رغم الارتياح الذي قوبل به تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة أبو مازن الا ان هناك العديد من التحديات والعقبات امامها ومطلوب منها تخطيها تمهيدا لتنفيذ خارطة الطريق ورغم القبول الدولي بالحكومة الجديدة إلا ان إسرائيل تضع امامها العراقيل تطالبها بوقف المقاومة وليس فقط العمليات الفدائية ضد المدنيين. فهل تستطيع الحكومة الفلسطينية الجديدة تخطي العقبات والعراقيل والتغلب على التحديات التي تواجهها؟ حول هذه التساؤلات التقت «الجزيرة» بنخبة من الخبراء والمحللين السياسيين يؤكد الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة انه رغم الجهود الهائلة التي بذلت لتشكيل حكومة محمود عباس ابو مازن والتي تعد خطوة تمهيدية لبدء السير في خريطة الطريق الا ان الضربات بدأت توجه لتلك الحكومة حتى قبل إعلان تشكيلها من اتجاهات مختلفة خاصة حركة حماس والرافضة لوقف الانتفاضة على الرغم من ان مواقف ابو مازن تتصل فقط بعسكرة الانتفاضة كما بدأ اليمين الإسرائيلي المتطرف يسير في الاتجاه نفسه بعدم تقديم أي تسهيلات تتيح للحكومة الجديدة القيام بمهامها حتى تلك المهام التي تطالبها إسرائيل رسميا بها وبلغت عمليات التدمير ذروتها بعد اقرار البرلمان الفلسطيني التشكيل الحكومي بساعات فقد نفذت عملية فدائية كانت معدة لتلك اللحظة بهدف إفشال كل شيء فهناك عملية منظمة تتم على الجانبين تهدف إلى استمرار حالة الانهيار الحالية وهي مسألة تحتاج إلى خطوات لابد من القيام بها وهذا ما يمثل اصعب التحديات على حكومة ابو مازن وهنا يتطلب الامر ممارسة المزيد من الضغوط الدولية على إسرائيل بشأن وقف عملياتها العدوانية والالتزام بتنفيذ مسئولياتها المدرجه ضمن المرحلة الاولى من خارطة الطريق وهذا ما أكده الاتحاد الاوروبي عندما طالب إسرائيل بضرورة موافقتها على خريطة الطريق دون شروط ويرى السفير طه الفرنوان مدير ادارة فلسطين السابق بالجامعة العربية ان إسرائيل تضع التحديات امام حكومة أبو مازن فبعد ان كان الأمريكيون والاسرائيليون يعتبرون ان طريق السلام الإسرائيلي الفلسطيني سيفتح على مصراعيه في حالة تشكيل الحكومة الفلسطينية وبرئاسة ابو مازن ها هي قد تشكلت الحكومة واعلنت برنامجها السلمي ولكن إسرائيل ردت على ذلك بأنها تريد افعالاً لا اقوالاً وتريد شن حرب فعلية ضد ما يسمى بالارهاب وهنا يجب تذكر ان طلب شارون السابق كان قترة هدوء لمدة سبعة ايام اما الان فانه يريد استئصال المنظمات الفدائية من جذورها واعتقال اعضائها ومحاكمتهم. وفي الوقت الذي ينتظر فيه العالم بادرة حسن نية من الجانب الإسرائيلي بعد تشكيل الحكومة الجديدة أو ما يسمى بخطوات لبناء الثقة لم يحدث من الجانب الإسرائيلي ما يشير إلى هذا بل وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي تساؤل موفاز ان هناك بؤرتين للقيادة في السلطة الفلسطينية واحدة للرئيس عرفات والثانية لابو مازن واصبحت المهمة الاولى والعاجلة للحكومتين الإسرائيلية والأمريكية هي مراقبة نفوذ عرفات على الحكومة الجديدة وبدا واضحا ان الشرط الجديد المطروح بشكل عاجل هو ابعاد نفوذ عرفات واعلنت إسرائيل رفضها لما قاله ابو مازن من ان حكومته ستضع في مقدمة اولوياتها مسألة رفع الحصار المفروض على عرفات وكما جرت العادة فان الموقف الأمريكي يتطابق مع الموقف الإسرائيلي ومن