بانفراج الأزمة بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء المكلف محمود عباس أبو مازن حول تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وضعت السلطة الفلسطينية الكرة في الملعب الأمريكي والإسرائيلي لتنفيذ الوعود الأمريكية بإخراج خريطة الطريق إلى النور والضغط على الجانب الإسرائيلي للقبول بتنفيذها دون أية تعديلات. الأزمة التي انفرجت بعد ضغوط دولية وعربية على الرئيس الفلسطيني عرفات كان محور الخلافات فيها بين عرفات وأبو مازن حول قبول أو عدم قبول تعيين محمد دحلان المدير السابق للأمن الوقائي الفلسطيني في منصب وزير الدولة لشؤون الأمن الداخلي إلى الحد الذي كان يهدد بفشل أبو مازن في تشكيل حكومته قبل المهلة الممنوحة والبدء في البحث عن بديل آخر من قبل الرئيس عرفات وانتهى الأمر إلى اذعان عرفات للضغوط الدولية بقبوله تثبيت دحلان في منصبه كوزير دولة للشؤون الداخلية مع احتفاظ أبو مازن بحقيبة الداخلية. دحلان والخريطة المعروف ان الجميع الآن في انتظار ان تعلن امريكا فقط خريطة الطريق وامريكا تشترط لإعلانها ان ينتهي أبو مازن من تشكيل حكومته وحصولها على ثقه المجلس التشريعي الفلسطيني وإذا كان أبو مازن قد انتهى من 99% من تشكيل الحكومة ولم تبق سوى وزارة الداخلية المرشح لها دحلان هي محل الخلاف فقد اصبح حلم الدولة الفلسطينية المقرر اقامتها عام 2005 وفق خريطة الطريق مختزلا في محور دحلان الذي تريده امريكا واسرائيل ولا يريده عرفات والفصائل الفلسطينية لأنه من وجهة نظرهم يبدي رغبة حقيقية في مواجهة المقاومة الفلسطينية في حين كان هناك اصرار من جانب الرئيس عرفات على استبعاد دحلان من تشكيل الحكومة لوجود معارضة كبيرة له في الداخل الفلسطيني حيث يرى فيه الفلسطينيون انه سيكون أداة القمع الإسرائيلية ضد منظمات وحركات المقاومة الفلسطينية من خلال جهاز أمني جديد ستقوم الحكومة الجديدة بإنشائه لمحاربة المعارضة الفلسطينية المسلحة وهي مخاوف سادت الشارع الفلسطيني في الفترة الأخيرة خاصة بين منظمات المقاومة والفصائل الفلسطينية التي تعارض في الاساس خارطة الطريق وعبرت عن قلقها إزاء أهدافها الأمر الذي دفع بالسلطة الفلسطينية إلى ان تنفي إنشاء هذا الجهاز الأمني وقالت إن هذه اشاعات يجري تسريبها بهدف العبث في الساحة الفلسطينية في اشارة واضحة إلى محاولات إسرائيلية لافشال أي محاولة لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني. ومن جانبهم رأى المراقبون الفلسطينيون ان هذا الجهاز الأمني إحدى ادوات العقيد محمد دحلان الذي رشحه أبو مازن لتولي حقيبة وزير الدولة للشؤون الداخلية في حكومته ولم يخل الأمر من تلميحات إسرائيلية بان دحلان قادم إلى وزارة الداخلية لسحق حركتي حماس والجهاد وهو الأمر الذي نفاه مقربون من دحلان ولعل حركة المقاومة الاسلامية حماس قد لخصت موقف الفصائل الفلسطينية بقولها إنها سترحب بالحكومة الفلسطينية الجديدة إذا عملت على محاربة الارهاب الإسرائيلي لكنها إذا أرادت محاربة المجاهدين فشعبنا لن يرحب بها. ويرى المراقبون ان اذعان عرفات للضغوط لا يعني انتهاء المعركة بينه