سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدرعية صدى التاريخ 3/6 سقوط الدرعية ألهب مشاعر الحزن لدى شعراء الجزيرة
بكى الشعراء واقع الدرعية ورثوا رجالها المخلصين
«الطنانة» أشهر القصائد التي صورت ما جرى للدرعية وأهلها
كنا في الحلقة السابقة قد تطرقنا لمعارك الدرعية التي انتهت بسقوطها.. ولأن سقوط مدينة مثل الدرعية زاخرة بعلمائها وعلومها وحالتها الاقتصادية والاجتماعية الجيدة يعد نكسة كبيرة في نفوس أهلها.. فقد أجاد الشعراء بتصوير حجم تلك الكارثة التي حلت بالمدينة وأهلها.. وفي هذه الحلقة سنتطرق لتأثير ذلك السقوط في الجانب الشعري والأدبي لأبناء الدرعية. انعكاس السقوط كان لسقوط الدرعية وتدميرها انعكاس على نفسية الشعراء حيث بدا الحزن واضحاً بشعرهم عند الحديث عن تلك الفاجعة ويذكر الدكتور عبدالله أبو داهش تلك الحالة بشيء من التفصيل في مقالة له نشرت بمجلة العرب تحت عنوان «الدرعية في أعين الشعراء» حيث ذكر أن الأمر استطار فغشى أنحاء الجزيرة العربية حيث بكى الشعراء واقع الدرعية ورثوا رجالها في نتاج أدبي يكاد يكون مميزاً نادراً وظل الألم يسري في نفوس الشعراء فلقد كان لسقوط الدرعية تأثيره المباشر وغير المباشر في جميع مناطق شبه الجزيرة العربية وبخاصة في ميدان الشعر بالرغم من ضياع معظمه وفقدانه. ويقول الدكتور أبو داهش في دراسته المختصرة التي نشرت بمجلة «العرب» عام 1411ه - التي نوردها في هذه الحلقة-: «ولعل مما يدل على تأثر أدباء الجزيرة العربية وعلمائها بخبر سقوط الدرعية قول الحسن بن أحمد عاكش الضمدي في معرض حديثه عن الحسن بن خالد الحازمي، إذ قال: «وقد كان بلغ استئصال الترك للدرعية، وأسرهم لأميرها عبدالله بن سعود في جماعة من قرابته وأصحابه بعد أن حوصروا مدة، وكان المحاصر له ابراهيم باشا من تحت نظر والده محمد علي باشا صاحب مصر، وبذل مجهوده في استئصال تلك الطائفة النجدية، ولم يزل محاصراً لهم حتى لم يبق لهم عين ولا أثر، فأصبحوا خبراً من الأخبار، بعد أن غنَّت بذكرهم السُّمَّار، ونفذت أوامرهم، في كثير من الأقطار، وبلغت «غزواتهم» أطراف العراق، وطبقوا «بالسريا» أغلب الآفاق: تحكمُوا فاستطاُلوا في تحَكُّمِهِمْ وَعَنْ قَرِيبٍ كأَنَّ الأمْرَ لم يَكُنِ فأصبحت الدرعية مأوى للبُوم، يتجاوب فيها الصدى، مؤذنة أن هذه الدنيا متى ما أضحكت في يومها أبكت غداً، ينشدهم لسان الحال: كأَنْ لم يَكُنْ بَين الحُجُونِ إلى الصَّفا أنيسُ وَلَمْ يَسمُرْ بمكة سامِر ويجيب عنهم في ذلك المقال: بلى نحنُ كنَّا أهلها فأبادَنا صُرُوفُ اللَّيالي والجُدُوْدُ العَوَاثِرُ ومما قاله ابن بشر في معرض حديثه عن أحداث الدرعية: وقد أرخها بعض الاخوان من أهل سدير، وهو محمد بن عمر الفاخري فقال: عام به الناسُ جالُوا حسبما جالوا ونالَ منَّا الأعادي فيه ما نالوا قال الأخِلاَّءُ أرِّخهّ، فقلت لهم: أرخَّتُ، قالوا: بماذا؟ قُلْتُ: غِرِبالُ أبرز الشعراء: ومهما يكن الأمر فإن من أبرز شعراء الجزيرة العربية الذين تناولوا أخبار الدرعية، وبكوها في شعرهم: أحمد بن علي بن مُشرَّف « -1285ه» وعبدالعزيز بن حمد بن ناصر بن معمر «1203 - 1244ه»، وعبدالرحمن بن حسن آل الشيخ «1193 - 1285ه»، وعبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ «1225 -1293ه»، ومحمد بن أحمد الحفظي «1176 -1237ه» وأحمد بن علي بن أحمد دُعيج، «1190 - 1268ه» وغيرهم من أمثالهم، أو ممن شاركوا بشعر عامي ملحون، فالحق أن شعر أولئك وافر غير قليل، أما ابن مُشرَّف فله في بكاء الدرعية قصيدة يتيمة واحدة، بكى فيها