الواضح ان شارون يريد تحويل الامر كله إلى جدل عقيم ومفاوضات طويلة ومريرة ويوكل للحكومة الجديدة المهمة التي فشل في تحقيقها على مدى عامين وهي وأد الانتفاضة وقمع المقاومة وهذا مطلب صعب ومن اكبر التحديات. انقسام محتمل ويشير الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى ان هناك مؤشرات تذهب إلى ان حكومة ابو مازن لن تواجه الكثير من الصعوبات في المرحلة القادمة على رأسها وجود رغبة امريكية في نجاح حكومة ابو مازن رغم محاولات إسرائيل لعرقلة ذلك كما ان ابو مازن يحظى بتأييد دولي من جانب أطراف عديدة معنية بعملية السلام بالاضافة إلى ما يتمتع به ابو مازن نفسه من قبول داخلي كاحد رموز العمل الفلسطيني ولا تلاحقه اتهامات من قوى سياسية فلسطينية عدة بالتفريط في الحقوق وتقديم تنازلات تدريجية ولا يقع تحت حصار مثل عرفات واكد جاد ان ابو مازن مدعوم من أطراف دولية لا يستطيع احد ان ينكر قوة حضورها في القضية الفلسطينية واذا قام بما هو مطلوب منه سيجد من يدعمه من الخارج الذي يفرض نفسه على القضية الفلسطينية وهذه الأطراف يمكن ان تقدم انفراجات متتالية قد تؤدي إلى تمكين ابو مازن من مواجهة من يعارضونه في الداخل وسيكون هذا مضمونا اذا اوحت هذه الاطراف للفلسطينيين ان ابومازن شخص مقبول يضمن وجوده الابقاء على خيار السلام قائماً ومنع إسرائيل من اطلاق يدها في تصفية القضية الفلسطينية. وأضاف أن تأييد هذه الاطراف لحكومة ابومازن ودعمها مرهون بقيامها بتنفيذ ماهو مطلوب منها والاولوية في ذلك لوقف عسكرة الانتفاضة الفلسطينية حتى وان كانت هناك معارضة في الداخل لذلك واتهامات بانها املاءات قسرية على ابو مازن تهدف إلى شق الصف الفلسطيني والقضاء على الانتفاضة الفلسطينية وهو الهدف الذي ضغطت من اجله الأطراف الدولية لتصعيد حكومة ابو مازن ولا شك ان تحقيق حكومة ابو مازن لهذه المعادلة لن يمر دون إحداث انقسامات وتصادمات داخل الصف النضالي الفلسطيني وهو ما ستحرص إسرائيل على تحقيقه في الفترة القادمة. واشار جاد إلى ان هناك احتمالات قائمة لحدوث هذا الانقسام والذي ربما يحدث داخل الشارع الفلسطيني نفسه والذي سيعمل على عرقلة ما يتخذ من اجراءات من جانب حكومة ابو مازن تحقيقا للمطالب الخارجية وقد يحدث الانقسام ايضا بين رموز العمل الوطني الفلسطيني خاصة وان فشل ابو مازن سيشجع اخرين على محاولة اخذ مكانه بعد ان تأكد لهم ان عملية فرض رئيس وزراء على عرفات قابلة للتكرار وهناك كثيرون على استعداد للعب هذا الدور وربما حدث الانقسام بين ابو مازن وعرفات نفسه وخصوصاً ان عملية تعيين دحلان وانتصار ابو مازن في النهاية وضعا بذوراً يمكن تناميها في المستقبل للخلاف بين الطرفين خاصة اذا كانت هناك محاولات مستمرة لتوسيع سلطات ابو مازن وتقليص سلطات عرفات تمهيدا لازاحته تدريجيا. واكد جاد ان إسرائيل لن تترك فرصة لتحقيق هذا الانقسام داخل صفوف النضال الفلسطيني وستلعب في الفترة القادمة على هذا الوتر لتحقق بالسياسة مالم تستطع تحقيقه بالآلة العسكرية طوال نصف قرن وستفعل ذلك بهدف تقسيم الفلسطينيين إلى جبهتين واحدة مع عرفات واخرى مع ابو مازن ولعل هذا هو التحدي الاكبر الذي تواجهه حكومة ابو مازن في المستقبل القريب. دحلان التحدي الأكبر ويقول ضياء رشوان الخبير بمركزالأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: