حفل تاريخ المملكة القديم والحديث بالعديد من رجالات الدين والفكر والتاريخ الذين كان لهم بصماتهم الواضحة في إثراء الجوانب العلمية والفكرية والثقافية على امتداد ثرى هذا الوطن الكبير (المملكة العربية السعودية) ففي محافظة رجال ألمع الواقعة جنوب غرب مدينة أبها برزت أسرة آل الحفظي الألمعية كواحدة من أهم الأسر في تاريخ عسير التي أسهمت ولقرون عديدة في نشر العلم والثقافة جنوب الجزيرة العربية وتخصصت في مجال نشر وتبليغ الدعوة وإقامة العديد من المدارس والحلقات مما أسهم في تسهيل طلب العلم الشرعي على مستوى المملكة عامة وعلى مستوى المنطقة الجنوبية خاصة.. كما أسهم علماؤها في تأليف وإخراج العديد من كتب التفسير في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالإضافة إلى شرح الكثير من صنوف العلم في النحو والعبادات والأحكام.. ومن أشهر وأبرز علماء هذه الأسرة الكريمة قاضي قضاة المسلمين كما ورد في شهادة الخليفة العثماني.. الشيخ أحمد بن عبد الخالق بن إبراهيم بن أحمد الحفظي الأول.. يقول الأستاذ الحسين بن سليمان الحفظي مدير التربية والتعليم بر جال ألمع وأحد أحفاد هذا العلامة الكبير ولد الشيخ أحمد الحفظي في قرية عثالف برجال ألمع سنة 1250ه ونشأ وتربى في كنف والده، حيث تلقى العلوم على يديه واخذ العلم عن عدد من عُلماء أسرة آل الحفظي ومنهم زين العابدين بن محمد بن أحمد بن عبد القادر الحفظي، عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الحفظي سليمان بن محمد بن أحمد بن عبد القادر الحفظي. وأضاف يقول وقد ارتحل في طلب العلم إلى مدينة أبي عريش موطن العلم والعلماء فتتلمذ في مجال اللغة العربية على يد العلامة الحسن بن أحمد عاكش ثم انتقل لمدينة ضمد حيث درس على يد الشيخ محمد بن ناصر الحازمي وعباس بن إبراهيم الحازمي وحسين بن احمد الحازمي وفي عسير تلقى علومه من أبرز علمائها الشيخ مسفر بن عبد الرحمن الدوسري وظافر بن سعيد ثم يمم شطر مكةالمكرمة بصحبة والده العلامة عبد الخالق بن إبراهيم بن أحمد الحفظي فأخذ عن بعض علمائها الأفاضل ومنهم الشيخ الشريف صالح جميل الليل.. وحول المناصب التي تولها يذكر الأستاذ الحسين الحفظي أن الشيخ أحمد الحفظي تولى منصب القضاء والإفتاء في عموم متصرفية عسير أثناء الحكم العثماني وقد بقي في منصبه بعد عودته من الأسر حتى توفي رحمه الله سنة (1317) ه واستطرد يقول وفي عام 1288ه تمكنت الدولة العثمانية من القضاء على إمارة عسير بعد عناء وشدة وفرضت حكمها المباشر على عسير وقتلت أميرها محمد بن عائض وأسرت المئات من أبناء عسير ومنهم الشيخ أحمد الحفظي الذي نُفي إلى بلدة (يانيه) بلبلقان وأردف يقول.. ولكن الحفظي بما عُرف عنه من الذكاء الألمعي قد وجد فرصته السانحة عندما أمر السلطان عبد العزيز بإحضارهم إلى قصره والمثول أمامه فأخذ يوضح لسلطان ما حل به وبقومه من خلال خطبة بليغة ألقاها ارتجالا أمام السلطان وقد حقق هذه الخطبة الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد أبو داهش كما ترجمها إلى اللغة الإنجليزية الأستاذ الدكتور محمد أبو زلفه ونشرها في ثنايا بحثه عن الشيخ في مجلة العصور.. وتوجد المخطوطة الأصل في مكتبة الشيخ الحسن الحفظي (رحمه الله) وأضاف يقول لقد بقي الشيخ الحفظي في بلدة يانيه ست سنوات انقطع فيها للتدريس بجامعها الكبير في علوم الحديث والتفسير والقرآن الكريم وكان يحضر دروسه جمع غفير من العُلماء والأعيان حيث تتلمذ على يده وزير العدل (جودت باشا) وقد أجازه الشيخ الحفظي في الحديث ولا تزال تلك الإجازة محفوظة في أرشيف رئاسة الوزراء، كما ذكر ذلك الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفه في تحقيقه لكتاب السياسة الشرعية فيما يجب على الراعي والرعية ص . 