سقوط هذه البلدة، وما حل بأهلها من البلاء، وطالعها: أَلَيْلُ غَشَا الدنيا أمِ الأفقُ مُسودُّ أمِ الفِتنةُ الظلماءُ قد أقبلتْ تعدو ويظهر أن هذه القصيدة قيلت في زمن متقدم من عمر الشاعر، إذا قال في شأنه أحد الباحثين المعاصرين: «ويبدو أنه أدرك وهو شاب كارثة الدرعية عام 1223ه/1818م لأن له شعراً فيها. ابن معمر: يكاد ابن معمر يفوق معاصريه في وفرة شعره الذي أنشأه في بكاء الدرعية، فضلاً عن وضوح تجربته وصدقها، فقد ظل يحمل هموم هذا البلاء مذ شهِدَ وقوعهُ بهذه المدينة، وحتى أدركه الموت، حيث رأى الفاجعة، ورحل مغترباً من بعدها، إذ ظل يشده الحنين إلى وطنه، وينتابه إلى ذكر اخوانه الذين فرقهم الزمان، وأخرجهم الأعداء، مما أوجد له شعراً وافراً غير يسير، وقد وصفه ابن بشر بأنه: كان أديباً.. له أشعار رائعة لاسيما في أهل الدرعية فإن له فيهم قصائد منها القصيدة الطنانة التي رثاهم بها وذكر ما جرى لهم وعليهم ومن قصيدته الطنانة المشهورة نختار الأبيات التالية: إليك إله العرش أشكو تضرعاً وادعوك في الضراء ربي لتسمعا وكم قتلوا من عُصبة الحق فتية هداة وضاءً ساجدين وركعا وكم دمروا من مربع كان أهلاً فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا فأصبحت الأموال فيهم نهائباً وأصبحت الأيتام غرثى وجوعا وفر عن الأوطان من كان قاطناً وفرق إلف كان مجتمعا معاً مضوا وانقضت أيامهم حين أورثوا ثناء وذكرا طيباً قد تضوعا فجازاهم الله الكريم بفضله جناناً ورضواناً من الله أرفعا فإن كانت الأشباح منا تباعدت فإن لأرواح المحبين مجمعا عسى وعسى أن ينصر الله ديننا ويجبر منا كل ما قد تصدعا ويعمر للسمحا ربوعاً تهدمت ويفتح سُبلاً للهداية مهيعا ويظهر نور الحق يعلو «ضُياؤه» فيُضحي ظلام الشرك والشك مقشعا إلهي فحقق ذا الرجاء وكن بنا رؤوفاً رحيماً مستجيباً لنا الدُعاء ألا أيها الإخوانُ صبراً فإنني أرى الصبر للمقدور خيراً وأنفعا ولا تيأسوا من كشف مانابَ إنه إذا شاء ربي كشف ذاك تمزَّعا وما قلت ذا أشكو إلى الخلق نكبةً ( ولا جزعاً مما أصاب فأفجعا) وذلك عن ذنب وعصيانِ خالقٍ أخذنا به حيناً فجينا لنرجعا وقد آن أن نرجو رضاهُ وعفوهُ وأن نعرف التقصير منا فنقلعا فيا محسناً قد كنت تحسنُ دائماً ويا واسعاً قد كان عفوك أوسعا تعوذ بك اللهم من سوء صنعنا فإن لنا في العفو منك «لمطمعا» أغثنا أغثنا وادفع الشدة التي أصابت وصابت وأكشف الضرَّ وارفعا ولم يقتصر شعر ابن معمر على هذه القصيدة وحسب، وإنما عرف له العدد من القصائد الذاتية الأخرى التي قيلت بعد نكبة الدرعية، ومنها قصيدته العينية الأخرى. ومن شعره أيضاً قصيدته اللامية التي أنشأها: «وهو في البحرين بعد نكبة الدرعية» ومنها قوله: ذكرتكم يا أهل ودي وقد نأت بي الدار لاصحبُ لديَّ ولا أهلُ إذا ما ذكرنا عهد أنسٍ فإنما يبادرنا دمع من العينِ منهلُّ وأبكي على عقدٍ تناثر نظمه شيوخ واخوان شبابهم كهل أقمنا جميعاً في أمانٍ وغبطةٍ وللسحب بالخيرات من فوقنا وبلُ وقد أصبحت فقراً وأصبح أهلها وعقدهم بعد التآلف منسلُّ ويدرك الناظر في هذا النتاج الأدبي والحديث للدكتور أبو داهش الذي حفل بهموم الشاعر وآلامه، انه قيل بدافع ذاتي حزين، وأنه قد انتظم حياة الشاعر منذ أفجعه حادث الدرعية، مروراً بغربته، وتنقله في البلاد، لا يشده إلى ذكرياته القديمة، وأيامه الخالية سوى هاجس الذكرى، وداعي الألم، فأتت تجاربه متفاوتة، إذ كان حينما نظم قصيدته الأولى يشهد الواقع المؤلم، والموقف الحزين، مما جعل تلك القصيدة تفوق بقية المصادر لمعظم أبياتها.