تشتهر مقامات الحريري في التراث العربي الإسلامي كشهرة كليلة ودمنة، وتحتوي مقامات الحريري على خمسين رواية مصورة برواية الحارث بن حمام، حيث تقع أحداث كل رواية في مكان مختلف من العالم الإسلامي، وفي كل رواية يقص الغريب أبوزيد السروجي على مجموعة من الناس روايته حيث يروعهم فصاحته وسعة معرفته واطلاعه وحكمته بحيث يغدقوا عليه في النهاية الاموال التي ينفقها بحكمة وبتعقل، وتهدف مقامات الحريري الى ابلاغ الحكمة والفصاحة الادبية. وبالرغم من ذلك فلا تخلو من اللمحات التي تصور الشخوص أو المكان، وتعد قصص الادب أو التاريخ العربي احدى المصادر المهمة التي تسجل نماذج من المكان أو الاحداث أو الشخوص التاريخية، وأحد أبرز الامثلة رحلات ابن بطوطة او كتب التاريخ ككتاب المقريزي (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)، أو مقدمة ابن خلدون. وفي كل من هذه السجلات التاريخية يمكن استخلاص نماذج ومشاهد عمرانية مصورة ببلاغة وبفصاحة العرب المعهودة، ولذلك فكثيرا ما يعمد الباحثون اليها لإعادة تركيب المآثر التي تهدمت أو جرى عليها التحوير والتغيير بفعل الزمن أو أحداث التاريخ، أو لإعادة ترميم وتخطيط منطقة بناء على الوصف التاريخي لها. ولذلك نجد ان الاحداث التي تقصها مقامات الحريري تجري في أماكن متعددة تتنوعو ما بين البر والبحر وفي المدن أو القرى أو الصحراء، أو في العراء أو داخل البيوت أو المساجد أو القصور وهكذا، بالاضافة الى ان الروايات تتضمن وصف الناس والحيوانات والطيور كشخوص ضمن المكان والزمان التي تعتمدها الرواية الواحدة. أما المنمنمات الملونة الشهيرة كالصورة المرفقة فتعكس الفن الإسلامي من ازياء ذات الوان وتصاميم سائدة في تلك الفترة بالاضافة الى مشاهد من فنون المعمار مرسومة بطريقة فريدة مسطحة، ولذلك فكما ذكر تعد هذه المنمنمات وثائق تاريخية فريدة تسجل بالصور طبيعة الحياة السائدة وأوجهاً من الحضارة في تلك الفترة. وتظهر الحيوانات المختلفة بهذه المنمنمات كالجمال والماعز والطيور. بالاضافة الى الزروع كالنخيل، وأيضا مشاهد من الحرف السائدة التي تظهرها الشخوص المحكية أو المرسومة بها. ومن ناحية فنية يعتقد الباحثون المعاصرون في جماليات وعناصر هذه المنمنمات الفنية ان الفنان المسلم انذاك قد تأثر الى حد كبير بالفنون اليونانية القديمة إلا ان المنمنمات لا تظهر ذلك بجلاء حيث تم تطويع العناصر الفنية لتحكي الواقع المحلي، وتظهر المنمنمات مهارة فائقة في اضفاء الحيوية والديناميكية والحركة ضمن اللوحة الفنية فهناك العلاقة بين المتكلم والمستمع كما نراها في راكبي الجملين أو في الاشخاص الذين يظهرون في خلفية المنمنمة، بالاضافة الى اعطاء الانطباعات الواقعية لحركة وسير الحيوانات والجملين بالذات عدا المهارة في التوزيع اللوني المتوازن، وبذلك فهذه المنمنمات لا تعكس القدرة الفنية فحسب بل هي كما ذكرنا من أبرز الوثائق التاريخية لتسجيل مختلف اوجه الفن والحضارة العربية الإسلامية في مختلف مظاهرها، وتظل محورا للاجتهاد والتحليل والقراءة.