21.وأضاف يقول لقد اشتغل الشيخ الحفظي تلك الفترة أيضا بتأليف عدد من الكتب ومنها تفسير القرآن الكريم في ثلاثة مجلدات ضخمة أهداها إلى السلطان عبد الحميد الثاني وكتاب السياسة الشرعية فيما يجب على الراعي والرعية.. ولكن إندلاع ثورة الصرب في البلقان ووقوف روسيا إلى جانبهم ودخول قواتهم لمحاربة العثمانيين دفعت الشيخ الحفظي للوقوف مع الدولة الإسلامية فأخذ يحث على التصدي لهذا العدوان وشارك بالسنان واللسان فكانت قصائده ذات أثر بالغ لبث الحماس في النفوس وجمع الكلمة والوقوف صفا إلى جانب جيش خليفة المسلمين حيث جمع تلك القصائد في ديوان سماه (الصرخة الإلهامية).. وبعد هذه المحنة الكبيرة وبعد هذه الحرب عاد الشيخ إلى وطنه مكرما معزز غير أن واقع أمته وما تلاقيه من تفكك وفرقة لم تغب عن خاطره فاستمر يدعو إلى وحدة الصف والعودة الصادقة للدين الخالص وهذه القصيدة تصف موقفه ذلك وتؤيد الدعوة السلفية والقائمين عليها من آل سعود وآل الشيخ والتي يقول فيها الله أكبر هذا أعظم المنن.. أن عدت أرضي بُعيد الأسر والمحن وزرت نجدا دعاة الدين فيه هم ولاة أمري وأهل الفضل والمن وسرت أسعى حثيثا في عسير كذا كل البلاد إلى مصر كذا اليم أدعو السراة إلى دين يوحدهم.. صفا ويمنعهم من صولة الزمن يقول عنه الدكتور أبو داهش في حوليات شوق حباشه العدد الخامس ص 59.وفي الحقيقة احمد الحفظي بن عبد الخالق من أشهر عُلماء رجال ألمع وأدبائها في تلك الفترة بل من أبرز شعراء الجزيرة العربية في ذلك العهد.. كما كتبت صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر بتاريخ 24إبريل عام 1879م أنه قد أسند له قيادة الجيش العثماني في كثير من الحروب ومنها حرب البلقان وقبرص والتي حقق خلالها نجاحا أبهر الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني. هذا وقد حصلت الرياض على صورة من هذه الوثيقة التاريخية التي قامت دارة الملك عبد العزيز مشكورة بترجمتها من اللغة التركية العثمانية إلى العربية وتشير هذه الوثيقة الهامة الى أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قد منح العلامة أحمد الحفظي وساما مجيدا مرصعا بالمجوهرات من الدرجة الأولى بتاريخ غرة المحرم من عام 1295ه ، حيث ورد في هذا الفرمان ما نصه ((أنه بموجب هذا الفرمان الصادر للعالم أحمد الحفظي المشهود له بين العلماء بالعلم والفضيلة والتورع والإيمان وأنه من أعلم العلماء المتبحرين فقد تم منحه وساما عثمانيا مجيديا رفيع الشأن من الدرجة الأولى ومرصعا بالمجوهرات هذا بالإضافة توليته من قبل السلطان عبد الحميد لقضاء (أدرنه) وتسميته بقاضي قضاة المسلمين ومفتي اليمن السابق بقي لنا أن نذكر القارئ ببعض مؤلفاته التي ألفها أثناء أسره في تركيا وهي: - تفسير القرآن الكريم في ثلاثة مجلدات - السياسة الشرعية فيما يجب على الراعي والرعية - ديوان شعر ضم كثيراً من أشعاره - الديوان المرضي - تصدير البردة وتعجيزها - رسائل في الفقه والأدب