فجاءتهم والحمد لله جائزة من جنس عملهم الخبيث حيث قدموا إلى المحكمة الشرعية الكبرى في أم القرى، فلم يحكموا فيهم بقانون وضعي، وإنما حكموا فيهم بشريعة الله العادلة، وقد أيد الحكم من الجهات المختصة وكان مفاده قتل ستة عشر شخصاً مكلفاً عاقلاً نفذ فيهم حكم القتل في 21/2/1410ه وتعزير الباقين بالسجن والجلد المناسبين لقدر المشاركة في جريمة التفجير {وّلا يّحٌيقٍ المّكًرٍ السَّيٌَئٍ إلاَّ بٌأّهًلٌهٌ} {وّلا تّكًسٌبٍ كٍلٍَ نّفًسُ إلاَّ عّلّيًهّا}. 8- وما غزو صدام حسين تلميذ ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث الملحد للكويت عام 1411ه وحشده ألوية من جنود الشيطان مسلحة بأحدث الأسلحة من جيشه الغادر الفاشل على حدود المملكة العربية السعودية، بل ودخوله في جزء من أراضيها بل وإرساله صواريخ اسكود إلى قلب الرياض المتميزة بعقيدة الإسلام والمعتزة بشريعته والمبارزة لحزب البعث العراقي بالعداوة، إلا صورة غريبة من صور الإرهاب الذي أدهش العالم بأسره وبالأخص دول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية. فرد الله الأبعد خائباً خاسراً، تحت ضربات من سخر الله أهلها وسلطهم على ذلك المصدوم وجنده، فمزقوهم كل ممزق وساموهم سوء العذاب بعد ان أظهروا في الأرض الفساد. ويالله كم من عرض عفيف انتهكوه، وكم من مال وفير لصاحبه نهبوه، وكم من دم معصوم استحلوه وأهدروه بدون خوف من الله ولا رحمة بالضعفاء من عباد الله ولا مراعاة لما هو معروف بين الدول من العهود والمواثيق التي تنص على الاحترام المتبادل وعدم التدخل بما يضر في شؤون الآخرين. وإنه لينطبق عليه قول الله عز وجل {وّالَّذٌينّ يّنقٍضٍونّ عّهًدّ اللهٌ مٌنً بّعًدٌ مٌيثّاقٌهٌ وّيّقًطّعٍونّ مّا أّمّرّ اللهٍ بٌهٌ أّن يٍوصّلّ وّيٍفًسٌدٍونّ فٌي الأّرًضٌ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمٍ الّعًنّةٍ وّلّهٍمً سٍوءٍ الدَّارٌ }. ومع هذا فكم من مناسبة يذكر فيها صدام مؤسس حزبه وباني مجده، كما زعم ميشيل عفلق، ولم يذكر في ساعة من ليل أو نهار المدد العريض الذي كانت الأمة الإسلامية تمده به إبان حربه مع إيران والتي انتهت بأخسر صفقة لشعب العراق، تسبب فيها رئيسه صدام، فقد تنازل عن مناطق النزاع وعن مطالبه التي قامت من أجلها المعارك وهذا الصنيع هو صنيع اللؤماء الذين ينطبق عليهم قول الشاعر: إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا 9- وما التفجير العشوائي الذي جرى من طغمة باغية فاسدة في مدينة الرياض في العليا يوم الاثنين الموافق للعشرين من الشهر السادس عام 1416ه إلا صورة من صور الإرهاب الذي أخاف البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وتفتت قلوب أهلها أسى وكمداً حينما اتضح ان الجناة من جنسية سعودية تتلمذوا على أشرطة ألهبت مشاعرهم وأوغرت صدورهم ضد الحكام المسلمين والعلماء الربانيين، فخططوا لتلك الجريمة النكراء التي ما كان أحد من ا لناس يتوقعها بتلك الصورة المروعة فقد ذهب ضحيتها أنفس بريئة لها حق الأمان في الدولة المسلمة كما ذهب ضحيتها أموال محترمة معصومة ولكن الجناة لايعقلون، وقد أمكن الله منهم ونفذ فيهم حكم الشرع الشريف بقتلهم وتطهير الأرض من فسادهم وأفضوا إلى ربهم، يحملون أوزارهم على ظهورهم، ونعوذ بالله من سوء الخاتمة. 