ومع ذلك يمكن القول بأن هذا الشعر بعامَّةٍ يمثل مستوى الأدب حينذاك، ويظهر منزلته، وبخاصة في ميداني أسلوب التعبير، والدلالة اللغوية. عبدالرحمن آل الشيخ فأما عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ فيعتقد أن مقامه في مصر مغترباً منفياً قد أسعفه بشيء من النتاج الشعري، وبخاصة مع صديقه ابن معمر الذي تعوَّد مكاتبته ومراسلته، فلقد أشار الأخير إلى ذلك في شعره، إذ كان لابن الشيخ - كما وصفه أحد المؤرخين - «الباع الطويل في الأصول وفي الأدب والتاريخ والشعر»، وأما ابنه عبداللطيف آل الشيخ فهو:« أجود آل الشيخ شعراً»، وهو الذي يقول فيه عبدالله الحامد:«أما ما وصل إلى الأيدي من شعره، فأوله الرائية المشهورة التي جاوب بها عبدالعزيز بن طوق، ويتحدث الرجلان عن النكبات التي منيت بها الدعوة اثر سقوط الدرعية كما يعرض عبداللطيف الحالة السياسية للبلاد عرضاً لا يوجد في غير هذه القصيدة، وتتجاوز السبعين بيتاً، ومطلعها: رسائل إخوانِ الصَّفا والعشائِرِ أتتكَ فقابِلْ بالمُنى والبشائرِ ومنها: تذكِّرنيِ أيامَ وصلٍ تقدَّمت وعهداً مضى للطيبين الأكابرِ ليالي كانت للسُّعُود مطالعاً وطائِرها في الدهرِ أيمنُ طائِرِ وكان بها ربع المسرةِ آهِلاً تمتع في روضٍ من العلِمِ زاهِرِ وفيها الحُماةُ الناصِرون لربهم معاقلهم شهبُ القَنَا والخناجِرِ أحمد الحفيظي أما محمد بن أحمد الحفظي فقد نظم في هذا الشأن شيئاً من الشعر، ولكنه لم يظهر فيه واقع الدرعية عند نكبتها، وإنما عدَّ سقوطها من بوادر الفتن، التي بليت بها الجزيرة العربية حينذاك، وامتحن بها الإسلام وأهله، ويتحقق هذا القول في قصيدته التي يقول في طالعها: جاءت الساعةُ في أشرطها وأتى مصداقُ قولٍ في العرب قُمْ على ساق اجتهادِ في القُربْ وادكِرْ ب«اقتربت» أو ب«اقترب» وأدِر فكرك تنظر عجباً إن هذا الدهر قد أبدى العجب وقد قدم محمد بن إبراهيم الحفظي لهذه القصيدة في مجموعة «نفحات من عسير» بقوله بأن جده محمد بن أحمد الحفظي قد: «قدم يصور نقمة المواطنين الأحرار على حكم «الترك» الذي ثقل وطؤه على صدر الأمة العربية، وتفجرت نقمته بهذه القصيدة سنة «1233ه». أحمد بن دعيج وأما أحمد بن علي بن دعيج فقد نظم: «أرجوزة طويلة مدح فيها آل سعود، وذكر فيها نكبة الدرعية» ومنها قوله: فاسمع وخذ تاريخ ثالث من بعد ألف نكبة الحوادث تتلو ثلاثاً مع ثلاثين مضت أتت على نجد بنار أوقدت وقبله كأنها عروس والخير في أركانها يميسُ أميرها السميدع المحامي بنفسه عن خدمة الإسلام كم قبلها أباد ربي من أمم من بعد نوح مثل عاد وإرم مصير دنيانا إلى المحاق ثم البقا للواحد الخلاق فيالها من بيضة تفلقت حدائق بعد التفاف قطعت وطالما كانت محل أنس ورحب ساحات لهمٍّ تُنسي عبدالله بن خميس: ومما يدل على أثر تلك الفاجعة لدى شعراء هذه الجزيرة العربية عبر القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين أن شعراء زماننا المعاصرين قد بكوا هذا الواقع بمرارة، وأسى، ومنهم عبدالله بن خميس الذي يقول: أما ههُنا قد كان عِزُّ ودولة ومجدُ يسامي هامة النجمِ فارع وأودى فأمَّا ساكنوهُ فغودروا رميماً لهم تحت الترابِ مضاجعُ وأمَّا الحُصُونُ الفارعاتُ فإنها طَلُولُ تهيجُ الذكريات خواشِعُ تصابى وليست للصبا بأليفةٍ وتخضب منها أشمطا فيمانع وترنو إلى الماضي بعينٍ أسيفةٍ لعلَّ لياليها الرّعاب رواجع. ومثل قوله: فساءَ دُعاة البغي من كلِّ أرعنٍ له سالف في مرتعِ الظلمِ أسودُ فجردها تنوء بالبغي وحملة كأن لها ثأراً على الدين يُقصدُ فكانت لنا قرحاً أصِبنا برزئهِ ولا يدع فينا قد أصيب محمدُ