وبين أبو مازن في المستقبل ويقولون بان حكومة أبو مازن التي يضعها الامريكيون والاسرائيليون شرطا لطرح خارطة الطريق لا تزال تواجه التهديدات بفشلها حيث لا زالت تحتاج إلى ثقة المجلس التشريعي الذي سيكون ساحة المعركة الفاصلة. ويرجع المراقبون الصعوبات التي تواجه الحكومة في انه ليس هناك ما يضمن ان تحظى الحكومة بثقة أعضاء المجلس التشريعي حتى لو اعلن عرفات قبوله بها وبدحلان نتيجة الضغوط والتهديدات السياسية. واعتبر المراقبون ان ما جرى يشكل بداية مرحلة جديدة للفلسطينيين لا تعرف ملامحها وذلك في انتظار النشر الأمريكي لخطة خريطة الطريق التي تحمل مزيدا من المصاعب والمشاكل للفلسطينيين في ظل الموقف الإسرائيلي الرافض لتطبيقها بحذافيرها ووفقا للجداول الزمنية والمتوازية في تنفيذ الاستحقاقات من جانب الطرفين كليهما وربما مثل ايحاء إسرائيل بانها تفضل أبو مازن ودحلان صعوبة في قيام الرجلين بمهامهما في المستقبل. عراقيل إسرائيلية خبرة العرب والفلسطينيين خلال أكثر من نصف قرن من التعامل والتفاوض مع الجانب الإسرائيلي لا تحمل على الكثير من التفاؤل بشأن التزام الجانب الإسرائيلي بخريطة الطريق في حال اعلانها ولم يخل الأمر منذ بداية الحديث عن خريطة الطريق من محاولات إسرائيل لافشالها ووضع العراقيل أمامها بطلب ادخال العديد من التعديلات عليها ووضع الكثير من الشروط قبل حتى الموافقه على اعلانها. ويرى كثيرون ان رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون لن يألو جهدا في سبيل اجهاض وافشال خريطة الطريق حتى وان اصر عليها المجتمع الدولي كله ووفق تصريحات مقربين من شارون فانه لا يوافق على خريطة الطريق حتى وان اعلن غير ذلك وأنه سيعمل كل ما في وسعه من اجل افشالها لكنه يفعل ذلك بذكاء حاد ويفسح المجال أمام الفلسطيني ليقعوا في الخطأ ويحملهم المسؤولية عن الفشل خاصة الرئيس عرفات ولذلك فالمحللون يرون في أقوال وممارسات شارون في موضوع خريطة الطريق هي مجرد تكتيك مخادع ينتهجه شارون بهدف التخلص من مصيدة خريطة الطريق فهو يعرف ان هناك بنودا لا يستطيع الفلسطينيون تنفيذها كما يجب اقناع الامريكيين بإضافة بنود اخرى لتعجيز الجانب الفلسطيني. ويرى الاسرائيليون ان الإدارة الأمريكية ستأخذ في الاعتبار بعض الاعتراضات الإسرائيلية على خطة خريطة الطريق وان الرئيس بوش سيفعل ذلك فقط بعد نشر النص النهائي للخريطة وبناء على هذه التطمينات الأمريكية اتجهت إسرائيل إلى منح الفلسطينيين تسهيلات في المناطق الفلسطينية منها ما هو انسحاب من مراكز ومدن ومنها ما هو فك حصار عن بعض المدن وما إلى ذلك في حين تحاول قوات الاحتلال انهاء عملياتها العسكرية بسرعة قبل البدء في أية مفاوضات وهو ما يفسر تصعيد العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين مؤخرا حتى يمكن تحقيق اكبر قدر من المكاسب قبل الدخول في المفاوضات ولعل العراقيل الإسرائيلية قد بدأت مبكرا بطلب ادخال تعديلات عديدة على خريطة الطريق وفرضت نفسها على الحوار الداخلي الفلسطيني من أجل تشكيل حكومة فلسطينية اشترطتها الولاياتالمتحدة قبل إعلان الخريطة فضغطت لتولي