10- وما التفجير الأخير الذي جرى يوم الثلاثاء التاسع من شهر صفر عام 1417ه في مدينة الخبر في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية إلا صورة مخيفة من صور الإرهاب الظالم أهله. والحقيقة لقد كان هذا التفجير الأخير أشد ضرراً من سابقه الذي كان في مدينة الرياض، وذلك لكثرة ما نتج عنه من قتل وجروح في المسلمين والمستأمنين، ولكثرة ما نتج عنه من إخافة وترويع للآمنين في هذه البلاد من أهلها ومن الوافدين إليها بطريق النظام بالإضافة إلى الخسائر المادية، التي فاقت خسائر التفجير الذي تم قبله ببضعة أشهر، ونسأل الله ان يجعل العثور على الجناة الإرهابيين سهلاً كي يحكم فيهم شرع الله الكريم وليكونوا عبرة لغيرهم ممن لايرد عنهم إلا سيف الحق الذي ينتضيه من ولاه الله أمر أمة من الأمم واسترعاه إياهم حقبة من الزمان. هذه صور من صور الإرهاب الذي ابتليت به بعض البلدان الإسلامية ومنها بلادنا العزيزة ونالها نصيبها منه وذلك منذ ان تولى الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عليها ووحدها بفضل من الله وعون على كلمة التوحيد والاستسلام لشرع الله المطهر ورفع عنها الظلم بكافة أنواعه ونشر العدل بجميع صوره واعتبر ذلك من أفضل أعماله بعد توحيد الله وإقامة فرائضه التي يرجو بها رحمة الله وجزيل ثوابه. ولقد روت لنا وثائق التاريخ قوله وهو يطمئن العالم الإسلامي «لقد آلت مقاليد الحرمين الشريفين إلى أيد أمينة لقد قضينا على الظلم، ونشرنا العدل في ربوع البلاد، وليس أشهى إلى قلوبنا من إقبال المسلمين على الحج من جميع أنحاء العالم الإسلامي، الطرق مفتوحة ولن يتعرض أحد لكم بسوء فاطمئنوا كل الاطمئنان ونحن أنفسنا سنذهب إلى مكة لنجتمع بالوفود الإسلامية، ونرحب بها، ولقد ألقينا على أنفسنا ان نعيد للحج ازدهاره ومجده القديم إلى ان قال رحمه الله (إنني أنا وأسرتي وشعبي وجندي جند من جنود الله نسعى لخير المسلمين، ولتأمين راحة الوافدين إلى بيت الله الحرام) قلت: يالله إنه لوعد صادق وفَّى به ذلكم الإمام الذي يعتبر من المجددين للإسلام في زمانه يشهد له بذلك كل عدل صادق ومنصف وإن جحده كل مشاق لله ورسوله ومسرف. إن هذه الكلمات الدرر التي حفظتها لنا وثائق التاريخ لتطمئن قلوباً تحب الخير وأهله وتبارك مسيرتهم وفي نفس الوقت هي صواريخ رجم بها ذلكم الإمام المؤمن الشجاع أصحاب القلوب القاسية والمريضة وأهل النفوس الظالمة البليدة التي تهوى الشر والبغي والفساد، ولو رأت فيه حتفها في الدنيا وشقاءها يوم الميعاد. وإذ كان الأمر كما رأيت فلا غرابة ان يسود في هذه الجزيرة الأمن والأمان، وينعم أهلها بنعمة الإسلام والإيمان والإحسان، ورغد العيش من ذلك الزمان إلى مايشاء الله الملك الديان من مستقبل الزمان، وحقاً إننا لنشهد اليوم الراكب يسير من شمال الجزيرة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها لايخاف أحداً إلا الله فله الحمد والمنة ونسأله تمام النعمة وكشف الغمة، ثم للإمام عبدالعزيز من كل فرد من أفراد هذه المملكة جزيل الشكر وخالص الدعاء من يوم ان توحدت على يديه وواصل مسيرة الخير والعطاء من بعده أبناؤه الكرام إلى يومنا هذا وإلى مايشاء الله من مستقبل الأعمار والزمان. وأقول أيضاً: بأبه اقتدى عديٌّ في الكرم ومن يشابه أباه فما ظلم فقد قال إمامنا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، أطال الله بقاءه على طاعته ورضاه وجعل حياته وحياة جميع ولاة أمرنا وعلمائنا حياة طيبة مباركة فيها عز الإسلام وصلاح المسلمين، قال: (الحمدلله الذي وهبنا من لدنه نعمة الحياة والجوار في كنف البلد الآمن، والحرم الآمن، وجعل خدمة الحرمين الشريفين وخدمة الحجاج والعمار والزوار أعظم مسؤوليتنا وأسماها وأشرفها). أعود فأقول: إن