* لن أتحدث هنا عن توالي فقد العلماء الذي منيت به الأمة الإسلامية في هذا الوقت وهي في حاجة إليهم على أشد ما تكون فقد تحدث عن هذا الموضوع كثيرون، والذي ينبغي ألا نكتفي بالقاء نفثات الأحزان على هذه الصفحات وحسب بل نسعى إلى تنشئة أبنائنا تنشأة صالحة ليكونوا خلفاً صالحين لخير سلف ووفاة الشيخ العلامة المؤرخ الفقيه عبدالله بن عبدالرحمن البسام رحمه الله تعالى وغفر له دعاني إلى المشاركة ولو بهذه الأسطر القليلة التي لا تعد في مناقب الشيخ شيئاً يذكر. ومعرفتي بالشيخ من خلال كتب قديمة ولم يتسن لي الالتقاء به وجها لوجه إلا في سنة 1415ه وذلك في المسجد الحرام بعد ان انتهى من القاء أحد دروسه بلهجته المميزة. ثم توالت بعد ذلك لقاءاتي به في مقر عمله في محكمة التمييز وفي منزله وبالاتصال الهاتفي أحيانا وقد وجدت منه رحمه الله كل حفاوة وترحيب وحسن استقبال رغم ارتباطاته ومشاغله الكثيرة فهو عضو في كثير من الجمعيات واللجان الخيرية باذلاً نفسه وماله في خدمة الإسلام والمسلمين بل كان رحمه الله تعالى يبادر بالبذل إذا رأى مجالاً له حتى بدون أن يطلب منا. ولازلت أتذكره وهو يردد بيت الشاعر: مازلت تدأب في التاريخ تكتبه حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا ولا تخلو مجالسه من متصل يستفتي الشيخ في مسألة. وآخر يطلب مساعدة، بالإضافة إلى من يؤم مجلسه من المشايخ وطلبة العلم والمثقفين وغيرهم الذين يجهزون للسلام عليه ويتم في أمثال هذه المجالس(1) التناقش في بعض(*) المسائل الدينية والتاريخية وجوانب العلم المختلفة. وأذكر في أحد هذه المجالس أن الشيخ كان يتكلم عن كتاب: (المجموع) للإمام النووي الذي توفي قبل أن يتمه، وكان الشيخ يتمنى ان النووي أكمله لأن جميع الذين حاولوا ذلك بعده لم يستطيعوا أن يصلوا إلى مستوى هذا الإمام ولا حتى قريباً منه. ولاشك ان لدى ملازمي الشيخ والمجالسين له باستمرار كثيراً من الفوائد عن حياة الشيخ وكذلك المعلومات والقصص التي كان يرويها وكثير منها غير موجود في كتاب وليس خافٍ على الكثير ما تمتع به الشيخ من جلد على البحث وحرص على أخذ المعلومات من مظانها من الثقات حتى ممن هم دونه في العلم والسن مما يدل على تواضعه الجم. وقد قام بزيارات لكثير من البلدان ومنها بلدة أشيقر حيث زارها عدة مرات من أجل جمع المعلومات. وهو في كتابه المشهور: (علماء نجد) قد أجاد كل الإجادة فيما أورده من تراجم وأخبار حتى عد بلا مراء المرجع الأول في بابه فيما يخص تراجم العلماء النجديين. وللشيخ عبدالله رحمه الله تعالى تواصل مع الصحافة منذ زمن ليس بالقريب فقد اطلعت على مجلة (اليمامة) في عددها الثاني من سنتها الثانية الصادرة في شهر صفر سنة 1374ه اطلعت على مقال له بعنوان:«الإسلام رسالة البشرية» ولعل له مشاركات سابقة في غيرها من الصحف، واستمر طيلة العقود الماضية في نشر الأبحاث المفيدة ولعلِ آخر ما نشر له من هذه الأبحاث في مجلة: «المجمع الفقهي الإسلامي» التي تصدر عن رابطة العالم الإسلامي في عددها الرابع عشر سنة 1422ه بعنوان «حديث ابن عمر في بيع الدراهم بالدنانير وبالعكس». وعزاؤنا في فقد الشيخ أنه خلف ثروة علمية ضخمة من المؤلفات والمدونات وغيرها استفاد منها القاصي والداني نسأل الله ألا يحرمه أجرها. وعزاؤنا كذلك أنه خلف ذرية صالحة قادرين على مواصلة مسيرة والدهم، وكما بروا به في حياته سيبرون به ان شاء الله بعد وفاته وذلك بنشر مؤلفاته ومخطوطاته التي لم تنشر بعد وقد وعد هو بإخراجها ليستفيد منها العلماء وطلبة العلم والباحثون في شتى المجالات لتكون له صدقة جارية. فإن لدى أبنائه من الأريحية وسعة الأفق ما يطمئن إلى ذلك وفقهم الله تعالى. رحم الله الشيخ عبدالله البسام وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله ومحبيه الصبر على هذه المصيبة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الهوامش: * الوشم أشيقر 11961 ص.ب 6075 (1) من المناسب الإشارة إلى مجلس آخر من المجالس العلمية والأدبية الخاصة بأسرة آل بسام وهو مجلس قديم ذكره إبراهيم الدروبي في كتابه: «البغداديون أخبارهم ومجالسهم: 174».