أبو مازن مهمة تشكيل الحكومة ورئاستها ثم ضغطت مؤخرا من أجل تولي دحلان حقيبة الداخلية في الحكومة الجديدة لما تراه فيه من أداة جيدة لضرب منظمات المقاومة الفلسطينية وفي كل مرة تضع إسرائيل السلطة الفلسطينية أمام خيار القبول بمطالبها أو تحمل المسؤولية عن فشل خريطة الطريق واعادة الامور إلى نقطة الصفر وتعلق إسرائيل آمالا كبيرة على أبو مازن ودحلان في وقف العمليات الاستشهادية ضد الاسرائيليين في حين يواجه الرجلان مهمة صعبة في مواجهة المعارضة الفلسطينية لهما. وعود أمريكية في الميزان رغم وجود شكوك لدى الشارع العربي في مصداقية امريكا فيما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية وإعلان خارطة الطريق إلا ان هناك من المراقبين من يرى بوجود مؤشرات ايجابية تدعو للتفاؤل أولها ان التقارير الواردة من واشنطن تشير إلى ان الإدارة الأمريكية ابلغت شارون ان خريطة الطريق سوف تنشر دون تعديل وانه لن تجرى مفاوضات من أجل اجراء تعديلات على هذه الخطة كما كانت تطلب إسرائيل، وثانيا ان باول قد صرح ردا على الانتقادات العربية التي توجه لبلاده بانها تتبنى معايير مزدوجة قائلا ان امريكا سوف تظهر في الاشهر المقبلة ان لديها معيارا واحدا. في حين يرى مراقبون آخرون ان هذا وحده لا يبعث على التفاؤل قبل ان توضح الإدارة الأمريكية كيف ستوازن بين الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية والحقوق الشرعية الفلسطينية في اقامة دولة مستقله على كامل التراب الوطني الفلسطيني والاهم هو كيف سيتم تنفيذ تلك الرؤية الأمريكية من خلال جدول زمني محدد مع الزام إسرائيل بتنفيذها خاصة بعد ان تمادت إسرائيل في تجاهلها للاتفاقيات التي وقعتها قبل ذلك. بل ان هناك مخاوف من التزام الولاياتالمتحدة نفسها بوعودها فيما يتعلق باقامة الدولة الفلسطينية المحدد لها عام 2005 وهو تاريخ من وجهة نظر المحللين يثير الارتياب فانتخابات الرئاسة الأمريكية ستجري في نوفبمر 2004 وقد يعاد انتخابات بوش وقد ينتخب غيره رئيسا لأمريكا وهذا الرئيس الجديد قد لا يلتزم برؤية بوش مثلما لم يكمل بوش نفسه مباحثات كامب ديفيد التي توقفت بعد كلينتون وهناك اتفاق في الاوساط العربية على ان هناك التزاماً امريكياً بأمن إسرائيل مما يتطلب عدم قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل إلا بعد ان تنتهي أمريكا من القضاء على أو تحييد جميع مصادر الخطر المحيطة بإسرائيل والتي ترى إسرائيل انها تهدد أمنها. ومما لا يدعو للاطمئنان ان صقور واشنطن بدأوا حملة لعرقلة إعلان خريطة الطريق وتوجيه انتقادات لاذعة إلى الخارجية الأمريكية في هذا الشأن في محاولة لقطع الطريق على واشنطن للضغوط على إسرائيل لتقديم أي تنازلات للفلسطينيين ويأتي هذا في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن ان الإدارة الأمريكية تدرس إمكانية عقد قمة فلسطينية إسرائيلية في واشنطن تجمع أبو مازن وشارون لعرض خريطة الطريق عليهما فيما يمهد باول لزيارة المنطقة مطلع الشهرالمقبل فيما قيل انه تمهيد للقاء القمة المقبل والذي سيحدد وفق رؤية المراقبين مصير خريطة الطريق.