أذهب سنوياً وفي موعد محدد لتسديد قسط الصندوق العقاري، ولم يكن في ذلك مشكلة، فقد تعودت على سد المنافذ كافة، التي تثير القلق أولاً بأول، فليس أكثر قلقاً بالنسبة لي، من دين مستحق السداد.. وقد وجدت في أثناء ترددي السنوي على الصندوق، أنني شخص بالغ الحساسية، بل إن أحد المعارف قال لي: لماذا تخاف من عدم التسديد؟ «خليك شجاع مثلي، لي عشر سنوات ما وقفت على بابهم، خلينا نأكل العيال ونلبسهم ونمشيهم، وبعدين نشوف حق الصندوق.. بعدين هذا حلال الحكومة، واحنا عيال الحكومة!!» ولم أضحك ولم أبتئس لكلام هذا الرجل، لأن واقع الحال يقول ذلك، فأثناء ترددي على فرع البنك لتسديد القسط السنوي - عفواً على هذا التكرار- كنت أفاجأ في كل مرة، بأن البنك يكاد يكون خالياً من المسددين، فهل كل هؤلاء الغائبين، لديهم مبررات ذلك الرجل نفسها؟ هل كلهم يعتبرون مال الحكومة حلالاً يجب نهبه، أو أن بعضهم يعتبر أن مال الحكومة ماله الخاص، فيصرف منه على هواه، دون أن يقول له أحد قف، أو على الأقل اقتصد؟ لا أحد يفكر من هؤلاء أن المبلغ الذي يسدده، قد يفيد شخص آخر في أمس الحاجة، لبناء منزل لأسرته، للأسف قلة من يفكرون في ذلك، وهذا ما جعل طابور منتظري قروض الصندوق، يزداد عاماً بعد عام، فقد كان طالب القرض يحصل عليه بعد شهر أو شهرين، لكنه الآن مطالب بالانتظار لمدة، قد تصل إلى السبع والثماني سنوات، وحتى تأتي هذه الفرصة أو يحل هذا الوقت يكون كل شيء قد تغير! هناك من يقول، إن صندوق التنمية العقاري مسؤول عن إحجام الناس والتزامهم، بتسديد ما عليهم، من قروض، فقد كان المفروض أن يقوم الصندوق بمتابعة حقه، فالمال السارب أو المهمل أو المتروك يعلم السرقة، لكن واقع الحال يقول إن هناك العديد من المحصلين الذين يتابعون ديون أو مستحقات الصندوق لدى الأفراد، ولكنهم لا يملكون الصلاحيات التي تجبر المقترض على السداد، مثل الإجراءات القضائية السريعة والباترة والضمانات الخاصة القادرة على الايفاء بحقوق البنك، لدى الأفراد في أوقاتها، حتى وصلت المبالغ المستحقة للصندوق، لدى المقترضين أكثر من (25) مليار ريال، وهو مبلغ كبير، بإمكانه لو توفر، أن يحل مشكلة العديد من المسجلين على قائمة الانتظار! يحصل هذا التعثر في سداد مستحقات الصندوق، مع وجود العديد من المزايا، التي طرحت لكي تحث الناس على الايفاء بالتزاماتهم في التسديد أولا بأول، فمن يسدد في موعده يحصل على إعفاء قدره (20%) من قيمة القسط و(30%) من قيمة كل قسط يسدد قبل موعده ، وهناك فرص لتسديد الأقساط المتأخرة غير التي ذكرنا، كل هذه المزايا، كان من المفروض أن تدفع كل مقترض على الايفاء بالتزاماته، فمثلما أخذ المقترض قرضا دون أي فوائد، عليه ان يعطي أو يسدد ما أخذه، خاصة أن هذا التسديد، راعى ظروف الجميع المادية والاجتماعية، يكفي أن كل قسط سنوي، لا يصل أحياناً لقيمة إيجار شقة سكنية من غرفتين. إن الذي يسكن يفضل تسهيلات الصندوق في فيلا من عدة غرف، ما كان يسكنها لولا هذه التسهيلات، كان من المفترض أن يكون أكثر امتناناً، فيؤدي ما أخذ لمن أعطى، لكي يحول ما سدده لطوابير من الناس ينتظرون فرصته نفسها.. إنني أتساءل الآن: لماذا تنجح البنوك، في أخذ مستحقاتها، من المقترضين في الوقت الذي يفشل الصندوق في ذلك؟ مع أن البنوك لا تأخذ حقوقها فقط، ولكنها تأخذ عليها فوائد متراكمة قد تصل إلى (70%) من القرض، في الوقت الذي لا يطمع الصندوق في أكثر من حقه، وحتى هذا بات عزيز المنال لدى مواطن سعى وبكى، لكي يأخذ القرض، ثم أطلق ساقيه للريح عندما حصل عليه!..