ان التحدي الاكبر الذي يواجه حكومة ابومازن يتمثل في المهمة المكلف بها محمد دحلان والتي كادت تكون سببا في فشل تكوين الحكومة من الاساس خاصة وان هناك رهاناً أمريكياً وإسرائيلياً على ان ينجح دحلان في وقف العمليات الاستشهادية الفلسطينية وتحقيق الامن الإسرائيلي بما يسمح باستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والمتجمدة منذ اكثر من عامين ونصف العام. وأضاف انه مع وجود موقف فلسطيني قوي معارض في الداخل لشخص دحلان وسياسته لقمع الانتفاضه وما سبق تعيين دحلان من ازمة بين عرفات وابو مازن وما يسود الشارع الفلسطيني من حذر وتخوف من تسبب دحلان في انقسام الصف الفلسطيني كل هذا وضع على عاتق دحلان مهمة صعبة تتمثل في الجمع بين النقيضين وهما حماية الشعب الفلسطيني من البطش الإسرائيلي ووقف عمليات حركات المقاومة الفلسطينية ضد الإسرائيليين. واكد رشوان ان هذه المهمة المطلوبة من دحلان ومن حكومة ابو مازن تواجه تحديات وصعوبات كثيرة اولها صعوبة نجاح دحلان في تحجيم الانتفاضة في الوقت الذي تتواصل فيه المقاومة المنظمة بقدر ماهى مشكلة الشعب الفلسطيني باكمله الذي ضاق ذرعا بالممارسات الإسرائيلية وبالوعود الزائفه للسياسيين وللمفاوضات التي من وجهة نظرهم لاجدوى لها واذا كان من الممكن السيطرة على حركات المقاومة وهذا صعب في الوقت الحالى فانه من الصعب السيطرة على جموع الشعب الفلسطيني فالعمليات الاستشهادية لم تكن مقصورة على حركات المقاومة بل قام بها افراد عاديون من الشعب الفلسطيني وستستمر هذه العمليات سواء المنظمة او الفردية طالما استمرت الممارسات الإسرائيلية الوحشية. واشار رشوان إلى ان نجاح دحلان وحكومة ابو مازن في تحقيق هذه المهمة الصعبه يتوقف على عدة عوامل أهمها وقف الجانب الإسرائيلي لعمليات القتل والاستيطان واظهار الجدية في الرغبة لاستئناف المفاوضات وهو امر صعب في ظل تعنت حكومة شارون وسعيها لافشال أي محاولة لوحدة الصف الفلسطيني وتعنتها تجاه خطة الطريق ومحاولة تشويهها وفي المقابل يجب ان تتفهم حركات المقاومة الفلسطينية ان المرحلة الحالية مرحلة حساسة وتقدم فرصة لاستئناف المفاوضات في ظل تردي الاوضاع في المنطقة وبالتالي تتجاوب مع حكومة ابو مازن لتقطع الطريق على المحاولات الإسرائيلية لافشال خريطة الطريق وتحميل الجانب الفلسطيني مسئولية الفشل وان كان هذا صعباً في ضوء العلاقة المتوترة بين دحلان وحركات المقاومة نتيجة لخبرة التعامل في الماضي بل ربما تتجه حركات المقاومة لتكثيف عملياتها الاستشهادية لاحراج دحلان وحكومة ابو مازن واثبات فشله في تحقيق الامن. واضاف رشوان ان دحلان نفسه لابد ان يتعامل مع هذه القضية بمرونة خاصة وانها قضية شائكة فلا يعقل ان يطالب الفلسطينيين بوقف المقاومة في حين تستمر إسرائيل في القتل والاستيطان واذا كان ابو مازن وحكومته ملتزمين امام الاطراف الدولية بتحقيق الامن من اجل استئناف المفاوضات فهذا يتطلب من هذه الاطراف وخصوصاً أمريكا ان تلتزم بالضغط على الجانب الإسرائيلي لوقف ممارساته الوحشية ضد الشعب الفلسطيني والعودة للمفاوضات وتفعيل هذه المفاوضات لتحقيق نتائج ملموسة على الارض تقنع الشارع الفلسطيني بجدواها وكذلك قطع الطريق امام المحاولات الاسرائيلية من أجل تشوية خريطة الطريق او ادخال تعديلات عليها من اجل تفريغها من مضمونها وافشالها.