الإرهاب بمعنييه اللغوي والاصطلاحي داء عضال وخلق ذميم ومصيبة عظمى عمت العالم بأسره، وهو في كل بلد له صوره ودوافعه وآثاره وعلاجه بحسب ما في تلك البلدان من قوانين ونظم وعادات وتقاليد أو إسلام وأخلاق وقيم، وحسبي هنا ان أتحدث عن علاج الإرهاب وبيان من يجب عليهم التصدي لتقديم ذلك العلاج غير أني قبل ان أدخل في هذا الموضوع أحب أن أذكر بشيء عرفه القاصي والداني من الناس ألا وهو أن هذه البلاد المملكة العربية السعودية بقيادة الملوك من آل سعود وفقهم الله لنيل رضاه من عهد إمامة الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى عهدنا هذا عهد خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله، لايقع فيها شيء يسمى إرهاباً على يد هواة الباطل وشذاذ الخلق إلا كتب الله للدولة وشعبها على مرتكبيه النصر المؤزر وينزل بالإرهابيين سوء العقاب. والوقائع الإرهابية التي تحدثت عن شيء منها فيما مضى خير شاهد على ما أقول. علاج الإرهاب وأطباؤه في نظر الإسلام: إن علاج هذا المرض بل والوقاية منه هو التوعية الإسلامية الرشيدة التي لايحسنها إلا العلماء السلفيون الربانيون الذي ينطلقون في توعيتهم للخلق ووعظهم وإرشادهم من منطلق الرسل الكرام والأنبياء العظام الذين بعثهم الله دعاة ومعلمين للأنام. ذلكم المنطلق هو الوحي الإلهي الذي به تحيا القلوب من أمراضها وتطمئن النفوس من حيرتها واضطرابها، إلا من غلبت عليه الشقوة وكان في اللوح المحفوظ من الضالين فإنه ينطبق عليه {إنَّكّ لا تّهًدٌي مّنً أّحًبّبًتّ وّلّكٌنَّ اللّهّ يّهًدٌي مّن يّشّاءٍ وّهٍوّ أّعًلّمٍ بٌالًمٍهًتّدٌينّ}. ومتى لم تنفع المواعظ والكتب فسوف ينفع الله بسيف الحق الذي وضعه الله في يد السلطان المسلم في الأرض كما في الحديث الطويل الذي منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولتأخذن على يد المسيء ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، أو ليلعنكم كما لعنهم» الحديث. هذا ولايغيب عن البال ان للمجتمع دوراً مهماً في تقديم الوقاية والعلاج لداء الإرهاب غير أنه لايكون للمجتمع تأثير صالح إلا إذا كان يتمتع بفطرة سليمة وثقافة إسلامية قويمة، أما إذا كان بعكس ذلك فإن فاقد الشيء لايعطيه. وقصارى القول يامحبي الخير للغير فإن العلاج لداء الإرهاب في البلدان الإسلامية أصحاب العقيدة الصحيحة السليمة هو الوحي الإلهي الذي يحمله ويبلغه من يعقل معناه ويحسن تبليغه وإن الأطباء هم ولاة الأمر من العلماء الربانيين والحكام الصالحين ثم المجتمع بنوعيه الصغير والكبير الداخلي والخارجي الموصوف بما ذكر آنفاً {مّن يّهًدٌ اللهٍ فّهٍوّ المٍهًتّدٌ وّمّن يٍضًلٌلً فّلّن تّجٌدّ لّهٍ وّلٌيَْا مٍَرًشٌدْا}. وأما علاج الإرهاب في الدول الكافرة فمصدره الذي ارتضوه لأنفسهم هو القوانين الوضعية التي ان حققت شيئا من دفع الضرر فلابد ان يكون ذا عوج، ومن ثم يزداد داء الإرهاب في بلادهم كثرة وانتشاراً ويتوارثونه جهاراً نهاراً لأنهم لايرجون لله وقاراً وقد خلقهم أطواراً. ومن المؤسف أشد الأسف ان معظم الدول الإسلامية قد قلدت دول الكفر في ممارسة الحكم بالقوانين الوضعية في حل القضايا التي لايجوز ان يحكم فيها قانون وضعي، بل يجب ويتعين ان يحكم فيها شرع الله الكامل المطهر. لأن الدول الإسلامية تنتمي إلى الإسلام وتفاخر به في إعلامها وشعاراتها، بيد انها نحّت أحكامه عن جل قضاياها تقليداً منها لمن لا خلاق لهم من أئمة الكفر ومردة الملحدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون».